اقتصاد دولي

«شل» تحقق مكاسب قياسية… ماذا عن ضريبة الأرباح غير المتوقعة؟

هنالك غضب كبير من الأرباح «الفاحشة» التي سجلتها شركة «شل» – ما يقرب من 40 مليار دولار (32.2 مليار جنيه استرليني) في أنحاء العالم العام الماضي. هذه أرباح هائلة، حتى بمعايير شركات النفط الكبرى.
بضعة مليارات فقط من هذا المبلغ تم تحقيقها في المملكة المتحدة [تعمل الشركة في أقرابة الـ100 دولة]، لكن المبلغ لا يزال كبيراً بما يكفي لإثارة الضيق. في الغالب توصف شركات النفط بأنها «خبيثة» و»شريرة» لأنها تستخرج الوقود الأحفوري من الأرض، وهو أمر سيئ، وهي تكسب كثيراً من المال من دون أن تبذل جهداً كبيراً، وهو أمر غير مستساغ بالقدر نفسه.
على رغم أن شركات النفط كانت قد تكبدت أيضاً خسائر هائلة (وإن كانت أصغر) خلال الجائحة – 21.5 مليار دولار في حالة «شل» – فإن هذا لا ينفي وجود امتعاض من أرقام الأرباح الأخيرة هذه لأن تقييد إمدادات الطاقة بعد الحرب الخبيثة والشريرة في أوكرانيا التي بدأها فلاديمير بوتين هي من قام بتضخيمها [الأرباح] بشكل مصطنع.
بطبيعة الحال، يقارن الناس الآن بين السهولة التي يمكن بها لشركة نفطية عملاقة أن تولد أموالاً أكثر من حاجتها، ومن دون بذل كثير من الجهد، ومحنة الفقراء والضعفاء الذين يعيشون في فقر من دون أن يكون في مقدورهم دفع فواتيرهم. من المخزي أننا نعلم اليوم كيف يفوض المحضرون القضائيون في شكل روتيني من قبل «بريتيش غاز» British Gas والمحاكم لفرض أنفسهم بالقوة داخل منازل الناس بغرض تركيب عدادات مسبقة للدفع ذات الكلفة الأعلى (تقول «بريتيش غاز» إنها علقت العمل بهذه الممارسة). تخيلوا لو أن طاقتنا كلها تقريباً يولدها مزيج من المصادر المستدامة، مع حمولة أساسية من الطاقة النووية عندما لا تشرق الشمس ولا تهب الرياحة إنه وضع يفسح المجال أمام الغضب الأخلاقي. بول نوفاك، الأمين العام لمؤتمر الاتحادات المهنية، كان قد ذكر أن الأرباح «فاحشة» و»إهانة للعائلات العاملة». على هذا لا يسعني إلا أن أقول، لا ينبغي لنا أن نلوم شركات الطاقة، بل أن نلوم أنفسنا. خطؤنا أننا في الموقع الذي نحن فيه. نحن المدمنون على الوقود الأحفوري. أما شركات الطاقة فلا تفعل سوى أنها تبيعنا ما نريده.
من الواضح أننا يجب أن نفرض ضريبة «أرباح غير متوقعة» كبيرة على «شل» وغيرها، لأنها، باعترافها، لن تحدث فارقاً كبيراً في خططها الاستثمارية. قد يكون المعدل الحالي البالغ 75 في المئة نفسه متواضعاً للغاية، نظراً إلى الطريقة غير العادية التي تضخمت بها الأرباح – نحو ضعف ما «ينبغي» أن تكون عليه. كذلك يبدو من قبيل الغباء عرض إعفاءات ضريبية ضخمة على الشركات لاستكشاف حقول غاز ونفط جديدة، بالنظر إلى أزمة المناخ والتقدم المخيب للآمال في تحقيق الأهداف الخاصة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مؤتمر لأطراف الـ26 المعني بتغير المناخ (COP 26).
هناك حجة مستمدة من نظرية اقتصادية مفادها بأن أرباح «شل» هي مكافأة للمساهمين الذين يخاطرون بالاستثمار، وهناك حاجة إلى تلك الأرباح في تمويل الاستثمار في إمدادات الطاقة المستقبلية، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة، لكن أحداً لا يستمع حقاً إلى هذا النوع من الأشياء في الوقت الحالي. السؤال الأكثر صلة هو لماذا تستخدم الضرائب على الأرباح غير المتوقعة لدعم فواتير المستهلكين، والذي يمنحهم حافزاً أقل للاقتصاد في استهلاك الغاز وسبباً أقل لعزل منازلهم حرارياً. بعد أن نغضب من «شل» قليلاً، نضع الأطفال في سيارة الدفع الرباعي التي تعمل بالديزل، ونتوقف للتزود بالوقود في محطة لـ»شل»، ثم نأخذهم إلى المدرسة القريبة، ثم نعود إلى المنزل، ونضع حطبة أخرى في الموقد ونرفع منظم الحرارة لأن الجو بارد بعض الشيء، أليس كذلك؟
كانت إحدى النتائج المؤسفة للعنوان الرئيس الشائع بأن «سقف» فواتير الطاقة سيبلغ ألفين و500 جنيه استرليني سنوياً هي أن بعض الناس اعتقدوا بأن في مقدورهم بالتالي استخدام الكمية التي تحلو لهم من الغاز والكهرباء من دون أن يضطروا أبداً إلى دفع أكثر من ألفين و500 جنيه – مثل البوفيه حيث يمكن للمرء «تناول ما يستطيع تناوله» لكنه مخصص للطاقة. وعلى رغم خطأ ذلك، فلا يزال ثمة شعور بأن الإشارات إلى الأسعار الحادة، التي من شأنها أن تشجع الناس على خفض منظم الحرارة وارتداء كنزة، تخفف منها سقوف الأسعار والإعانات.
يتمثل استخدام أفضل للمليارات التي يجب على الحكومة أن تجمعها وستجمعها من الضرائب على الأرباح غير المتوقعة في دفع كلف برنامج وطني ضخم للعزل الحراري المنزلي، وتسريع الاستثمار في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية. وفي الواقع، يمكن القول لشركات الطاقة إن بوسعها الاحتفاظ بأموالها لكن فقط إذا أنفقتها على مزارع الرياح ومحطات الطاقة النووية، ولم تستخدمها للتنقيب في بحر الشمال أو لتعزيز الأرباح السهمية ومكافآت المسؤولين التنفيذيين.
تخيلوا لو أن طاقتنا كلها تقريباً يولدها مزيج من المصادر المستدامة، مع حمولة أساسية من الطاقة النووية عندما لا تشرق الشمس ولا تهب الرياح. وشركات الطاقة العملاقة هي الأطراف التي لديها الخبرة اللازمة لتحقيق ذلك. عندئذ ستعتبر هذه الشركات أبطالاً، لكن دفعها في اتجاه بناء جنة خضراء متروك للحكومة. أما في الوقت الحالي، فأداؤها جيد جداً بفضل بيعها الغاز الذي نتوق إليه. تعد مساعدة الأسر الأكثر فقراً التزاماً أخلاقياً مطلقاً، لكن أفضل طريقة للقيام بها هي منح البلاد طاقة مستدامة رخيصة. وفي الوقت نفسه، تعتبر المساعدة في أزمة كلف المعيشة، في الحقيقة، مسألة تتعلق بنظام الضرائب والمساعدات الحكومية، إذ يجب أن تتوفر في الأجل البعيد. ومع ذلك، يكون هذا النظام نظاماً أكثر تقدمية، لكن أليس من الأسهل مجرد التظاهر بأن شركات النفط الكبرى يمكنها دائماً أن تدفع بدلاً من إقامة نظام كهذا؟ باستثناء نشطاء المناخ الخضريين الذين يعيشون حياة مبدئية ومقتصدة، نحن جميعاً، بخلاف ذلك، منافقون رهيبون. لن تقع أزمة طاقة ولن تتولد أرباح غير متوقعة لأمثال «شل» إذا لم نقد، مثلاً، سيارات الدفع الرباعي بمحركات تعمل بالبنزين، وإذا لم ندفئ منازلنا بالغاز الطبيعي المريح، وإذا لم نضئ مدننا بالكهرباء المولدة من حرق الغاز، وإذا لم نسافر جواً مرتين في السنة إلى أماكن بعيدة لقضاء عطلنا، وإذا لم نأكل كثيراً من اللحوم، ونشرب كثيراً من المياه المعدنية المستوردة… تخيلوا ذلك. إذا كنا أكثر توفيراً، وأقل نفاقاً، لن تكون «شل» وشركات الطاقة الكبرى الأخرى موجودة حتى، أو في الأقل لن تعمل في مجال الوقود الأحفوري بالقدر نفسه. إذا لم تكن صناديق التقاعد لدينا تعتمد بشكل كبير على الأرباح السهمية المنتظمة والصحية لهذه الشركات، ناهيك بالأعمال المربحة الأخرى المرتبطة باستهلاك طاقة الوقود الأحفوري، مثل «تويوتا»، مثلاً، ستتعطش هذه الشركات ببساطة إلى رأس المال، ولن تتمكن من العمل لفترة طويلة جداً.
لكن معاشاتنا التقاعدية ستكون هزيلة. هذا، في الواقع، هو المنطق وراء الحركة الاحتجاجية المسماة «أوقفوا استخدام النفط «، والحملات الأخرى الداعية إلى «خفض تمويل» شركات الطاقة القديمة. منطقها لا تشوبه شائبة، لكنني أتساءل عما إذا كان الرأي العام مستعداً للحياة من دون الوقود الأحفوري.

هناك أزمة طاقة، وأزمة على صعيد كلف المعيشة طبعاً، لكن هناك أيضاً أزمة تنافر معرفي. نعتقد أن هذه الأزمات لا علاقة لنا بها، وأننا ضحايا «شركات النفط الكبرى» – وبعد أن نغضب من «شل» قليلاً، نضع الأطفال في سيارة الدفع الرباعي التي تعمل بالديزل، ونتوقف للتزود بالوقود في محطة لـ»شل»، ثم نأخذهم إلى المدرسة القريبة، ثم نعود إلى المنزل، ونضع حطبة أخرى في الموقد ونرفع منظم الحرارة لأن الجو، حسناً، بارد بعض الشيء، أليس كذلك؟

أعتقد أن نقطتين مفصليتين لنا جميعاً ستطرآن في السنوات القليلة المقبلة. ستطرأ الأولى عندما يحل الحظر المفروض على السيارات الجديدة المزودة بمحركات الاحتراق الداخلي في الفترة بين عامي 2030 و2035 (تحصل السيارات الهجينة على إعفاء أطول). وسيدفع الاتجاه العام في فرض ضرائب على الوقود الناس بعيداً من البنزين (الديزل انقرض تقريباً بالفعل) ونحو السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.

هذه أخبار ممتازة، باستثناء أن السيارات الكهربائية تميل إلى أن تكون أكثر كلفة، وتعتبر الطرز المستعملة الأرخص حتى أغلى بكثير من الطرز المكافئة العاملة بالبنزين. وتعد السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات ممتازة في شكل عام على صعيد القيادة وتعتبر كلف تشغيلها منخفضة، فضلاً عن كونها خضراء، لكنني أسأل فقط عما ستفعله العائلات الفقيرة التي اعتادت على انتقاء سيارة في مقابل ألف جنيه أو ألفي جنيه عند حظرها كلها.

لا شك في أن وفور الحجم [خفض الكلف مع زيادة الإنتاج] قد تساعد السيارة الكهربائية على أن تصبح متاحة، لكن من الصعب رؤية ذلك يحدث بسرعة كافية للحفاظ على التنقل الشخصي الذي نعرفه الآن. ومن غير المرجح أن يكون النقل العام بديلاً قابلاً للتطبيق ذلك لأن دافعي الضرائب، كمسألة اختيار مجتمعي مرة أخرى، لا يرغبون في دعم المسارات غير الاقتصادية للحافلات والسكك الحديدية.

وينطبق الشيء نفسه على التحول من غلايات الغاز (وتلك المواقد العصرية العاملة بالحطب) إلى مضخات حرارة الهواء والأرض التي تعمل بالطاقة الكهربائية. تعمل هذه المضخات مثل ثلاجة عكسية موضوعة خارج المبنى ويمكنها تشغيل مشعات [Radiators] تقليدية، أو من خلال عناصر في أنظمة للتدفئة واقعة تحت الأرضية وما شابه ذلك. يشكك البعض بهذه الطرق، إلا أنه من الإنصاف القول أنها تعمل بشكل أفضل في المباني المعزولة حرارياً والمصممة خصيصاً لها.

للأسف، كانت المساكن الساحرة في بريطانيا، من البيوت المتصلة المبنية في العصر الفيكتوري، والفيلات العائدة إلى العصر الأدواردي، والبيوت شبه المنفصلة المبنية في ثلاثينيات القرن العشرين مخصصة لعالم يسوده الفحم والعواصف. وستكون إعادة التجهيز بتكنولوجيا مضخات الهواء القابلة للاستمرار مكلفة لرؤوس الأسر – في الأقل خمسة آلاف جنيه لكل مضخة حتى مع إعانة حكومية.

باستثناء المنازل الجديدة المبنية بعد عام 2025، لن يفرض حظر مطلق على غلايات الغاز، لكن ضغطاً رسمياً وسعرياً متزايداً قد ينشأ لإجراء التبديل، لأسباب تتعلق بجودة الهواء وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. صحيح جداً، لكن أي جهة ستسدد الكلف؟ من الواضح أن الجهة ستكون «شل».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى