مختارات اقتصادية

وقت الحساب .. موجة إفلاس تضرب الشركات العالمية بعد سنوات من الأموال الرخيصة

تتواصل معاناة الشركات العالمية في الفترة الماضية جراء رفع البنوك المركزية لمعدلات الفائدة بشكل حاد في إطار الحرب ضد التضخم.

 

وشهدت بعض الاقتصادات الكبرى ارتفاعات ملحوظة لحالات إفلاس الشركات، وسط مخاوف من تصاعد أكبر للأزمة في الفترة المقبلة.

معاناة الشركات الأمريكية

 

ارتفعت حالات إفلاس الشركات في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من 2023 بأكبر وتيرة في 13 عامًا، رغم استمرار قوة سوق العمل والنمو الاقتصادي.

 

وكشفت بيانات “إس آند بي جلوبال ماركت إنتلجنس” أن عدد الشركات الأمريكية التي تعرضت للإفلاس في أول ستة أشهر من هذا العام ارتفع لأعلى مستوى منذ عام 2010، متجاوزًا الذروة المسجلة في 2020 مع ظهور وباء “كوفيد-19”.

 

وفي أول ستة أشهر من 2023، تقدمت 340 شركة أمريكية بطلبات لإعلان الإفلاس، وهو ما يقترب من الرقم المسجل في إجمالي عام 2022 والبالغ 374 طلبا.

 

وتقدمت 54 شركة أمريكية بطلبات للإفلاس في شهر يونيو الماضي وحده، وهو نفس العدد المسجل في مايو، لكنه يتجاوز كثيرًا معظم الأشهر في عامي 2021 و2022.

 

 

وكان فبراير هو الشهر الأعلى من حيث طلبات إفلاس الشركات الأمريكية هذا العام، بعد تقدم 70 شركة بطلبات لإعلان الإفلاس.

 

بينما أشار مزود البيانات “إيبك” إلى أن إجمالي حالات التقدم بطلبات للحماية من الإفلاس وفقا للفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأمريكي ارتفع 68% في أول ستة أشهر من 2023 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي

 

وكان “سيليكون فالي بنك” و”بيد باث آند بيوند” وكذلك شركة “لوردستاون موتورز” من بين الكيانات الأمريكية التي واجهت الإفلاس في الأشهر الأخيرة.

 

وبحسب بيانات “إيبك”، تم التقدم بـ2973 طلبا لتفعيل الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس في أول ستة أشهر من 2023، مقابل 1766 طلبا في نفس الفترة من العام الماضي.

 

القطاعات الأكثر تضررًا

 

ولم تسلم الشركات الأمريكية الكبيرة من التعثر، حيث شهد النصف الأول من 2023 تقدم 15 شركة لديها التزامات بأكثر من مليار دولار بطلبات للإفلاس، منها 4 شركات في يونيو وحده.

 

وجاءت الشركات في قطاع السلع الاستهلاكية غير الأساسية في صدارة المتضررين من عمليات الإفلاس، بنحو 45 عملية في أول ستة أشهر من العام.

 

وشهد قطاعا التصنيع والرعاية الصحية تقدم 37 و32 شركة على التوالي بطلبات للإفلاس منذ بداية العام وحتى نهاية يونيو.

 

 

كما تقدمت 24 شركة في القطاع المالي و12 شركة في كل من الطاقة وتكنولوجيا المعلومات بطلبات للإفلاس في النصف الأول من العام الحالي.

 

الأزمة تنتشر عالمياً

 

ارتفاع معدلات الإفلاس لم يقتصر على الشركات الأمريكية، لكنه أصبح أزمة ملحوظة في العديد من الاقتصادات الكبرى هذا العام.

 

ويعد معدل إعسار الشركات في إنجلترا وويلز حالياً عند أعلى مستوى في 14 عامًا، كما وصل في السويد لأعلى مستوى في عقد.

 

كما قفزت حالات الإفلاس في ألمانيا بنحو 50% في يونيو الماضي على أساس سنوي لتصل لأعلى مستوى منذ عام 2016.

 

وفي آسيا وصلت حالات إفلاس الشركات في اليابان لأعلى مستوياتها منذ خمس سنوات.

 

ويأتي تصاعد حالات الإعسار عالمياً هذا العام بعد أن تجنب كثير من المؤسسات هذا السيناريو بعد ظهور وباء “كورونا”، بفضل المساعدات الحكومية السخية آنذاك.

 

واستفادت الشركات العالمية طوال السنوات الماضية من التكلفة الرخيصة للأموال، حيث كانت الكيانات التجارية قادرة على جذب تمويلات بعائد محدود للغاية، ما ساهم في زيادة حجم الديون.

 

لكن مع اتجاه البنوك المركزية حول العالم لرفع معدلات الفائدة بشكل حاد في العامين الماضيين للسيطرة على التضخم، ظهرت التداعيات السلبية على الشركات.

 

 

الأعباء تتصاعد

 

قالت “آمي كواكنبوس” المديرة التنفيذية لمعهد الإفلاس الأمريكي، إن النمو في عمليات التقدم بطلبات للإفلاس يعكس المزيد من العائلات والشركات التي تواجه أعباء ديون متزايدة بسبب معدلات الفائدة والتضخم المرتفعين وزيادة تكاليف الاقتراض.

 

وتفرض معدلات الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة تحديات كبيرة على الشركات في مختلف القطاعات.

 

وتعاني الكيانات التجارية تداعيات صعود تكاليف الاقتراض بشكل حاد في العام ونصف العام الأخير، سواء كانت في حاجة لمزيد من السيولة أو لإعادة تمويل الديون الحالية.

 

وأوضح “محسن مغجي” الشريك المؤسس شركة الاستشارات “3 إم بارتنرز”، أن رأس المال أصبح أكثر تكلفة بشكل ملحوظ حالياً، مشيرًا إلى أنه على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية كان يمكن الحصول على تمويل عبر الديون بتكلفة تتراوح بين 4% و6% في المتوسط، لكن التكلفة صعدت حالياً لتصل بين 9% و13%.

 

ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 10 مرات متتالية، لتصل إلى نطاق 5% و5.25% مقارنة بمستوى قرب الصفر في مارس 2022.

 

ورغم أن الفيدرالي أبقى معدلات الفائدة دون تغيير في يونيو الماضي للمرة الأولى في 15 شهرًا، فإنه أشار إلى احتمالية زيادتها مرتين إضافيتين هذا العام.

 

كما ساهم تراجع الطلب في بعض القطاعات مع حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي في تضرر أعمال بعض الشركات.

 

 

مزيد من الألم؟

 

ومع قفزة موجة الإفلاس بين الشركات العالمية في أول ستة أشهر من 2023، فإن الأزمة تبدو في طريقها لمزيد من التصعيد.

 

ورفعت وكالة “فيتش” في شهر مايو الماضي توقعاتها للتخلف عن سداد السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع في العامين الجاري والمقبل.

 

وقالت وكالة التصنيف الائتماني إنها تعتقد أن معدل التعثر عن سداد الديون مرتفعة العائد سيتراوح بين 4.5% و5.5% هذا العام من التقديرات السابقة الصادرة في يناير بين 3% و3.5%.

 

كما رفعت الوكالة توقعاتها لمعدل إفلاس الشركات الأمريكية في العام المقبل بين 3.5% و4.5% من 3% و4% سابقًا.

 

وبررت “فيتش” توقعاتها بشروط الإقراض الأكثر تشددًا وصعوبة الوصول إلى رأس المال نتيجة الاضطرابات في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى عدم اليقين بشأن التضخم.

 

وأشارت الوكالة إلى أن هذه العوامل بجانب ارتفاع تكاليف الاقتراض تشكل تحديات كبيرة على قدرة الشركات الأضعف المصدرة للديون على التعامل مع احتياجات إعادة التمويل والسيولة.

 

المصادر: أرقام – إس آند بي جلوبال – إيبك بانكربسي – فيتش – سي إن بي سي – رويترز – بلومبرج – نيكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى