أخبار عاجلةاقتصاد دولي

“درع سيبرانية” للمصارف العربية… فهل تكبح القرصنة؟

أعلنت وزارات التكنولوجيا والاتصالات بالعالم العربي، الخميس الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، إطلاق الاستراتيجية العربية للأمن السيبراني، بغرض حماية الاستقرار المالي للمنطقة وبناء مستقبل رقمي مستدام. وبسبب توسع المؤسسات الخاصة والعمومية في الاعتماد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتنامي الاتصال الرقمي في المعاملات اليومية، زادت احتمالات تعرضها لهجمات سيبرانية تؤدي إلى تعطيل عديد من المؤسسات، وأهمها المصارف المركزية والخاصة وإيقاف التحويلات المالية.

وتم إعلان الاستراتيجية خلال فاعليات “الأيام الإقليمية للثقة الرقمية”، الذي أقيم في تونس، تحت رعاية جامعة الدول العربية، وبحضور وزير تكنولوجيات الاتصال بالجمهورية التونسية نزار بن ناجي وأقرانه من الوزراء المتخصصين في التكنولوجيا بالبلاد.

وفي ظل تضاعف عدد الهجمات السيبرانية ثلاث مرات على مدار السنوات الـ12 المنقضية مع تزايد الاعتماد على الخدمات المالية الرقمية في البلدان العربية، بحسب آراء المسؤولين الذين تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”، تبدو الخدمات المالية الأكثر استهدافاً للمخاطر السيبرانية، حتى أصبحت الهجمات مصدر تهديد للاستقرار المالي بالبلدان العربية.

ونبه الفاعلون في مجال التصديق الرقمي والثقة الرقمية بالمنطقة العربية ودول أخرى إلى ضرورة بناء “مجتمعات رقمية موثوقة” مع التركيز بشكل خاص على سبل تعزيز قابلية الاعتراف المتبادل والتشغيل البيني بين الدول العربية ومع دول أخرى في مجال خدمات الثقة الرقمية، وبخاصة التوقيع الإلكتروني، وذلك في إطار ندوة “الأيام الإقليمية للثقة الرقمية” التي ركزت خلالها المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات (إحدى المؤسسات التابعة لجامعة الدول العربية) على القدرات السيبرانية بالمنطقة العربية.

ضرورة للاستدامة المالية

وقال الوزير بن ناجي إن وضع خطة عمل مشتركة لمجابهة جملة تحديات السلامة السيبرانية هو سعي إلى تحقيق السيادة الرقمية في المنطقة وحماية البنى التحتية الرقمية من هذه الهجمات. ويتم بناء الثقة الرقمية في الفضاء السيبراني على مستوى الاعتراف بالمحتوى الرقمي والوثائق والحوامل الإلكترونية اللامادية على غرار وثائق الهوية والمراسلات الإلكترونية والعقود والفواتير والوصول الإلكترونية، ويكون الاعتراف على مستوى التشريعات والمعاملات، ثم اعتماد الأدلة الرقمية والقيم الإثباتية في المعاملات الإلكترونية وضمان حجية الوثائق السابق ذكرها باستعمال الإمضاءات والأختام الإلكترونية الموثوقة، وفي مرحلة تالية تتم المصادقة على الحلول البرمجية والأجهزة الإلكترونية المستوردة والمصنعة محلياً، والتأكد من مدى ملاءمتها معايير السلامة والمواصفات المسموحة قبل تسويقها واعتمادها من المستهلك، كذلك تطوير وتوفير الخدمات الإلكترونية الموجهة للمواطنين وللإدارة والمؤسسة.

وأكدت الاستراتيجية ضرورة التفاعل السريع مع الحوادث السيبرانية لضمان استمرارية الخدمات والتعافي السريع من الأزمات والتعاطي الناجع مع الجرائم الإلكترونية باعتماد إجراءات التحقيق الرقمي. ودعا الوزير التونسي إلى أهمية تطوير المهارات والكفاءات في مجال السلامة السيبرانية والتشجيع على التجديد وخلق المشاريع في هذا المجال.

تهديد الاستقرار المالي

وأضحت الهجمات السيبرانية مهددة للاستقرار الاقتصادي بسبب اتساع الروابط المالية والتكنولوجية المتبادلة، فالهجمات على المؤسسات المالية الكبرى أو النظام الأساسي أو الخدمات التي تعتمدها تؤدي إلى تداعي النظام المالي بأسره، مما يتسبب في فقدان الثقة، وفق رئيس الاتحاد العربي للإنترنت والاتصالات فراس بكور (هيئة مستقلة)، الذي أضاف أن المخاطر السيبرانية تتسبب في فشل المعاملات وحبس السيولة، كما تشل عمل الشركات، إذ تفقدها قدرتها على النفاذ إلى الودائع والمدفوعات، مما تنتج عنه نتائج وخيمة مثل مطالبة المستثمرين والمودعين بأموالهم أو إلغاء حساباتهم والمغادرة.

ومن شأن مساعدة الاقتصادات النامية والصاعدة على بناء القدرات في مجال الأمن السيبراني تعزيز الاستقرار المالي، فالتجارة الإلكترونية تطورت، وهي معرضة للقرصنة، وقد تعرض عديد من المؤسسات الحكومية العربية لهذه الجرائم، لذلك وجب إيجاد حلول عملية، بينما الميزانيات المخصصة للأمن السيبراني بالبلدان العربية متواضعة للغاية.

وبحث الحضور إنشاء صندوق ممول لصناعة تكنولوجيات الاتصال ووسائل الأمن السيبراني، وتمت دعوة المستثمرين العرب إلى الاستثمار في صناعة تكنولوجيا الأمن السيبرانية، والاقتداء بالتجارب الرائدة ببلدان عربية في هذا المجال ومصنفة بمراتب متقدمة في العالم مثل السعودية وعمان والإمارات، لسد الفجوات في القدرات الأمنية السيبرانية بالمنطقة العربية.

وتحقق صناعة الأمن السيبراني مداخيل مالية، وتسهم في تنمية الدول العربية وتطويرها والتعويل عليها، وفق بكور، الذي خص بالذكر الهند التي تصدر سنوياً منتجات تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني بقيمة 156 مليار دولار.

تقليل فجوة الأمية التكنولوجية

وتنص الاستراتيجية على العمل لتقليل فجوة الأمية التكنولوجية بين البلدان العربية، حيث يزيد في بعض الدول مستخدمو الإنترنت على 90 في المئة من السكان، وأخرى لا يتجاوز 20 في المئة، وترتبط النسب بالواقع الاقتصادي والتنموي لكل دولة.

وحذر مدير إدارة تنمية الاتصالات وتقنية المعلومات بجامعة الدول العربية خالد والي من فاتورة غياب توفر الأمن السيبراني، وهي الخسائر المالية الفادحة، مذكراً بالخسائر التي تكبدتها مؤسسات مالية ومصارف وشركات نفطية ضخمة بعديد من البلدان العربية بسبب الهجمات السيبرانية وكلفتها مليارات الدولارات، مما يدعو إلى ضرورة العمل على تفاديها. وأعلن الاتحاد الدولي للاتصالات اقتراب الخسائر العالمية الناجمة عن الجريمة السيبرانية حول العالم إلى ستة تريليونات دولار سنة 2021.

ودعا والي إلى الاستثمار في مجال الأمن السيبراني على مستوى المؤسسات والحكومات تجنباً لخسائر ضخمة يمكن أن تلحق الاقتصادات. وعلى رغم الطموح الكبير لصناع الاستراتيجية، فإنه وجبت مضاعفة الاعتمادات الموجهة للاستراتيجية التي تحتاج إلى تمويل من قبل الجهات المانحة، وفق خالد والي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى