مختارات اقتصادية

هل انتهت معجزة اقتصاد الصين بعد 40 عامًا من انطلاقها؟

تتزايد الغيوم في سماء اقتصاد الصين خلال الفترة الأخيرة، وسط تكهنات بشأن نهاية طفرة النمو التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي.

وفشلت الصين حتى الآن في تحقيق التعافي الذي توقعه الكثيرون بعد نهاية أزمة الوباء، مع تعثر قطاع العقارات وانكماش الأسعار وانخفاض الصادرات بشكل حاد.

بيانات اقتصادية ضعيفة

 

– شهد الشهران الماضيان صدور العديد من البيانات الاقتصادية الضعيفة في الصين، ما يدعم استمرار القلق بشأن ضعف الزخم.

 

– جاءت بيانات الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة واستثمارات الأصول الثابتة في الصين دون التوقعات خلال شهر يوليو الماضي.

 

– قررت السلطات الصينية التوقف عن نشر بيانات البطالة في فئة الشباب بين 16 و24 عامًا، بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي عند 21.3% بنهاية يونيو.

 

– على جانب النشاط الاقتصادي، انكمش مؤشر مديري المشتريات الصناعي في يوليو للشهر الرابع على التوالي، كما تباطأ النشاط غير الصناعي لأدنى مستوى هذا العام.

 

– الصين تشكل ما يقرب من 18% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، لتمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

 

أزمة العقارات تتصاعد

 

– تلقى الاقتصاد الصيني في السنوات الماضية دفعة غير متناسبة من قطاع العقارات، حيث ساهم القطاع بقوة في النشاط الاقتصادي والطلب على العمالة وإنفاق التجزئة.

 

 

– لكن وصول مساهمة العقارات في الاقتصاد إلى مستويات كبيرة غير مستدامة، دفع السلطات الحكومية لمحاولة تهدئة النمو في القطاع.

 

– تعرض القطاع العقاري الصيني لأزمة ديون في نهاية عام 2021، بعد تعثر شركات كبرى مثل “إيفرجراند” عن سداد ديونها، قبل أن تهدأ حدة الأزمة في الربع الأول من هذا العام.

 

– عاد شبح إفلاس شركات العقارات الصينية إلى صدارة المشهد من جديد، مع إعلان شركة “كانتري جاردن” فشلها في سداد مدفوعات ديون لسندات دولارية في الشهر الجاري.

 

– كما أعلنت شركة “إيفرجراند” في الأسبوع الماض تقدمها بطلب للحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة وفقاً للفصل الخامس عشر من القانون الأمريكي، بعد خسارة مجمعة بقيمة 81 مليار دولار في العامين الماضيين مع معاناتها لإتمام مشروعات وسداد أموال الموردين والدائنين.

 

– تعاني شركات العقارات في الصين من ارتفاع الالتزامات وضعف المبيعات وانخفاض السيولة، ما يزيد من عبء الديون.

 

– تراجعت مبيعات المنازل في الصين في يوليو على أساس شهري، مع إعلان المزيد من المدن تراجع عمليات البيع.

 

– انخفضت استثمارات العقارات في الصين بنسبة 8.5% في أول سبعة أشهر من العام الجاري لتسجل 6.77 تريليون يوان (943 مليار دولار).

 

 

ضعف الطلب وشيخوخة السكان

 

– تعاني الصين من تراجع الاستهلاك من جانب مواطنيها، بالإضافة إلى ضعف الطلب الخارجي الذي يتسبب في انخفاض صادراتها.

 

– تراجعت صادرات الصين 14.5% في يوليو على أساس سنوي، بعد أن انخفضت 12.4% في يونيو.

 

– كما انخفضت الواردات الصينية بأكثر من 12% في يوليو، مع ضعف الطلب المحلي.

 

– على جانب مواز، تتصاعد مخاطر انكماش الأسعار في الصين، حيث تراجع مؤشر أسعار المستهلكين 0.3% في يوليو على أساس سنوي، في أول هبوط سنوي منذ فبراير 2021.

 

– ترى “لويز لو” كبيرة الاقتصاديين في “أكسفورد إيكونوميكس” أن البيانات الأخيرة في الصين لا تشير إلى أزمة استهلاك أو استثمار، لكنها تعبر عن أزمة ثقة.

 

– أوضحت “لو” أن الأزمة الحالية في الصين تحتاج إلى إقرار تحفيزات بشكل سريع للغاية.

 

– تعاني الصين أيضًا من ارتفاع أعمار السكان بشكل أصبح يمثل عبئاً على الاستهلاك والنمو، بالإضافة إلى تراجع إنتاجية العمالة.

 

– في عام 2022، انخفض عدد سكان الصين للمرة الأولى منذ 1961، وسط توقعات باستمرار تراجع عدد مواطني الدولة الآسيوية من 1.4 مليار نسمة حالياً إلى أقل من 800 مليون شخص بنهاية القرن الحالي.

 

محاولات حكومية للدعم

 

– تحاول السلطات الصينية تحفيز الاقتصاد عبر السياستين النقدية والمالية، رغم رؤية بعض المحللين أن التدابير الحكومية تسير بخطى مترددة وضعيفة.

 

– خفض بنك الشعب الصيني معدلات الفائدة على الإقراض لأجل عام بمقدار 15 نقطة أساس إلى 2.65%، في ثاني خفض في ثلاثة أشهر.

 

– وفي نفس اليوم، قرر البنك المركزي خفض الفائدة على تسهيلات الإقراض لمدة ليلة واحدة وسبعة أيام وشهر بمقدار 10 نقاط أساس إلى 2.65% و2.8% و3.15% على الترتيب.

 

– بالإضافة إلى عمليات خفض الفائدة، ضخ البنك المركزي 757 مليار يوان (104 مليارات دولار) عبر آلية الريبو العكسي في الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى التدخل لدعم العملة المحلية.

 

– وأشارت التوقعات إلى أن بنك الشعب سيواصل عمليات خفض الفائدة في وقت لاحق من هذا الشهر وهو ما حدث بالفعل صباح اليوم، لكن الخطوة جاءت أقل من المتوقع، خصوصا بعد تثبيت الفائدة على معدل الإقراض لأجل خمس سنوات وتخفيضها 10 نقاط أساس فقط للإقراض لأجل عام.

 

– ويتوقع “جولدمان ساكس” المزيد من تدابير التيسير الخاصة بالسياسة النقدية والمالية والإسكان والاستهلاك، لكنه أشار إلى أن حجم التحفيز قد يكون أقل من دورات التيسير السابقة.

 

– أعلنت الحكومة الصينية بالفعل في نهاية شهر يوليو خططاً لجذب المزيد من الاستثمارات ومعاملة شركات القطاع الخاص على قدم المساواة مع الشركات التابعة للدولة، بالإضافة إلى تحفيز الاستهلاك.

 

إلى أين يتجه الاقتصاد؟

 

– يرى اقتصاديون أنه دون إقرار البنك المركزي الصيني مزيدًا من التيسير، فإن الصين ستفشل في الوصول لمستهدف النمو البالغ 5% هذا العام.

 

– قالت “تاو وانج” رئيس اقتصادات آسيا وكبير الاقتصاديين الصينيين في “يو بي إس” إن استمرار الضعف في سوق العقارات سيزيد من الضغط في القطاع الصناعي والطلب الاستهلاكي.

 

 

– ذكرت “تاو” أن الصين قد لا تنجح في تحقيق مستهدف النمو لهذا العام، كما أن ضغوط انكماش الأسعار قد تتواصل لفترة أطول، ما قد يتطلب إقرار سياسات تحفيز أقوى أو غير تقليدية.

 

– وأوضح محللون في “نومورا” أنه يجب على الصين أن تلعب دور مقرض الملاذ الأخير لدعم بعض المطورين العقاريين الرئيسيين والمؤسسات المالية المتعثرة، بالإضافة إلى دور المنفق الأخير لتعزيز الطلب الكلي.

 

– أشار التقرير إلى أن هناك مخاطر هبوطية أكبر على توقعات البنك التي تشير إلى نمو 4.9% في الربعين الثالث والرابع، مع احتمالية متزايدة لفشل الاقتصاد في الوصول لهدف النمو البالغ 5%.

 

– قالت “لويز لو” من “أكسفورد” إن مخاوف العدوى حول مطوري العقارات ومخاطر التخلف عن السداد تسببت في هبوط المعنويات، ما يضع معيارًا أعلى للتحفيز ليكون فعالًا.

 

– رغم أن أزمة قطاع العقارات تهدد بخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين خلال الفترة المقبلة، لكنها قد تدفع النمو لمستويات مستدامة على الأجل الطويل.

 

– بينما يرى المستثمر الشهير “ديفيد روش” أن قصة نجاح النموذج الاقتصادي الصيني والتي بدأت قبل 4 عقود قد انتهت ولن تنطلق مرة أخرى، ما سيكون له تأثير كبير على الأسواق المالية.

 

– يعتقد الاقتصادي الذي توقع أزمتي 1997 و2008 أن الاقتصادات المعتمدة على التصنيع ستعاني لتحقيق أي نمو في هذا القطاع، ما سيؤدي إلى خيبات أمل كبيرة.

 

اليابان من جديد

 

– تسبب تعثر الاقتصاد الصيني مؤخرًا في ظهور مقارنات مع اقتصاد اليابان خلال فترة تسعينيات القرن الماضي.

 

– عانى اقتصاد اليابان قبل ثلاثة عقود من أزمات اقتصادية حادة تمثلت في ضعف النمو وتراجع أسعار الأصول ومشاكل في سوق العقارات وانكماش متواصل في أسعار المستهلكين.

 

 

– لكن محللين أشاروا إلى أن الوضع الحالي لاقتصاد الصين لا يزال أقل من الأزمة التي تعرضت لها اليابان في التسعينيات.

 

– قال “ديفيد دولار” الخبير في الشؤون الصينية في معهد بروكينغز” إن الصين تواجه مشكلات اقتصادية خطيرة، لكنها لم تصل إلى نفس درجة خطورة ما تعرضت له اليابان.

 

– كما أوضح محللون في “جيه بي مورجان” أن الصين يجب أن تصل إلى استقرار سوق العقارات وتتصدى لشيخوخة السكان إذا أرادت تجنب السير على خطى اليابان.

 

– ذكر البنك أنه في عام 2019، كان 12.6% من إجمالي سكان الصين بعمر 65 عامًا أو أكثر، ما يماثل مستوى 12.7% المسجل في اليابان في عام 1991.

 

– لكن الصين ما زالت في وضع أفضل من اليابان آنذاك، حيث تتمتع الأولى بمعدل تحضر أقل نسبياً، ما يمنحها مساحة أكبر للطلب على الإسكان وطفرة إنتاجية أكثر تجددًا.

 

– كما أن الصين تتمتع بسوق محلي أكبر من اليابان، وقطاع تصنيع أكثر قوة، ناهيك عن أن سوق العقارات ليس قريبًا من حالة الفقاعة التي كانت في طوكيو خلال أزمة التسعينيات.

 

– شهدت طوكيو في التسعينيات ارتفاع أسعار العقارات لمستويات تتجاوز كامل قيمة القطاع في الولايات المتحدة، قبل أن تتهاوى الأسعار بنحو الثلثين لاحقًا، كما لم ينجح سوق الأسهم حتى الآن في استعادة المستويات المسجلة في 1989.

 

– لا يبدو سوق العقارات أو الأسهم في الصين يعاني من نفس الفقاعة التي شهدتها اليابان قبل ثلاثة عقود، لكن تباطؤ النمو وانكماش الأسعار وأزمة ديون شركات العقارات تشكل نقاط تشابه مثيرة للقلق بالنسبة للأسواق.

 

المصادر: أرقام – إي إن جي – سي إن بي سي – بيزنس إنسايدر – رويترز – ساوث تشاينا مورنينج – واشنطن بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى