مقالات اقتصادية

مخزون كافٍ بدول مجلس التعاون الخليجي .. هل يتأهب العالم لأزمة كبيرة في الأرز

كتب أسامة صالح

لن يكون القمح نهاية أزمات العالم الغذائية في ظل الصراع القائم على الموارد، خاصة خلال حرب روسيا الطاحنة بأوكرانيا، وهو ما بدأ يظهر في نقص مخزون حبوب أساسية مثل الأرز، وذلك لمجرد حظر دولة واحدة صادرات نوع واحد منه قبل نحو ثلاثة أسابيع.
ورصدت عدسات الكاميرات، مؤخراً، تدافع الناس بعدة دول حول العالم؛ خاصة في الولايات المتحدة وكندا ودول آسيوية أخرى، على الشراء ورفوف الأرز الفارغة في المتاجر؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعاره.
وفي ظل هذه الأزمة التي بدأت تظهر ملامحها، أكدت بعض دول مجلس التعاون الخليجي توافر مخزون كافٍ لديها من الأرز، بعضه يصل لمدة عام كامل؛ ما يعني توافر السلعة بشكل طبيعي وعدم ارتفاع أسعارها.

معالم الأزمة
في 20 يوليو الماضي، حظرت الهند تصدير الأرز الأبيض “غير البسمتي”؛ لتهدئة ارتفاع الأسعار المحلية في الداخل.
وواجهت الهند، على مدار العام الماضي، تضخماً مزعجاً في أسعار المواد الغذائية، إذ ارتفعت أسعار الأرز المحلية مثلاً بأكثر من 30%؛ مما أدى إلى زيادة الضغط السياسي على الحكومة قبل الانتخابات العامة في العام المقبل.
وفي العام 2022 صدرت الهند 22 مليون طن من الأرز إلى 140 دولة، وبلغت كميات أرز “إنديكا” الأبيض الأرخص نسبياً من هذا ستة ملايين طن. كما بلغت التجارة العالمية في الأرز، 56 مليون طن، حسب تقديرات منظمة التجارة الدولية.
ويهيمن الأرز الأبيض الهندي على نحو 70% من التجارة العالمية، وهو الذي أوقفت الهند تصديره.
ونقلت قناة “بي بي سي” البريطانية عن محللة سوق الأرز في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، شيرلي مصطفى، قولها إن “حظر الهند على الصادرات لم يأت في الوقت المناسب”.

وأضافت شيرلي مصطفى في التقرير المنشور في 2 أغسطس الحالي، أن “قرار الهند جاء بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأرز العالمية بشكل مطرد منذ أوائل عام 2022، بزيادةٍ قدرها 14% منذ يونيو الماضي”.
وأشارت إلى أن إمدادات الأرز تتعرض لضغوط؛ نظراً إلى أن وصول المحصول الجديد إلى الأسواق لا يزال أمامه نحو ثلاثة أشهر.
كما أثر الطقس العاصف في جنوب آسيا والأمطار الموسمية غير المنتظمة في الهند، والفيضانات في باكستان على إمدادات الأرز، وارتفعت تكاليف زراعته الأرز بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة، وفق المحللة.
وذكرت شيرلي مصطفى أن هذه الظروف تتزامن أيضاً مع زيادة تكاليف الاستيراد بالنسبة إلى عديد من البلدان جراء انخفاض قيمة عملاتها المحلية، في حين أدى التضخم المرتفع إلى زيادة تكاليف الاقتراض في التجارة.

أكبر عجز منذ عقدين
وفي تقرير لشركة الأبحاث العالمية “فيتش سيليوشنز” نشرته في أبريل الماضي، توقعت أن تسجل سوق الأرز أكبر عجز لها منذ عقدين في العام 2023.
وتوقع التقرير أن يصل العجز العالمي من الأرز لسنة 2023 إلى 8.7 ملايين طن، وهو الأكبر منذ 2003 عندما ولّدت أسواق الأرز العالمية عجزاً قدره 18.6 مليون طن.
ونقل عن محلل السلع في شركة “فيتش سوليوشنز” تشارلز هارت، قوله: إنه “على المستوى العالمي كان التأثير الأكثر وضوحاً لعجز الأرز، ومن المتوقع أن تبقى أسعاره مرتفعة لعقد من الزمان”.
وأشار إلى أن هذا العجز سببه الحرب المستمرة في أوكرانيا، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية في الاقتصادات المنتجة للأرز مثل الصين وباكستان.
ويبلغ متوسط سعر الأرز 17.30 دولاراً للطن الواحد خلال عام 2023، ويتوقع أن يتراجع فقط إلى 14.50 دولار للطن الواحد في عام 2024، وفقاً لـ”فيتش سيليوشنز”.

دول مجلس التعاون الخليجي.. خارج دائرة الأزمة..

ولكن ماذا عن دول مجلس التعاون الخليجي؟ أعلنت غالبية دول مجلس التعاون عدم معاناتها من أي أزمة جراء نقص الأرز عالمياً، بسبب امتلاكها كميات وفيرة من هذه الحبوب، علاوة على عدم استهلاكها بشكل كبير للنوع الذي حظرت الهند تصديره.
وفي 27 يوليو الماضي، أعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية وقف تصدير وإعادة تصدير الأرز بشكل مؤقت إلى خارج الدولة مدة أربعة أشهر، بدءاً من يوم 28 من الشهر نفسه.
وتضمن القرار حظر تصدير وإعادة تصدير الأرز، الذي يكون منشؤه الهند، والمستورد للدولة، وضمن ذلك المناطق الحرة، بعد تاريخ 20 يوليو الماضي.

وأوضحت الوزارة، أن الشركات الراغبة في تصدير أو إعادة تصدير هذه الأصناف من الأرز، يجب أن تتقدم بطلب إلى وزارة الاقتصاد للحصول على إذن تصدير خارج الدولة، على أن يكون هذا الطلب مؤيداً بكل الوثائق والمستندات التي تساعد على التحقق من البيانات المتعلقة بالشحنة المراد تصديرها من حيث المنشأ، وتاريخ المعاملة.

من جانبها، أكدت جمعية الإمارات لحماية المستهلك، في بيان أصدرته في الأول من أغسطس الحالي، توافر الأرز بالأسواق وبمخزون كافٍ، داعيةً المستهلكين إلى عدم التهافت على شراء الأرز أو تخزينه.
كما علقت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه العمانية على التطورات الحاصلة بعد صدور قرار الهند وقف تصدير الأرز الأبيض.
وقالت الوزارة، في بيان أصدرته في 1 أغسطس الحالي: إن “المخزون الاستراتيجي من سلعة الأرز في سلطنة عمان آمن، ولا يوجد ما يدعو إلى القلق من نقصه أو ارتفاع أسعاره”.

وأوضحت أنه يتم دورياً متابعة هذه الأحداث وتقييم الوضع واتخاذ الإجراءات المناسبة حيال ذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية.

دولة الكويت أيضاً، شاركت في طمأنة مواطنيها إزاء هذه الأزمة، وصرح وزير التجارة والصناعة الكويتي محمد عثمان العيبان، بأن مخزون البلاد من الأرز مطمئن، ويغطي احتياجاتها عاماً كاملاً.
وقال العيبان، في بيان يوم 30 يوليو الماضي، إن “المواطنين لن يتأثروا من تداعيات قرار الهند حظر تصدير الأرز، ولن يؤثر في شحنات الأرز الإضافية التي تعاقدت الشركة الكويتية للتموين على توريدها بمواعيد مجدولة”.
وأشار إلى أن وزارة التجارة والصناعة تتابع من كثب، المتغيرات والمستجدات التي تتعرض لها السلع التموينية في الأسواق العالمية، وعلى رأسها الأرز، باعتبار أن الأرز والقمح من أهم المواد الغذائية الأساسية في البلاد.

وشدد على أن الحكومة تولي ملف الأمن الغذائي اهتماماً كبيراً، وتعمل على تعزيز بنيته التحتية والارتقاء بها على نحو يكفل استدامة الأمن الغذائي للدولة.

على الصعيد نفسه، قال رئيس لجنة قطاع الأغذية في غرفة تجارة وصناعة البحرين خالد علي الأمين، في 30 يوليو الماضي، إن البحرين والخليج عموماً في مأمن من تداعيات أزمة حظر تصدير الأرز.
وأوضح الأمين أن هذا النوع من الأرز الأبيض يُشترى عادةً من قبل ذوي الدخل المحدود بالمملكة، بنسبة الثلث تقريباً.
ونفى احتمال ارتفاع أسعار الأرز؛ لأن قرار الحظر مؤقت، لافتاً إلى أن البحرين تمتلك مخزوناً ممتازاً من السلع، ولا تأثير للقرار على الأسعار.

ورغم عدم تعليقها على الأزمة الأخيرة، تؤكد المملكة العربية السعودية ودولة قطر وسلطنة عُمان مراراً، أن أمنها الغذائي مستقر ولم يتأثر بالحرب الروسية في أوكرانيا، كما تعمل بشكل دائم على تعزيز الإنتاج المحلي للسلع، وزيادة التخزين استعداداً لأي طارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى