أخبار عاجلةاقتصاد دولي

العراق يعيد النظر بصناعته ويخطط لتفعيل المشاريع الكبيرة

تسعى الحكومة العراقية الجديدة إلى إعادة النظر بمجمل القطاع الصناعي الحكومي وتفعيل الصناعات الثقيلة والاستراتيجية التي غابت أغلبها عن المشهد العراقي بعد أبريل (نيسان) 2003.
ويأتي هذا التوجه الذي أعلن عنه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ضمن سلسلة إجراءات أكد عليها في دعم القطاع الصناعي وأهمها إعادة تفعيل قانون «حماية المنتج العراقي» الذي تم تجميد العمل به منذ مطلع العام الحالي والذي اعتبره السوداني قانوناً مقدساً لدى الحكومة الحالية.
دعم المنتج – وأكد السوداني في مؤتمره الصحافي الأول، أن «قانون حماية المنتج قانون مهم وسبق أن عملنا عليه في الفترات الماضية، واليوم وجهنا بإكمال الإجراءات من أجل دعم الصناعيين والمستثمرين ورجال الأعمال وحماية منتجاتهم»، مشيراً إلى أن «الحكومة العراقية تطمح في الوصول إلى اليوم الذي يتم الاعتماد فيه على المنتج الوطني». وأضاف السوداني أن «هذا الأمر لن يتم في ظل سياسة الإغراق التي تواجه السوق العراقية، ولهذا فإن قانون حماية المنتج يُعد من القوانين المهمة ويمثل جزءاً من الإصلاحات الهيكلية لدعم القطاعات المحركة للاقتصاد».
خطة واضحة – وكشف وزير الصناعة العراقي خالد البتال عن خطة حكومية لإعطاء أولوية لإنشاء المشاريع الاستراتيجية، فيما أكد عزم الحكومة تفعيل بعض القوانين التي تدعم الصناعة العراقية. وقال البتال إن «المنهاج الحكومي شجع على تنشيط الصناعة ودعمها، ونحن رؤيتنا في هذه الحكومة هي إعطاء أولوية للصناعات الاستراتيجية مثل الحديد والأدوية والأسمدة والفوسفات والكبريت مع عدم إهمال الصناعات التحويلية والصناعات التفصيلية الأخرى»، لافتاً إلى أنه يدعم القطاع الخاص في ما يخص الصناعات التفصيلية التي لها علاقة بحياة المواطن كون عمل الوزارة هو رعاية القطاع الصناعي. وأضاف البتال أن «الوزارة ستشكل لجنةً لتقييم عمل المصانع القديمة»، لافتاً إلى أن «أول ما نطالب به من الحكومة هو تفعيل قانون حماية المستهلك والمنتج الوطني».
ومنذ عام 2003، تراجعت أغلب الصناعات الكبيرة في العراق مثل الأسمدة والبتروكيماويات والحديد الصلب والصناعات العسكرية، وعلى رغم عودة بعضها إلا أنها كانت محدودة وغير مؤثرة في الناتج القومي العراقي بنسب كبيرة.
ومنذ سبتمبر (أيلول) 2019، بدأ العراق أولى خطواته الجدية لاستعادة العمل في صناعته العسكرية عبر مصادقة البرلمان العراقي على قانون هيئة الصناعات الحربية بعد إلغائها في عام 2003 من قبل الحاكم المدني للعراق آنذاك بول بريمر، وربطت شركاتها بوزارات أخرى.
وأعاد العراق بشكل محدود جداً العمل في صناعته الحربية منذ عام 2015 عبر تأسيس شركة الصناعات الحربية التي اتخذت مجدداً من المنطقة الصناعية في الإسكندرية (40 كيلومتراً جنوب بغداد) مقراً لها، وتمكنت من صناعة صاروخ «اليقين» قصير المدى وقنابل طائرات السوخوي وقاعدة الراجمات الأنبوبية بكميات محدودة، فضلاً عن صيانة المعدات العسكرية.
وكانت هيئة التصنيع العسكري العراقية تضم قبل سقوط النظام السابق نحو 33 شركة يعمل فيها نحو 47 ألف عامل، إلا أنها حُلَّت بعد أبريل (نيسان) 2003 بقرار من الحاكم المدني بول بريمر وبدعم من القوى السياسية العراقية وحوِّلت ملكيتها إلى وزارات الصناعة والدفاع والمالية، قبل أن يُعاد ربطها في عام 2020 بهيئة الصناعات الحربية.
مهمة حكومية – وقال رئيس اتحاد الصناعات العراقية السابق علي صبيح الساعدي إنه «من الضروري أن تتولى الحكومة مهمة النهوض بالمشاريع الصناعية ذات العلاقة الاستراتيجية ودعم القطاع الخاص بإنشاء المشاريع الأخرى». وأضاف الساعدي أن «على الحكومة أن تأخذ دورها في النهوض بالمشاريع الاستراتيجية العملاقة لما لها من تأثير على رفد المصانع الصغيرة بالمواد الأولية مما يقلل كُلف الإنتاج ودعم الصناعة المحلية».
وقف الاستيراد – وتابع أن «القطاع الصناعي الخاص بحاجة إلى تفعيل بعض القوانين التي تحمي المنتج المحلي مثل قانون حماية المنتج المحلي لأن هذه القوانين ستعمل على تشجيع الصناعة المحلية»، مشدداً على ضرورة منع استيراد المواد الصناعية التي لها مثيل بالعراق والتي تُنتج في تلك المصانع الاستراتيجية لتطوير تلك الصناعات».
وأشار إلى أن «مثل هذه المشاريع ممكن أن تنهض بها الدولة بمفردها أو بمشاركة مع القطاع الخاص فيما أن المشاريع الأخرى غير الاستراتيجية ممكن أن يعطى مجال للقطاع الخاص وتكون مشرفة، وذلك لخلق مبدأ المنافسة ولتحقيق مبدأ كُلف الإنتاج المنخفضة»، داعياً إلى ضرورة «خصخصة مصانع القطاع العام ودعم المشاريع المتوسطة وإنشاء شراكات مع مستثمرين مما سيسهم على سحب العمالة الزائدة، وجعلها شركات رابحة».
إحياء الصناعات التحويلية – ويسعى العراق منذ عامين إلى إعادة الحياة إلى قطاع الصناعات التحويلية الذي تضرر كثيراً خلال فترة العقوبات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي، وبعد عام 2003، إثر توقف ما تبقى منها نتيجة سياسة الانفتاح الشامل التي تسببت لها بخسائر كبيرة أجبرتها على تسريح عمالها ومغادرة المشهد الاقتصادي لعدم قدرتها على المنافسة.
وفي حين أن وتيرة الاستهلاك الكبيرة التي يشهدها المجتمع العراقي وحاجته المتزايدة إلى صناعات غذائية تحويلية بكميات كبيرة، قد تتسبب بعجز البلاد عن التلبية بشكل كامل من خلال الاستيراد، الأمر الذي حفّز وزارة الزراعة العراقية والمستثمرين على الدخول بقوة لتفعيل هذا القطاع من جديد.
وتركز مساعي الحكومة العراقية على دعم صناعات غذائية تعتمد على الفائض من المحاصيل والخضروات المحلية وفق خطة تعتمد توزيعها على محافظات ومدن زراعية تكون بعيدة من العاصمة ومن مراكز أبرز المدن العراقية لإحياء النشاط الاقتصادي في هذه المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
دعم الموازنة – ويرى الباحث الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن «إنشاء المشاريع الاستراتيجية الكبيرة سيعمل على دعم الموازنة العامة للبلاد وسيوفر فرص عمل للعاطلين من العمل»، مطالباً بتفعيل بعض القوانين المهمة للبلاد.
وقال أنطوان إن «العراق بحاجة إلى إنشاء مشاريع استراتيجية كبيرة على نمط مشاريع البتروكيماويات والحديد الصلب والفوسفات والكبريت»، مبيناً أن «هذه المشاريع ممكن أن تضيف دخلاً إضافياً وتقلل الاعتماد على الريع النفطي وتساهم في بناء موازنة سليمة». وأضاف أن «إنشاء مثل هذه المشاريع سيجلب إيرادات إضافية اذا ما تم دعمه مع مجالات أخرى مثل الزراعة»، مشيراً إلى أن «هناك مشاريع كبيرة في وزارة الصناعة متوقفة ويجب إدخال مستثمرين فيها والسير بها وتوسيعها لتنويع مصادر الدخل وتشغيل الأيادي العاملة وتقليل نسب البطالة ونسب الفقر».
وأوضح أن «ممكن أن يكون لكل الوزارات دور في دعم الاقتصاد بدل اعتماده بشكل أساس على النفط الذي بانخفاضه ينكسر عمود الاقتصاد العراقي وتبدأ مشكلات العمالة والفقر».
وعن آلية النهوض ببعض الصناعات مثل الصناعات الغذائية، بيّن أنطوان أن «الصناعة العراقية بحاجة إلى الحصول على امتيازات من مصانع عالمية لتصنيع تلك المنتجات، لا سيما أن الغالبية العظمى من المنتجات الغذائية في الأسواق مصنَّعة في دول جوار العراق ولذلك نحتاج إلى مصانع غير تقليدية تستطيع أن تنافس تلك المنتجات». وتابع أنطوان أن «العراق بحاجة إلى تفعيل قوانين تم سنّها سابقاً، وهي قانون التعرفة الجمركية وقانون حماية المنتج الوطني وقانون حماية المستهلك وقانون منع الإغراق السلعي لجعله ينافس المنتجات المستوردة».
وكان العراق يستورد حتى عام 2015 حوالى 12 مليون طن سنوياً من الإسمنت بحسب إحصاءات وزارة الصناعة وشركة الإسمنت العراقية الحكومية قبل منع استيراده، والاعتماد على الإسمنت المحلي الذي تتوزع معامله من إقليم كردستان شمالاً وحتى البصرة جنوباً، في السوق العراقية.
وتمكن العراق بفضل هذه الخطوات خلال عام 2018، من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الإسمنت للمرة الأولى منذ عام 2003، بإنتاج بلغ أكثر من 18 مليون طن من مصانع حكومية وأهلية، ليمثل مقدمة مهمة للارتفاع بالإنتاج إلى مستويات قياسية لم تشهدها البلاد منذ تأسيس هذه الصناعة في العراق في أربعينيات القرن الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى