اقتصاد دولي

بريطانيا أمام ضغوط الـ”أوليغارش” الروس للإفراج عن الأصول المجمدة

تضخم حجم الأصول المجمدة لـ”الأوليغار” الروس، بموجب نظام العقوبات البريطانية على روسيا بعد هجومها على أوكرانيا، من 44.5 مليون جنيه استرليني (56.73 مليون دولار) في سبتمبر (أيلول) 2021، إلى 18.4 مليار جنيه استرليني (23.46 مليار دولار) في ديسمبر (كانون الأول) 2022، واليوم يحتاج الـ”أوليغارشيون” الخاضعون للعقوبات الذين يرغبون بمزاولة أنشطتهم الأسبوعية، ناهيك عن صيانة يخوتهم الفاخرة، إلى إذن من مكتب تنفيذ العقوبات المالية (OFSI) في وزارة الخزانة البريطانية، الذي يغطي اختصاصه العقوبات على كل شيء بدءاً من الميليشيات الليبية إلى البرامج النووية الإيرانية وكوريا الشمالية.

ومنذ أن دخلت دبابات بوتين إلى أوكرانيا، أصبح موظفو إدارة تنفيذ العقوبات المالية مقاتلين في مكاتبهم في أكبر نزاع على الأرض منذ الحرب العالمية الثانية، وهم مسؤولون عن فرض عقوبات على 1600 شخص مستهدفين كجزء من الجهود الدولية لتكديس الضغط على الكرملين، ويعد نظام التراخيص جزء غير جذاب من واجباتهم إذ يستغرق وقتاً طويلاً بشكل متزايد.

عندما يوضع اسم “أوليغارشي” روسي في قائمة عقوبات المملكة المتحدة، تجمد أمواله، إلا أنه يمكنه التقدم للحصول على تراخيص لإجراء مدفوعات لأسباب مثل نفقات المعيشة، والطعام أو الإيجار أو فواتير الخدمات العامة أو الأدوية، ويجب عليه أيضاً ملء نموذج مخصص يتيح له الحصول على ترخيص يمكن له تقديمه إلى البنك الذي يتعامل معه، والذي بدوره يقوم بختم المعاملة التي قد يكون البنك ملزماً بمنعها بحسب قانون العقوبات.

وهناك أيضاً حالات “استثنائية” يمكن فيها السماح بالمعاملات، على سبيل المثال لأسباب إنسانية أو لمنع الخسائر في الأرواح وتغطي أحد هذه الإعفاءات رخصة لإبقاء قاربه عائماً.

كما يصدر مكتب خدمات الموارد الخارجية أيضاً تراخيص عامة، ويقدم إذناً شاملاً لتغطية النفقات مثل الرسوم القانونية أو للوفاء بالالتزامات التعاقدية السابقة.

بريطانيا تغطي الكلفة القانونية 

ويتعرض المكتب اليوم لانتقادات على جبهتين، من جانب النشطاء من جهة، ومحامي الـ”أوليغارشية” المعاقبين من جهة أخرى، إذ يشكو النشطاء من أن مكتب العمليات الخارجية يمنح الأفراد الخاضعين للعقوبات مجالاً كبيراً جداً لنشر الأموال المجمدة لما يمكن اعتباره أغراضاً مشكوكاً فيها، ومن ناحية أخرى يقول المحامون إن بعض عملائهم الخاضعين للعقوبات يواجهون صعوبات غير عادلة ولا تطاق، وغير قادرين على دفع نفقات المعيشة الأساسية.

أحد هذه النماذج التي يتحدث عنها المحامون قضية المليادير وقطب النفط الروسي، يوجين شفيدلر، المالك لـ “لي غراند بلو”، أحد أكبر اليخوت الفاخرة التي تبحر حول العالم، إذ يرسو يخته الذي يبلغ طوله 113 متراً وتقدر قيمته بنحو 80 مليون جنيه استرليني (101.98 مليون دولار)، اليوم في حوض بناء السفن الصناعي في بونس، بورتوريكو.

وكانت بريطانيا قد أدرجت شفيدلر، على لائحة العقوبات العام الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى علاقته الطويلة بأحد أباطرة النفط والألومونيوم والصلب في روسيا، والمالك السابق لنادي تشيلسي الإنجليزي، رومان أبراموفيتش، المتهم هو الآخر بارتباطه بعلاقة قوية جداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي جلسة استماع الشهر الماضي في محكمة لندن العليا، أعلن شفيدلر أن العقوبات المفروضة عليه غير قانونية، متهماً الحكومة بالمعاملة القمعية والأخطاء الجسيمة في صنع القرار، ومن المتوقع صدور حكم قريباً، وفي إفادات شهوده، استشهد شفيدلر بالأخطار المحدقة باليخت على نطاق واسع.

كما قال محاموه إنه اضطر إلى تسريح نحو 47 من أفراد الطاقم، من بينهم 10 مواطنين بريطانيين، لأنه لا يمكن دفع رواتبهم دون انتهاك العقوبات المحتملة.

الخزانة البريطانية وإنفاذ العقوبات 

تجميد أصول شفيدلر الضخمة، التي قدرتها صحيفة “الغارديان”، بـ1.3 مليار جنيه استرليني (1.66 مليار دولار)، يعني أن طاقم الهيكل العظمي المتبقي ترك في انتظار الدفع ويفتقر إلى المعدات اللازمة للإبحار من الميناء، إذا فرض الإعصار في الكاريبي ذلك.

وقال أحد المحامين المخضرمين في العقوبات للصحيفة “في كل مرة ذهب موكلي إلى “ويتروز” (سلسلة متاجر أغذية في بريطانيا) لشراء طعام للأطفال، كان علي أن أكتب إلى مكتب تنفيذ العقوبات المالية”، لإخطارهم بأنه انتهك العقوبات وارتكب جريمة جنائية… إذا كنت ستمتثل للقانون، فستتضور جوعاً حتى الموت”.

وفي هذه القضية، تجد الفصائل المتعارضة أرضية مشتركة، إذ يقولون إن “مكتب تنفيذ العقوبات المالية” ممتد إلى نقطة الانهيار، وفي بعض الأحيان يكافح من أجل العمل.

وقبل الحرب، كان المكتب يوظف 40 موظفاً، لكنه توسع منذ ذلك الحين إلى أكثر من 140 موظفاً، ومع ذلك، فإن الزيادة في عدد الموظفين لم تواكب ارتفاع العمل المتراكم.

وفي العام الذي سبق حرب أوكرانيا، تلقت الحكومة البريطانية 11 طلب ترخيص يتعلق بالعقوبات الروسية ووافقت على تسعة، وقد غمر المكتب منذ ذلك الحين بأكثر من 1000 طلب ترخيص، وتمت الموافقة على 82.

كما تحدث المحامون عن موظفين شباب وعديمي الخبرة تم تعيينهم من صناعات مثل قطاع السفر، وعن التأخيرات التي لا تنتهي والأخطاء الإملائية الأساسية.

واعترفت الحكومة البريطانية بأن أحد الأمثلة كان فظيعاً بشكل خاص، عندما منح “مكتب تنفيذ العقوبات المالية” التابع للخزانة البريطانية، العام الماضي، ترخيصاً لرئيس مجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، قائد الجيش الخاص الذي اتهم بارتكاب فظائع في أوكرانيا قبل الخلاف العلني مع بوتين، والذي انتهى بمحاولة انقلاب على ما يبدو، إذ أعطي بريغوجين إذناً لتوظيف محامين لمقاضاة صحافي بريطاني بتهمة التشهير.

وأدى الاحتجاج الناتج من ذلك إلى قيام الحكومة في نهاية المطاف بإغلاق ثغرة سمحت بالدعوى القضائية، وتقييد التراخيص القانونية بحيث لا يمكن أن تشمل مثل هذه الإجراءات.

في إطار الترخيص الشامل، يجوز للأفراد الخاضعين للعقوبات التقدم بطلب للحصول على تراخيص بإنفاقهم ما يصل إلى 60 ألف جنيه استرليني (76.49 ألف دولار) شهرياً، أو 720 ألف جنيه استرليني (917.86 ألف دولار) سنوياً، لتغطية حاجاتهم الأساسية.

من جانبه قال متحدث باسم الحكومة البريطانية إن “مكتب تنفيذ العقوبات المالية ” التابع للخزانة، رفض بشدة فكرة أن نظام الترخيص القانوني كان متسامحاً عن عمد من أجل إفادة القطاع القانوني في لندن.

وأكد المتحدث على أن التراخيص “تخضع لمراقبة صارمة، لرصد أي خرق مما يقود لعقوبات مالية أو مقاضاة جنائية”، مضيفين “تفحص هذه الطلبات من كثب وترفض بشكل متكرر”.

كما يوفر مكتب خدمات الهجرة والجنسية للأشخاص الخاضعين للعقوبات رواتب لمحاميهم تصل إلى 500 ألف جنيه استرليني (637.40 ألف دولار) كل ستة أشهر، أو مليون جنيه استرليني (1.27 مليون دولار) إذا بدأ العمل قبل فرض العقوبات، وهذا هو 45 ضعف الحد الأقصى في الولايات المتحدة، في حين يمكن أيضاً أن يتقاضى المحامون ما يصل إلى 1500 جنيه استرليني (1912 دولار) للساعة أي 15 ضعف السعر المسموح به في الولايات المتحدة.

واليوم توجه انتقادات حادة للحكومة البريطانية، فمن جهة جمدت أصول الـ”أوليغار” وممتلكاتهم في البلاد، ومن جهة أخرى تدفع ملايين الجنيهات الاسترلينية لمكاتب المحاماة التي ترفع دعاوى ضد الحكومة للإفراج عن تلك الأصول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى