اقتصاد دولي

هل نجح مودي في الصعود بالاقتصاد الهندي خلال 10 سنوات؟

عندما كان نارندرا مودي يتجه نحو النصر في انتخابات عام 2014 قال إن الأوقات الطيبة مقبلة، وبينما يستعد حالياً لتأمين فترة ولاية أخرى كرئيس للوزراء في الانتخابات التي تبدأ في الـ19 من أبريل (نيسان) الجاري، تضاعفت قيمة سوق الأوراق المالية في الهند بمقدار ثلاثة أضعاف منذ تولى منصبه للمرة الأولى، كما أصبح حجم الاقتصاد الهندي ضعف ما كان عليه من قبل.

ارتفعت الأسهم بشكل كبير لأن عدد الهنود الذين لديهم ما يكفي من الثروة والشهية لأخطار الاستثمار قفز إلى ما يقرب من خمسة في المئة من السكان بعد أن كان بالكاد اثنين في المئة.

لكن المكاسب الاقتصادية كانت غير متكافئة على نطاق واسع، فالجزء الأكبر من النمو في الهند يعتمد على أولئك الموجودين في أعلى سلم الدخل، بما في ذلك زمرة من الشركات الضخمة والخاضعة لرقابة مشددة.

تشير التقديرات إلى أن 90 في المئة من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة يعيشون على أقل من 3500 دولار سنوياً، ومع ذلك، في المناطق الريفية الأكثر فقراً، أصبحت الحياة فيها أكثر احتمالاً من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التي توسعت في عهد مودي، كما أن عديداً من الفوائد ثابتة وواضحة مثل أكياس الحبوب المجانية وأسطوانات الغاز، في حين غيرت التطورات التجارية البحتة حياة القرية.

وبينما كانت أميركا تشهد حالاً من “التقلبات المزاجية”، إذ تشعر بالكآبة على رغم الأخبار الاقتصادية المتفائلة، كانت الهند تفعل العكس، إذ تظهر الدراسات الاستقصائية الدولية أن المستهلكين في الهند أصبحوا الأكثر تفاؤلاً من أي مكان آخر.

وزن الهند يرتفع في الأسهم والسندات العالمية

ويشعر الأجانب أيضاً بالرضا تجاه اقتصاد مودي، إذ تسارع بنوك مثل “مورغان ستانلي” و”جيه بي مورغان تشيس” إلى رفع وزن الهند في مؤشرات أسهمها وسنداتها العالمية. وحذر أحد أفضل استراتيجيي السوق في آسيا، هو كريس وود من أنه إذا لم يعد انتخاب مودي هذا العام، فإن الأسواق الهندية قد تنهار بنسبة 25 في المئة أو أكثر.

لكن الأمر الغريب في التفاؤل باقتصاد مودي هو أن معدلات النمو في الهند على مدى السنوات الـ10 الماضية كانت مشابهة إلى حد كبير لتلك التي شهدتها البلاد في العقد الذي سبقها، في ظل حكومة كثيراً ما كان يلومها مودي على تدمير البلاد.

وجه مودي موجود في كل مكان، وربما أكثر حضوراً في نيودلهي من وجه أي زعيم منتخب ديمقراطياً في أية عاصمة أخرى، وفي الفترة التي سبقت انعقاد قمة مجموعة الـ20 في سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت شعاراته تحظى بالفضل تقريباً في كل تطور إيجابي يمكن العثور عليه في هذا الاقتصاد الناشئ العنيد.

7.3 في المئة نمو متوقع لاقتصاد الهند في 2024

وفي ظل المناخ المتصاعد الذي يحيط بالاقتصاد الهندي، فحتى المتشائمين يشعرون بالتفاؤل، وفي حين تتوقع الإحصاءات الرسمية نمواً بنسبة 7.3 في المئة في العام المالي الحالي، فإن معظم المتخصصين في القطاع المالي في مومباي يربطون الرقم بما يتراوح ما بين ستة إلى 6.5 في المئة، فيما يصل أدنى تقدير إلى 4.5 في المئة، وهو ما سيتفوق على الولايات المتحدة وربما الصين.

لكن صحيفة “نيويورك تايمز”، تشير إلى تجنب التعبير حتى عن الشكوك البسيطة في عهد مودي، وتقول “لقد أصبح يتعين على الاقتصاديين الذين يعتمدون على العمل الحكومي أن يحرصوا على عدم التحدث بصراحة، وأصبح الاقتصاديون الذين لا يعملون مع الحكومة نادرين، مع مداهمة مؤسسات الفكر والرأي المستقلة وإغلاقها”.

وتشير إلى أن السيطرة على الرسائل التي تخرج عن الاقتصاد الهندي أصبحت أكثر وضوحاً مما كانت عليه في عهد سلف مودي، رجل الاقتصاد الحائز على جوائز مانموهان سينغ، وقالت إن الهند كانت تعرف باسم “الدولة المتعثرة” خلال فترة ولاية سينغ في منصبه، حتى مع وصول النمو في بعض الأحيان إلى مستوى 10 في المئة.

انشغل مودي خلال سنوات حكمه بإعادة تشكيل مؤسسات الحكم الهندي، إذ قضى على المنافسة السياسية على المستوى الوطني، واستغل العداء ضد الأقلية المسلمة في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة.

واستخدم مودي سلطة الدولة لتحقيق الأهداف الاقتصادية البحتة، في الغالب للأفضل، وفي بعض الأحيان للأسوأ، فالبنية التحتية على وشك التمزق، وهناك بعض المبالغة في البناء، ولكن حقيقة إنجاز البناء أمر مرحب به، كما أصبحت برامج الرعاية الاجتماعية أكثر استجابة.

حققت الهند بخاصة في التعاملات المصرفية والتجارية قفزة رقمية واسعة النطاق، وبدأت هذه الدفعة خلال الإدارة السابقة لسينغ، لكن مودي ركض معها، مع إصلاح الضرائب، ودفع مزيد من الاقتصاد الموازي إلى القطاع الرسمي، وتحرير الأموال للإنفاق العام، ومن خلال خفض معدلات الضرائب على الشركات، للتمويل الخاص.

ثراء مجموعة “أداني” بعد انتخاب مودي

وفي الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، أعلن مودي فجأة أن جميع الأوراق النقدية الكبيرة أصبحت فجأة عديمة القيمة، وكان من المفترض أن يحرم المجرمين من “الأموال السوداء”، وبدلاً من ذلك، شلت النشاط الاقتصادي، لكن لا أحد يوضح تركز ثروة الشركات في الخارج والأخطار المرتبطة بها بشكل أفضل من غوتام أداني، فلم يعرف سوى قليل عن اسمه حتى عام 2022، عندما ظهر فجأة على القوائم باعتباره ثاني أغنى شخص في العالم، بعد إيلون ماسك.

تضاعفت ثروة مجموعة “أداني” تقريباً في العام الذي أعقب انتخاب مودي، ونمت بثماني مرات بعد إعادة انتخابه في عام 2019، وأصبحت المجموعة في الواقع، ذراعاً لوجستية للحكومة، تعمل على بناء الموانئ والطرق السريعة والجسور ومزارع الطاقة الشمسية بسرعات لم يسبق لها مثيل.

وفي العام الماضي اتهمت إمبراطورية الملياردير الهندي غوتام أداني بالاحتيال من أحد البائعين على المكشوف في نيويورك، مما كلف أداني 150 مليار دولار على الورق. وعلى رغم أن أداني، الذي نفى هذه المزاعم، استعاد معظم الأموال التي فقدها، إلا أن الحادثة كشفت عن خطر في استراتيجية مودي المتمثلة في السماح للقلة في القمة بتكديس نفوذ هائل.

نمو غير متكافئ إلى حد غير مريح

وبعيداً من الشركات، وعلى المستوى الفردي، كان النمو الأخير في الهند غير متكافئ إلى حد غير مريح، كما أن وجود أكبر عدد من السكان يفسر سبب انجذاب كثير من المستثمرين الأجانب إلى السوق الاستهلاكية، بخاصة أن أغلب الهنود يعيشون في المناطق الريفية، و75 في المئة منهم فقراء وفقاً لمعظم المقاييس، وهم مؤهلون للحصول على حصص غذائية مجانية تهدف إلى الوقاية من سوء التغذية، وعلى رغم أن ذلك يتطلب بعض الحذر، إلا أنه يترك مجالاً للنمو.

ازدهرت مبيعات السلع الفاخرة، بخاصة منذ الوباء، مما أدى إلى قوائم انتظار طويلة لسنوات للسيارات مثل “مرسيدس جي 63” فيما كانت مبيعات الدراجات النارية والدراجات البخارية، التي تنقل عدداً من الهنود أكبر بكثير من جميع السيارات ذات العجلات الأربع مجتمعة، راكدة.

ويعد الجانب الأكثر إيلاماً في الاقتصاد الهندي هو وضع الوظائف، فرسمياً هناك حوالى سبعة في المئة من الهنود عاطلون عن العمل، وهناك عدد أكبر بكثير من العاطلين عن العمل. وفي الشهر الماضي، مات هنود يائسون وهم يحاولون عبور حدود الولايات المتحدة، وغير مجهزين للقتال كمرتزقة لصالح روسيا في أوكرانيا، وملء المناصب الشاغرة التي تركها الفلسطينيون الذين أجبروا على التوقف عن العمل في إسرائيل.

صعود الهند في الاقتصاد العالمي

مع ذلك فإن صعود الهند في الاقتصاد العالمي يبدو أمراً محتوماً، إذ تفوقت على بريطانيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تتفوق على اليابان وألمانيا لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة، ومن المتوقع أن يتدفق مزيد من الشركات متعددة الجنسيات إلى الهند، مما يخلق فرصاً عمل للهنود.

وإلى جانب الضجيج الذي وعد به في عام 2014، تعهد مودي بـ”الحد الأدنى من الحكومة، والحد الأقصى من الحكم”، وبدا كأنه أحد أنصار السوق الحرة في أميركا في الثمانينيات. ومن الناحية العملية، لم يتحدد منهجه الاقتصادي من خلال النظرية أو الأيديولوجية، واليوم عندما يتحدث أهل الاقتصاد عن الهند، فهم لا يأتون على ذكر “الدولة المتعثرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى