مقالات اقتصادية

الإقبال الأخير على أسهم السلع الفاخرة لن يدوم طويلاً

كتب أسامة صالح

بعيداً عن الأقمشة ذات النقوش الحيوانية، اتسم العام الماضي بمشهد التقلبات العنيفة في قيم أسهم العلامات التجارية الفاخرة.

منذ أن طمأن برنار أرنو، مؤسس “لوي فيتون” ورئيسها التنفيذي، المستثمرين في يناير إلى أن القطاع لا يشهد تراجعاً حاداً بل تباطؤاً تدريجياً، انتعشت أسهم الشركة. ولكن مع تأخر تعافي سوق السلع الفاخرة في الولايات المتحدة حتى الآن، وكذلك عدم سفر المستهلكين الصينيين إلى أوروبا بأعداد كبيرة، يواجه المستثمرون تكراراً لدورة الرخاء والأزمة التي حدثت في العام الماضي عندما ارتفعت أسعار الأسهم بسبب توقعات زيادة الطلب الصيني، لكنها تراجعت بشكل حاد عندما لم يتحقق ذلك.

بعد إعادة فتح الصين عقب قيود كوفيد في أوائل عام 2023، انتعشت الآمال في استلام المتسوقين في هذا البلد شعلة سلع الرفاهية من الأميركيين الذين حققت مشترياتهم مستويات غير عادية من النمو منذ منتصف عام 2020. وبوصفها مؤشراً على أداء القطاع، أصبحت شركة “لوي فيتون” أعلى الشركات قيمة في أوروبا في أبريل الماضي، إذ راهن المستثمرون على عودة الأسهم إلى الاستقرار ولو عند مستوى أقل بعد فترة من التدهور والهبوط الشديد.

عوامل قلّصت الطلب

ولكن، بدلاً من أن يتسارع الطلب في الصين، التزم المستهلكون الحذر. وفي الوقت نفسه، تسبب انهيار مصرف “سيليكون فالي بنك”، وتخفيض الوظائف في قطاع التكنولوجيا، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة، في قيام عدد كبير من الشباب الأميركيين بتقليص مشترياتهم من السلع الفاخرة.

وبسبب أن هذه الظروف أثرت سلباً على مبيعات حقائب “غوتشي” وساعات “كارتييه”، وإعلان الشركات العملاقة عن تباطؤ مبيعاتها في الخريف الماضي، تراجعت أسعار الأسهم. فانخفض سهم “لوي فيتون” إلى 647.4 يورو (702 دولار) في منتصف يناير، قبل الإعلان عن أرباحها السنوية، من 902 يورو في أبريل الماضي. ولكن منذ أن قال أرنو في 25 يناير إن نمو مبيعات قسم الأزياء والمنتجات الجلدية بنسبة 8% إلى 10% أمر جيد، استعادت “لوي فيتون” معظم هذه المكاسب.

يبدو أننا ذهبنا أبعد مما ينبغي بخطوات أسرع مما ينبغي. وكما أشرت في العام الماضي، فإن آفاق العلامات التجارية الفاخرة على المدى الطويل لا تزال مشرقة.

نقاط مضيئة ولكنها ضعيفة

على الرغم من حالة الضيق التي يشعر بها المستهلكون الصينيون حالياً، فإن العدد الكبير من أفراد الطبقة المتوسطة في البلاد يجعلها تستمر بوصفها أهم الأسواق بالنسبة للسلع الفاخرة. وتمثل أجزاء أخرى من آسيا والهند وأفريقيا والشرق الأوسط فرصاً للشركات التي تستهدف الفئات ذات الدخل المرتفع أيضاً.

وفي الوقت نفسه، على مدى السنوات الأربع الماضية، استكشفت مجموعة أكثر تنوعاً من المشترين الأميركيين العلامات التجارية الأوروبية الفاخرة. وبالنسبة لكثير منهم، انتقلت العلامات الفاخرة الشبيهة بـ”لوي فيتون” من شريحة النخبة العليا في السوق إلى جزء من مجموعة الشركات التي اعتادوا أن يتسوقوا منها. لن يختفي هذا العنصر المرتبط بالثقافة في الشركات، وهذا ما يفسر سبب قيام شركة “برادا” (Prada) وشركة “كيرينغ” (Kering) المالكة لـ”غوتشي” مؤخراً بشراء عقارات في الجادة الخامسة في نيويورك.

مع ذلك، تبدو هذه العوامل الإيجابية بعيدة المنال في بعض الأحيان. فتفاقم أزمة العقارات، وانكماش التصنيع، وضعف الاستهلاك، وتراجع ثقة المستهلك، كلها عوامل تضع حدوداً لمستوى الطلب في الصين. على الرغم من أن السفر من الصين إلى أوروبا يتزايد تدريجياً، فمن المرجح أن تعود حركة السياحة على نطاق واسع في وقت لاحق من هذا العام أو عام 2025.

انفراجٌ مرتقب

يتطلع المستثمرون إلى تحول سوق العلامات التجارية الفاخرة في الولايات المتحدة إلى الجانب الإيجابي، مدعوماً بتباطؤ معدل التضخم، واحتمال تخفيض أسعار الفائدة، ونشاط أسواق الأسهم، والانتعاش الحاد في عملة “بتكوين” (في الواقع، كان العامل الأخير أحد عوامل زيادة الإقبال على ساعات رولكس في عام 2021). لكن إنفاق المستهلكين الأميركيين على السلع الفاخرة تراجع في يناير، وفقاً لمجموعة “سيتي غروب”، التي تتتبع الإنفاق في الداخل والخارج من خلال حسابات بطاقات الائتمان النشطة التي يبلغ عددها 15 مليون حساب. وربما يعكس ذلك التداعيات المعتادة لفترة ما بعد العطلة، أو قد يكون مؤشراً على شيء أكثر خطورة. وفي الوقت نفسه، قد تشهد الأشهر التي تسبق الانتخابات الأميركية في وقت لاحق من هذا العام تأجيل الأثرياء لمشترياتهم.

بالنسبة لجميع شركات السلع الفاخرة، فإن تأثير دورة الألعاب الأولمبية في باريس أمر آخر مجهول. فمن المرجح أن يشتري السائحون حقيبة “لوي فيتون” بدلاً من مجسمٍ بلاستيكي لبرج إيفل، خاصة وأن “لوي فيتون” ستهيمن على الإعلانات أثناء هذه الألعاب، لكن بعضهم قد يبتعد عن العاصمة المزدحمة.

ويبدو أن المستثمرين يقللون من شأن هذه المخاطر، خاصة وأن مبيعات الربع الأول ستُقارن بالفترة نفسها من العام الماضي عندما أُعيد فتح الصين -المحرك الأساسي للوفرة.

الانتعاش المفاجئ

بطبيعة الحال، لا توضح قيم الأسهم وحدها الصورة كاملةً. فقد ارتفعت أسهم “هيرميس إنترناشونال” بنحو 25% بين 25 يناير وإغلاق يوم الإثنين، وسجلت مستوى قياسياً الأسبوع الماضي. وبالتالي، فإن السوق تتداول أسهم الشركة بمضاعف ربحية مستقبلي يتجاوز 50 مرة، أي أكثر من ضعف متوسط القطاع. لكن المجموعة يمكنها أن تلبي بشكل فعال الطلب على حقائب “كيلي” و”بيركين” الشهيرة. ولديها قوائم انتظار طويلة لهذه البنود، مما يعني أنها عند أي ظروف صعبة في السوق، تستطيع ببساطة الاعتماد على تلبية الطلب المتراكم، مما يمنحها درجة عالية من المرونة.

على العكس من ذلك، ارتفع سهم “كيرينغ” بنسبة 15% تقريباً خلال نفس الفترة ويتم تداوله بخصم نسبته 30% تقريباً مقارنة بأقرانه. ويتطلع المستثمرون إلى “غوتشي” بوصفها القصة التالية للنجاح بعد التعثر. ولكن هذا سوف يستغرق وقتاً. فقد حذّرت الشركة مؤخراً من أن نمو مبيعات الشركة الإيطالية سيكون معتدلاً هذا العام، في حين ستنخفض أرباحها التشغيلية بنحو 5 نقاط مئوية. وبالمثل، تُعد شركة “بيربري” (Burberry) البريطانية واحدة من الشركات القليلة في القطاع التي لم تشهد قفزة في أسهمها، حيث إن تحولها تحت قيادة المصمم النجم دانييل لي لم يؤتِ ثماره بعد.

حققت الشركات الكبرى صعودا ملحوظاً. ولكن ما لم يبدأ المستهلكون في الصين والولايات المتحدة في العودة إلى الإقبال على السلع الفاخرة قريباً، فإن المستثمرين الذين راهنوا على هذا الانتعاش السريع قد يجدون أنفسهم في خطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى