عملات رقمية

تحديات كبيرة.. مخاوف بشأن مستقبل العملات المشفرة

حالة من الغموض تسود سوق العملات المشفرة، مع مواصلة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية حملتها ضد قطاع التشفير، من أجل وضع ضوابط أكثر وضوحاً للصناعة، وبما أثار حالة من اللغط في سوق الكريبتو، مع تصاعد المخاوف بشأن مستقبل العملات المشفرة في ضوء تلك الإجراءات التنظيمية.

“بينانس”، وهي أكبر بورصة عملات رقمية في العالم، واجهت على أثر الحملة الحالية نحو 13 تهمة مدنية، وبعد أن تقدمت الهيئة بدعوى قضائية ضدها، ذكرت خلالها أن المنصة “تنفذ تعاملات وخدمات مالية بصورة غير قانونية دون الحصول على التراخيص اللازمة”.

واتهمت الهيئة في الدعوى ذاتها مؤسس المنصة تشانجبينج جاو، بالتلاعب بالسوق، وإساءة استخدام أموال العملاء، وتحريف ضوابط التداول.

في الوقت نفسه، زعمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أن “كوين بيس”، وهي أكبر منصة لتداول العملات المشفرة في البلاد، قد انتهكت اللوائح من خلال عدم التسجيل كبورصة.

فأي مصير ينتظر سوق الكريبتو أمام تلك المعطيات؟ وإلى أي مدى يُمكن أن تشكل الإجراءات الأميركية الأخيرة عامل ضغط كبير على اتجاهات المتعاملين بتلك السوق؟

فقدت “بينانس” ربع حصتها في السوق في الأشهر الثلاثة الماضية، في وقت تلاحقها فيه هيئة رقابة أميركية بسبب انتهاكها المزعوم للقوانين الفيدرالية.

المجموعة، التي تقول ليس لها مقر، سيطرت على 57.5 بالمئة من متوسط الحجم الشهري في بورصات العملات المشفرة في العالم في ذروتها في فبراير. لكن هذا انخفض الآن إلى 43 بالمئة، طبقاً لـ CCData.

جاء التراجع الحاد في الوقت الذي دخلت فيه “بينانس” في منافسة تجارية أكثر صرامة، والمزيد من التدقيق في أنشطتها من قبل المنظمين الأميركيين.

تحديات كبيرة

المحلل وخبير العملات الرقمية ستيفن أبي شاكر، يقول إن “بعض العملات المشفرة تواجه تحديات كبيرة حالياً تهدد استمرارها”، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن بعضها مثل البيتكوين، لن يتأثر على المدى الطويل، في تقديره.

ويوضح في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن انهيار منصة FTX، مع بعض الإخفاقات للمنصات الأخرى جعلت القطاع تحت إشراف أكبر من المنظمين، خاصة في ظل ما يتعرض له القطاع المصرفي الأميركي من ضغوط عقب إفلاس عدة بنوك، وظهور المنصات كبدائل استثمارية منافسة.

بدأت العملات المشفرة تلقي صدمة تلو الأخرى خلال العام الماضي 2022، سواء فيما يرتبط بالانهيارات التي شهدتها بعض العملات وكذلك الاختراقات المُتكررة وحتى إفلاس “إف تي إكس”، وذلك بعد عام مزدهر في 2021، لتفقد الزخم تدريجياً بعد ذلك جراء تلك الصدمات المُتكررة، وبما انعكس على أدائها، لجهة قيم وأحجام التداول.

وفي سياق متصل، يلفت أبي شاكر إلى وجود بعض الدعوات العالمية للتخلي عن “البترودولار، ما قد يجعل أميركا أكثر حدة في مواجهة صناعة التشفير لمنافستها استقرار العملة الأميركية، ودورها في الاقتصاد العالمي.

يشير مصطلح “البترودولار” الذي صاغه لأول مرة أستاذ علم الاقتصاد في جامعة جورج تاون الأميركية، إبراهيم عويس، في العام 1973، إلى قيمة النفط المشتري بالدولار الأميركي.

بزغ المصطلح مع توصل المملكة العربية السعودية في العام 1974 إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية برئاسة ريتشارد نيكسون آنذاك، يقضي بتسعير صادرات الأولى من النفط بالعملة الأميركية.

ضغوطات أميركية

من جانبه، يشير رئيس الأبحاث في “كوين شير” للعملات الرقمية، جيمس بترفيل، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى جانب آخر من عوامل أزمة العملات المشفرة، موضحاً أن بعض منصات العملات الرقمية خففت بالفعل من الضوابط وقدمت منتجات مالية متنوعة، ما تسبب في الأزمة الحالية.

لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى ضرورة وضع ضوابط أميركية تتلاءم وطبيعة عمل منصات العملات الرقمية، موضحًا أن أوروبا قدمت نموذجاً تنظيمياً تحت اسم MICA يتعين على الولايات المتحدة النظر إليه بدلًا من هذا التعامل الذي وصفه بأنه “عدواني للغاية”، على حد وصفه.

ويوضح أن دولاً مثل سويسرا وهونغ كونغ تسعى إلى تطوير أطر تشفير مخصصة، لكن بدون حدة في مواجهة المنصات، مضيفاً: “الحملة الحالية في الولايات المتحدة لا تعني نهاية صناعة التشفير بأميركا أو العالم، لكنها تؤكد على الحاجة الماسة إلى لوائح قوية لحماية المستثمرين والحفاظ على نزاهة السوق”.

ويعتقد بأن الوضوح واللوائح المناسبة أمران حيويان لترسيخ مسار مستدام لصناعة التشفير. وبالنظر إلى المستقبل، يرجح أن يكون للتمويل التقليدي دور قيادي في قطاع التشفير، وأن تؤدي القيود التنظيمية إلى تشكيل صناعة التشفير بطريقة يمكن أن تماثل النظام المالي الحالي، مع لوائحه والمؤسسات الراسخة منذ عقود.

بعد عدة سنوات من النمو القوي، اضطرت عديد من شركات العملات المشفرة للتراجع بسبب تراجع الصناعة العام الماضي.

انخفضت قيمة الرموز المميزة مثل البيتكوين بنحو 70 بالمئة، وانخفضت عديد من الأسماء الكبيرة.

انخفضت القيمة السوقية للعملات المشفرة من نحو 2.2 تريليون دولار أميركي في مطلع 2022، إلى نحو 800 مليار دولار أميركي في نهايتها بحسب بيانات “كوين ديسك”، حيث كانت عملة البيتكوين نجمة هذا التراجع المروع، إذ فقدت أكثر من 60 بالمئة من قيمتها.

ضوابط واضحة

وإلى ذلك، يصف الخبير في العملات الرقمية، توفيق الرجولة، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، وضع منصات العملات الرقمية بأنها “وصلت لمرحلة من النضج في وقت قصير، جعلت السلطات التنظيمية الأميركية تؤكد حتمية أن تسير هذه المنصات وفق ضوابط واضحة”.

ويضيف: سقوط منصة “FTX”، كان بمثابة الضربة الأقوى لصناعة التشفير، بعد ممارسات خاطئة أدت لإفلاسها.

وكانت منصة تداول العملات المشفرة “FTX”، تعرضت لأزمة سيولة حادة، وعجز يصل إلى 8 مليارات دولار، وفشلت محاولاتها للحصول على حزمة إنقاذ من لاعبين في الصناعة، انتهت بتقديم طلب إفلاس.

وفاقم أزمة منصة التداول انسحاب شركة “بينانس”، أكبر بورصة لتداول العملات المشفرة في العالم، من صفقة الاستحواذ عليها، والتي كان ينظر إليها على أنها طوق نجاة لـ”FTX”.

كما أدى انزلاق “FTX” نحو الإفلاس إلى سقوط واحد من أغنى أقطاب العملات المشفرة، سام بانكمان فرايد، الذي تنحى عن منصب الرئيس التنفيذي للشركة، وكان قد فقد 94 بالمئة من ثروته خلال يوم واحد، لتهبط من حوالي 15.6 مليار دولار إلى أقل من مليار دولار.

ويشير الرجولة إلى أن الحملة في الولايات المتحدة الآن ستنتهي بوضع توصيف قانوني واضح لما تقوم به منصات العملات الرقمية مثلما حدث في أوروبا منذ العام 2016.

بينما يستبعد أن يكون هناك أسباب سياسية للتضييق على بعض قادة هذه المنصات. ويشدد على أن المنصات الرقمية هي المستقبل المالي، لذلك من الضروري التوصل لقوانين تنظيمية حاكمة لها تمنع التلاعبات التي تسيئ لسمعة التشفير والعملات الرقمية، على حد قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى