مختارات اقتصادية

تجربة نمو .. الدروس المستفادة من اقتصاد أيرلندا الصاعد

على هامش القمة العالمية لتمويل الحكومات لعام 2023 – وهو تجمع سنوي لقادة الإدارات المالية والخزانة، استضافته الحكومة المغربية هذا العام في الرباط – قدم جون مكارثي، كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الأيرلندية، لمحة عن اقتصاد “النمر السلتي” في بلاده.

ويُقصد بالنمر السلتي فترة من النمو الاقتصادي السريع في أيرلندا من منتصف التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

خلال هذا الوقت، تحوّلت أيرلندا من دولة زراعية فقيرة إلى دولة حديثة تتمتع باقتصاد مزدهر وقطاع تكنولوجي نابض بالحياة.

ومع ذلك، أدى النمو السريع في النهاية إلى انهيار الاقتصاد ودخول البلاد في ركود عميق. وأدت تداعيات الأزمة المالية إلى إسكات هدير اقتصاد “النمر السلتي” في أيرلندا.

الآن استيقظ النمر مرة أخرى ليقدم دروسًا مفيدة للبلدان الصغيرة الأخرى سريعة النمو.

التحوّل من الزراعة إلى المستحضرات الصيدلانية

– أكد مكارثي أنه منذ انضمام أيرلندا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية قبل نصف قرن، انخفضت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 15% إلى 1% فقط؛ وفي الآن ذاته، انخفضت نسبة العمالة الزراعية من 25% إلى 5%.

– على عكس العديد من الدول في العالم المتقدم، شهدت أيرلندا ارتفاعًا في التصنيع. وانخفضت العمالة الصناعية من 30% إلى 20% من القوى العاملة، إلا أن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت من 35% إلى 40%.

– موضحًا أن بلاده عالقة في وسط المحيط الأطلسي ومع سوق محلية صغيرة جدًا، يتعذر الحصول على ميزة نسبية في التصنيع الثقيل.

– لذلك منذ 50 عامًا، استهدفت الحكومات المتعاقبة القطاعات التي تكون صادراتها ذات قيمة مضافة عالية ولكنها خفيفة الوزن.

– وبالفعل، اجتذبت البلاد استثمارات أجنبية ضخمة، لا سيّما من شركات الأدوية وتكنولوجيا المعلومات.

ونمت نسبة الناتج المحلي الإجمالي الناتجة عن الشركات الأجنبية من 20% إلى أكثر من 50% على مدى السنوات الـ 25 الماضية.

– فضلًا عن تلقي المواطن الأيرلندي تعليماً عالياً بشكل متزايد. بعد التوسع في التعليم العالي، حصل أكثر من نصف الأشخاص الذين يبلغون من العمر 25 عاماً الآن على درجة علمية.

– وأوضح مكارثي أن بلاده تشهد طفرة في رأس المال البشري الذي يشق طريقه في الحياة للحصول على فرصة عمل.

– وهكذا تمكنت أيرلندا من تحويل سوق العمل من القيمة المضافة المنخفضة والزراعة إلى سوق واعدة.

التركيز بقوة

– ومع ذلك، فإن نموذج التنمية في أيرلندا لا يخلو من مخاطر. نظرًا لوجود نشاط اقتصادي مركز في عدد محدود من القطاعات ومن الشركات، تعتمد البلاد اعتمادًا كبيرًا على حفنة من كبار المستثمرين.

– يُذكر أن عدد الشركات الإيرلندية التي تنتج معظم صادرات أيرلندا من السلع لا يتجاوز الست شركات.

– قال مكارثي إن إيرادات ضرائب الشركات ارتفعت من 4.3 مليار دولار أمريكي إلى 25.5 مليار دولار أمريكي خلال عقد من الزمان.

– في عالم تتغير فيه التكنولوجيا بسرعة كبيرة، يمكن أن يكون القائد العالمي المتطور اليوم زائداً عن الحاجة في غضون عامين.

– وردًا على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة تحاول توسيع قاعدتها الاقتصادية، أجاب مكارثي بأنه لا يمكنهم التنويع بهذا القدر، بل عليهم تطوير ميزة نسبية في عدد محدود نسبيًا من القطاعات.

– ومع ذلك، تعمل أيرلندا على بناء روابط بين القطاع المملوك للأجانب والشركات الصغيرة والمتوسطة الأيرلندية.

– ودمج الشركات متعددة الجنسيات بشكل أعمق في الاقتصاد الأيرلندي – حيث تقدم إعفاءات ضريبية للبحث والتطوير، في محاولة للاستحواذ على مساحة أكبر من أنشطتهم.

– وفي الوقت نفسه، يحاول مكارثي وزملاؤه داخل الحكومة تقليل خطر استخدام “مكاسب غير متوقعة في الإيرادات” -على حد قوله- لتمويل التزامات مالية دائمة، إما زيادات في النفقات أو تخفيضات ضريبية.

– واقترح توجيه الضرائب التي يدفعها كبار المستثمرين الأجانب إلى صندوق ثروة سيادي – ما يخلق رصيدًا للأجيال القادمة من الشعب الأيرلندي، مع تجنب الاعتماد الهيكلي على تدفق الإيرادات المعرض للتغيرات في التقنيات والأسواق.

عدد كبير من الوظائف ومحدود للغاية من المنازل

– إلى جانب الاستثمار الداخلي والتعليم، تدين أيرلندا ببعض نجاحها الاقتصادي للهجرة السريعة. فمنذ عام 2000 ارتفعت نسبة الوافدين من 5% إلى 20%.

– وعلى الرغم من هذا التدفق، أدى الانتعاش السريع بعد الجائحة – الذي رفع مستويات التوظيف بنسبة 10% من ذروتها قبل الجائحة – إلى انخفاض معدلات البطالة إلى مستوى غير مسبوق.

– ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن أيرلندا – على عكس دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، التي شهدت “حركة استقالات كبيرة” في أعقاب الجائحة – شهدت ارتفاعًا في معدلات المشاركة في سوق العمل.

– وتوقع مكارثي أن المواقف المتغيرة تجاه العمل المرن والعمل عن بُعد قد تتيح الفرصة لمزيد من النساء بالعودة إلى القوى العاملة بعد إنجاب الأطفال.

– وخلص مكارثي إلى أن التغيرات السريعة في الاقتصاد الأيرلندي أحدثت طفرة في مستويات المعيشة على مدى العقدين الماضيين.

– على الجانب الديموغرافي، لا تبني البلاد منازل كافية لتلبية الطلب الناجم عن الهجرة السريعة. وأوضح مكارثي أن عدد السكان ارتفع بنسبة 8% في ست سنوات فقط، إلا أن بناء المنازل لم يتعافَ أبدًا بعد انهيار الإسكان في أيرلندا عام 2008.

تخفيف الاختناقات

– ومع ذلك، فبدون استمرار الهجرة، قد تكافح أيرلندا لدعم السكان المسنين بسرعة. من المتوقع أن تنخفض نسبة الأشخاص العاملين إلى المتقاعدين من 4:1 إلى 3:1 على مدى السنوات الـ 12 المقبلة، ثم تنخفض بشكل كبير بعد ذلك.

– وحذر مكارثي من أنه في الفترة بين عامي 2020 و2030، يتعين على بلاده دفع 3% إضافية من الدخل القومي كل عام لمجرد الحفاظ على الوضع الراهن” في الإنفاق على المعاشات التقاعدية والخدمات العامة”.

– هناك أيضًا مؤشرات تراجع العولمة في جميع أنحاء العالم بما يسبب قلقا للاقتصادات القائمة على التجارة مثل اقتصاد أيرلندا.

– ليس من الواضح بعدُ أن التحول نحو سلاسل التوريد العالمية الأكثر تكاملاً قد انعكس بالفعل على الاقتصاد العالمي؛ لكن الجائحة وحرب أوكرانيا قد كشفت بالتأكيد عن نقاط ضعف توضح الحاجة إلى تحسين أمن التوريد.

– وبتسمية الفرص الاقتصادية للبلاد، اختار مكارثي مجال الطاقة، مؤكدًا أن أيرلندا في وضع جيد لتسخير قوة الرياح والأمواج، وتفعيل مبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح (BEPS)، والتي يأمل أن تعزز حالة “اليقين الضريبي” في بلاده.

المصدر: جلوبال جوفرنمنت فورم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى