اقتصاد دولي

أسعار الذهب في قبضة سيناريوهين قبل نهاية العام

يقف الذهب على أعتاب سيناريوهين في النصف الثاني من العام الحالي، بعد أداء قوي في الأشهر الستة الأولى من 2023، حقق فيها المعدن النفيس ارتفاعاً قدره 5.4 في المئة ليغلق في يونيو (حزيران) الماضي عند 1912 دولاراً للأوقية.

بينما تقترب البنوك المركزية من نهاية دورة التشديد، يتوقع للذهب أن يظل مدعوماً على خلفية عائدات السندات مقيدة النطاق والدولار الضعيف أمام سلة العملات الرئيسة.

في الوقت الحالي يشير إجماع السوق إلى ركود معتدل في الولايات المتحدة في أواخر العام الحالي، ونمو بطيء في الأسواق المتقدمة، ولكن بالنظر إلى الفارق التاريخي بين السياسة النقدية والأداء الاقتصادي، يشعر المستثمرون بالقلق من احتمال حدوث هبوط صعب.

يلفت تقرير توقعات نصف العام الصادر عن مجلس الذهب العالمي، إلى أن المعدن أمام مفترق طرق على ما يبدو، الأول تدهور الظروف الاقتصادية، وفيه سيشهد الذهب طلباً استثمارياً أقوى، في حين أن الطريق الآخر، فيشهد هبوطاً ناعماً للاقتصاد ومواصلة السياسة النقدية الأكثر تشدداً ورفع أسعار الفائدة، وهو ما يؤدي إلى سحب الاستثمارات من صناديق التداول المدعومة بالذهب.

في النصف الأول من العام، تفوق الذهب على جميع الأصول الرئيسة الأخرى باستثناء أسهم الأسواق المتقدمة، ولم يسهم في تحقيق عوائد إيجابية لمحافظ المستثمرين فحسب، بل ساعد أيضاً في تخفيف التقلبات على مدار النصف الأول، بخاصة خلال أزمة إفلاس البنوك في مارس (آذار) الماضي.

يعزو مجلس الذهب العالمي، أسباب تفوق المعدن إلى مجموعة من العوامل، تشمل استقرار الدولار الأميركي وأسعار الفائدة، والتحوط من الأخطار الاقتصادية، إلى جانب استمرار طلب البنوك المركزية.

رغم ذلك، يبدو تقرير مجلس الذهب العالمي الأخير حذراً في شأن مسار المعدن في النصف الثاني من العام. ويرى أن هناك سيناريوهين يرسمان هذا المسار خلال الأشهر الستة المقبلة.

سيناريو إبطاء رفع الفائدة

كلما كانت البنوك المركزية أقرب إلى تخفيض وإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة وإنهاء التشديد، سيظل الذهب مدعوماً لبقية العام الحالي، وإن لم يخترق بشكل كبير النطاق الذي اخترقه في النصف الأول من العام.

قام كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا بزيادة أسعار الفائدة في يونيو الماضي، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أبقى سعر الفائدة المستهدف من دون تغيير لأنه يتيح لآثار دورة التضييق أن تشق طريقها عبر الاقتصاد الحقيقي، ويتوقع المشاركون في سوق السندات الأميركية زيادة إضافية من جانب الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، على الأرجح في يوليو (تموز) الحالي، تليها فترة “تعليق” مستدامة.

بينما تتوقع أسواق السندات أن يقوم البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا بزيادة معدلات الفائدة المستهدفة، ترجح الأسواق أن تكون نهاية الدورة قريبة أو في الأقل ستكون بحلول نهاية العام، كما يذكر تقرير مجلس الذهب العالمي.

في حين أن النمو الاقتصادي البطيء في الغرب قد يكون له تأثير سلبي على الإنفاق الاستهلاكي، يتوقع مجلس الذهب العالمي أن الاقتصاد الهندي سيصمد بشكل أفضل وستستجيب الصين للتحفيز الاقتصادي المحتمل في وقت لاحق من العام مما يوفر بعض الدعم للطلب المحلي على المعدن من جانب أكبر مستهلكين.

يرجح “المجلس” أن أسعار الفائدة المنخفضة قليلاً وضعف الدولار الأميركي سيساعدان الذهب عن طريق تقليل كلفة الفرصة البديلة للمستثمرين، وهو ما يتماشى مع دورات التعليق السابقة، التي استمرت ما بين ستة أشهر و12 شهراً، فخلال هذه الفترات، كان للذهب متوسط عائد شهري قدره 0.7 في المئة، أي ما يعادل 8.4 في المئة عائد سنوي.

مع تشديد السياسة النقدية، ينظر عديد من المستثمرين أيضاً إلى مؤشرات مديري المشتريات باعتبارها إشارات ضعف في المستقبل، وفي الواقع، شهدت مؤشرات مديري المشتريات في الأسواق المتقدمة (التصنيع والخدمات) تدهوراً في الأشهر الأخيرة.

يلفت مجلس الذهب إلى أن المعدن الأصفر يميل إلى التفوق في الأداء على الأسهم عندما يكون مؤشر مديري المشتريات التصنيعي أقل من 50 وهبوطاً، علاوة على ذلك، إذا انخفض مؤشر مديري المشتريات إلى ما دون مستوى 45 نقطة، فإن التاريخ يشير إلى أن أداء الذهب المتفوق قد يكون أكثر وضوحاً.

وبينما كان أداء الذهب ضعيفاً مقابل الأسهم إذا كان مؤشر مديري المشتريات التصنيعي أقل من 50 ولكنه يرتفع، فإنه لا يزال يقدم عوائد إيجابية، ويظهر الفوائد غير المتكافئة التي يميل إلى جلبها إلى المحافظ، كما يقول تقرير “المجلس”.

سيناريو الركود العميق

إذا زادت مخاطر الركود، فقد يشهد الاستثمار في الذهب ارتفاعاً أكبر، إذ يمكن أن يكون التدهور الاقتصادي مدفوعاً بزيادة كبيرة في حالات التخلف عن السداد بعد تشديد شروط الائتمان أو عواقب أخرى غير مقصودة لبيئة معدل الفائدة المرتفع، أثر كبير في دعم صعود الذهب.

تاريخياً، نتج من هذه الفترات تقلبات أعلى، وتراجع كبير في سوق الأسهم، وإقبال عام على الأصول السائلة عالية الجودة مثل الذهب.

اطمأن مجلس الذهب العالمي إلى قيام المستثمرين بتقييم تأثير السياسة النقدية التقييدية وإمكانية حدوث ركود، ويعتقد أنهم في هذه الأثناء يستخدمون استراتيجيات دفاعية في تخصيص أصولهم.

في هذا السيناريو، قد يستمد الذهب الدعم من ضعف الدولار الأميركي وعائدات السندات المستقرة، على رغم أن هذا سيقابل بضغط هبوطي من تباطؤ التضخم، ويذكر التقرير إنه إذا كان التاريخ دليلاً، فإن دورات الاحتفاظ بالسياسة النقدية تميل إلى إضافة عائد شهري أعلى من المتوسط للذهب.

يخلص “المجلس” في تقريره إلى أن بيئة الذهب الأكثر إيجابية قد تنتج من تباطؤ اقتصادي أكثر وضوحاً، وذلك بفضل الزيادة المصاحبة في التقلبات والرغبة في الابتعاد عن المخاطرة، وفي المقابل، سيواجه الذهب تحديات إذا استمر رفع أسعار الفائدة لفترة أطول من المتوقع.

ومع ذلك، نظراً لعدم اليقين المتأصل في التنبؤ بنتائج الاقتصاد الكلي العالمي، يعتقد أن الأداء الإيجابي غير المتكافئ للذهب يمكن أن يكون مكوناً قيماً لمجموعة أدوات تخصيص أصول المستثمرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى