مختارات اقتصادية

النفايات البلاستيكية .. شبح يطارد العالم ويهدد موارده

أصبح البلاستيك موجودًا في حياتنا اليومية بكثافة بفضل ملاءمته وأسعاره المنخفضة، لكن هذا يأتي بتكلفة تتزايد يوميا وتهدد صحة الإنسان وموارد العالم.

 

ويتسبب سوء الإدارة للموارد في خلق واحدة من أكبر المشكلات البيئية في العالم، إذ يتم التخلص من ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية كل عام ويشق معظمها طريقه إلى المحيطات ما يضر بالحياة البرية والنظم البيئية.

 

وعلى الرغم من جهود إعادة التدوير، فإن تقديرات تشير إلى أن 91% من إجمالي البلاستيك لا يعاد تدويره. وتكشف إحصاءات عن أن العالم ينتج 400 مليون طن سنويا من النفايات البلاستيكية وهو ما يعادل ثلثي الكتلة البشرية الإجمالية. وينتهي 60% من ذلك الإنتاج في بيئتنا الطبيعية أو مكبات النفايات.

 

ودون وجود إجراءات ملزمة من المتوقع أن تتضاعف النفايات البلاستيكية ثلاث مرات تقريبا بحلول عام 2060، مع انتهاء نصفها تقريبا في مكب النفايات وأقل من الخُمس في ماكينات إعادة التدوير وفقا لتقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 2022.

 

الولايات المتحدة أكبر الملوثين

 

 

وليس خفيا أن الولايات المتحدة وهي أكبر اقتصاد في العالم تعد المساهم الرئيسي في التلوث البلاستيكي العالمي، إذ تنتج 42 مليون طن متري من البلاستيك كل عام، أي ما يعادل 130 كيلوجراما للفرد، وفقا لتقرير صادر عن الكونجرس في عام 2021.

 

والولايات المتحدة أكبر المساهمين في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المحرك الرئيسي للتغير المناخي.

 

وبالمقارنة، فإن إنتاج الولايات المتحدة من البلاستيك يبلغ ضعف ما تنتجه الصين وأكثر من إنتاج جميع دول الاتحاد الأوروبي. ويجد ما يتراوح بين 1.13 و2.24 مليون طن متري من ذلك الإنتاج طريقه إلى المحيطات والبيئة كل عام.

 

الطريق إلى المحيط

 

 

على الرغم من أن التخلص من البلاستيك يتم على سطح الأرض، فإنه عندما يتم إلقاء تلك النفايات في المكبات أو التخلص منها بشكل غير مسؤول، فإنها تتسرب بكميات كبيرة إلى البيئات الطبيعية وينتهي الأمر بما لا يقل عن ثمانية ملايين طن من البلاستيك في مياه المحيطات كل عام.

 

وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 40% من سطح المحيط مغطى بالنفايات البلاستيكية. وإذا استمر استهلاكنا للبلاستيك على هذا النحو وسلوكنا حيال التعامل معه دون تغيير، يحذر العلماء من أنه سيكون هناك بلاستيك أكثر من الأسماك في المحيطات بحلول عام 2030.

 

وبخلاف النفايات المكونة من الزجاجات البلاستيكية والحاويات الفارغة وحتى أقنعة الوجه، تتلقى المحيطات كل عام بين 500 ألف كيلوجرام وطن كامل من بقايا معدات الصيد وهي المعدات التي إما فقدها الصيادون أو تخلوا عنها.

 

وهذه المعدات إما تتخلص منها قوارب الصيد أو تنجرف بعيدا عن السفن والشواطئ. ونتيجة لذلك، يموت ما لا يقل عن 100 ألف حيوان بحري جراء الوقوع في شباك تلك المعدات إما من الاختناق أو الحصار.

 

تبتلع العديد من الحيوانات البحرية عن طريق الخطأ نفايات بلاستيكية أو جزيئات بلاستيك دقيقة، حيث تتحلل النفايات البلاستيكية الأكبر حجما إلى جزيئات أصغر غير مرئية للعين البشرية. وبينما ينتقل هذا البلاستيك عبر السلسلة الغذائية فمن المحتم أن ينتهي الأمر بالبشر بتناول بعض البلاستيك ضمن طعامهم.

 

ووفقا لبيانات صادرة عن رويترز في 2019، يتناول البشر حوالي خمسة جرامات من البلاستيك كل أسبوع. وعلى مدار عام كامل، تصل كمية البلاستيك التي نتناولها دون قصد في طعامنا إلى طبق كامل. في غضون 10 سنوات، نكون قد أكلنا خمسة أرطال من البلاستيك وعلى مدى العمر 44 رطلا.

 

لسوء الحظ فإن التلوث البلاستيكي أكثر من مجرد نفايات يتم التخلص منها وتترك لتتحلل في البيئة. إذ يساهم إنتاج البلاستيك فحسب في تلوث الهواء والاحتباس الحراري. وفي الولايات المتحدة، يعد إنتاج البلاستيك مسؤولا عن انبعاث 232 مليون طن متري من غازات الاحتباس الحراري كل عام وهو ما يعادل 116.5 جيجاواط من إنتاج الكهرباء للمحطات العاملة بالفحم. لكن المساهمة بالانبعاثات من جانب الصناعات البلاستيكية ستتفوق على محطات الفحم في البلاد بحلول عام 2030.

 

لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إن إنتاج عبوات بلاستيكية للأطعمة وزجاجات للمشروبات يتطلب تكسير الغازات من الأرض ونقلها ومعالجتها صناعيا وهي العمليات التي تساهم بملايين الأطنان من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخاصة غاز الميثان والذي يعتبر أقوى 25 مرة من حيث الضرر من غاز ثاني أكسيد الكربون.

 

أدت جائحة كورونا إلى تزايد النفايات البلاستيكية بشكل كبير. إذ إنه في خضم الجائحة، باتت أقنعة الوجه ذات الاستخدام الواحد ومعدات الحماية الشخصية التي تستخدمها الطواقم الطبية والزجاجات البلاستيكية للمطهرات من الاحتياجات اليومية الأساسية.

 

وأدت عمليات الإغلاق وتدابير السلامة إلى تزايد في استهلاك علب الوجبات الجاهزة. وأدت الزيادة الكبيرة في استخدام البلاستيك إلى إنتاج نفايات بنحو 8.4 مليون طن من 193 دولة منذ بداية الوباء، تسرب منها 25900 طن، أي ما يعادل حجم أكثر من 2000 حافلة ذات طابقين، إلى المحيط.

 

الطريق صوب معاهدة دولية

 

 

لكن ثمة أمل في مواجهة التلوث إذ اتفقت نحو 170 دولة في بداية الشهر الجاري على وضع مسودة أولية بحلول نوفمبر لما يمكن أن تصبح أول معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي بحلول نهاية العام المقبل.

 

وستكون المعاهدة ملزمة قانونا لكل الدول على الرغم من تواصل النقاش بشأن ما إذا كان يتعين على البلدان أن تضع خططا وطنية لمكافحة النفايات أو تحديد أهداف عالمية لمعالجة المشكلة.

 

لكن ثمة جدلا بشأن الحلول والتي على رأسها استراتيجيات إعادة التدوير وما إذا كان ينبغي اعتبار إعادة التدوير الحل الأمثل لمشكلة النفايات.

 

وتقول جماعات معنية بالبيئة على رأسها منظمة السلام الأخضر إن عمليات إعادة تدوير البلاستيك يمكن أن تطلق العديد من المواد الكيماوية بما في ذلك البنزين في البيئة.

 

وتقول مجموعات أخرى إن اعتماد حلول إدارة النفايات تمثل امتيازا لصناعة البلاستيك والبتروكيماويات العالمية. وتقول “تيريز كارلسون” المستشارة العلمية بالشبكة الدولية للقضاء على الملوثات إن الحلول الحقيقية لأزمة البلاستيك ستتطلب ضوابط عالمية على المواد الكيماوية في البلاستيك وتخفيضات كبيرة في إنتاج البلاستيك.

 

خارطة طريق

 

 

وكشف برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن خارطة طريق مدتها 17 عاما للتخلص من التلوث الناشئ عن المخلفات البلاستيكية. ووفق تلك الخارطة فإنه يمكن خفض التلوث البلاستيكي بنسبة 80% بحلول عام 2040.

 

يعتمد هذا الهدف الطموح على تغييرات رئيسية في السياسات وتطبيق التقنيات الحالية في الطريقة التي يتم بها إنتاج البلاستيك واستخدامه والتخلص منه.

 

لتقليل حجم المشكلة يقترح تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة القضاء على المواد البلاستيكية غير الضرورية والتي تشكل تحديا في إعادة تدويرها.

 

تحولات

 

ويركز التقرير على ثلاثة تحولات رئيسية مطلوبة في السوق لإنشاء اقتصاد “دائري” يحافظ على تداول العناصر المنتجة لأطول فترة ممكنة وهي إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وإعادة توجيه صناعة التعبئة من البلاستيك إلى المواد البديلة.

 

ويقدر برنامج الأمم المتحدة أن الترويج الحكومي لخيارات إعادة الاستخدام مثل أنظمة الزجاجات القابلة لإعادة التعبئة أو الموزعات السائبة أو برامج رد المبالغ المدفوعة مقدما مقابل إعادة زجاجات المشروبات وبرامج استرجاع العبوات يمكن أن يقلل من التلوث البلاستيكي بنسبة 30% بحلول عام 2040.

 

ويشجع البرنامج الحكومات على أن تجعل تلك الأساليب أكثر جاذبية للشركات ما قد يجعل نموذج متاجر إعادة التعبئة أكثر شيوعا.

 

وتنفذ العديد من الدول الأوروبية بالفعل أنظمة رد المبالغ المدفوعة مقدما والتي تسمح للمستهلكين باسترداد الأموال عند إرجاع الزجاجات البلاستيكية لإعادة تدويرها.

 

وأعلنت المملكة المتحدة مؤخرا أنها ستطبق أحد هذه الأنظمة بحلول عام 2025.

 

كما يمكن الحد من التلوث بالمواد البلاستيكية بنسبة 20% إضافية بحلول 2040 إذا أصبحت عملية إعادة التدوير مشروعا أكثر استقرارا وربحا. كما أن إلغاء دعم الوقود الأحفوري وفرض إرشادات للتصميم تجعل المنتجات أكثر قابلية لإعادة التدوير يمكن أن يزيد من حصة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير اقتصاديا من 21 إلى 50 بالمئة.

 

كما يمكن أن يؤدي استبدال الأغلفة البلاستيكية والأكياس والمنتجات الجاهزة بمنتجات مصنوعة من مواد بديلة مثل الورق أو المواد القابلة للاستخدام كالأسمدة إلى انخفاض إضافي بنسبة 17% في التلوث البلاستيكي.

 

لكن بعض نشطاء البيئة وجهوا انتقادات لبرنامج الأمم المتحدة نظرا لترويجه لممارسة حرق النفايات البلاستيكية في قمائن أو محارق الأسمنت وذلك لمعالجة النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها. كان تحقيق أجرته رويترز في 2021 كشف أن بعض أكبر العلامات التجارية الاستهلاكية في العالم مولت مشاريع لإرسال نفاياتها البلاستيكية إلى قمائن الأسمنت.

 

وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه نظرا للجدول الزمني القصير من الآن وحتى عام 2040، ستكون هناك حاجة لاستخدام حلول أقل من مثالية للتعامل مع تلك النفايات على الرغم من أنه ما زالت هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة لتقييم آثار تلك الحلول على زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو الهواء الملوث.

 

عوائد اقتصادية

 

 

يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن التحول إلى الاقتصاد الدائري للبلاستيك سيؤدي إلى توفير نحو 1.27 تريليون دولار مع الأخذ في الاعتبار التكاليف وعائدات إعادة التدوير.

 

ويضيف أن التحول سيؤدي لفوائد غير مباشرة ستبلغ 3.25 تريليون دولار من العوامل الخارجية مثل الصحة والمناخ وتلوث الهواء وتدهور النظام البيئي البحري والتكاليف المتعلقة بالتقاضي.

 

يمكن أن يؤدي أيضا هذا التحول إلى خلق 700 ألف وظيفة بحلول عام 2040 معظمها في البلدان المنخفضة الدخل ما سيحسن بشكل كبير سبل عيش ملايين العمال.

 

ويقترح البرنامج تحميل تكاليف تنفيذ المخططات الدائرية على المنتجين من خلال الرسوم وإعادة توجيه الاستثمار المخصص لإنتاج البلاستيك ومطالبة المنتجين بتمويل عمليات الجمع وإعادة التدوير والتخلص المسؤول من البلاستيك.

 

في الوقت ذاته، يحذر التقرير من أن التأخير لمدة خمس سنوات من العمل الملموس قد يؤدي إلى زيادة قدرها 80 مليون طن من التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040.

 

المصادر: أرقام- رويترز- برنامج الأمم المتحدة للبيئة- يورونيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى