اقتصاد دولي

العودة للفحم .. كيف كشفت «تناقضات» سياسة الطاقة بألمانيا؟

«سنتخلى عن الفحم تماما.. لكن ليس في الوقت الحالي!». هكذا تبدو سياسة ألمانيا «المتناقضة» فيما يتعلق بالتحول إلى الطاقة النظيفة.. فقد قرر أكبر اقتصاد في أوروبا التوسع في استخدام الفحم من أجل ضمان أمن الطاقة في البلاد، عقب انقطاع إمدادات الغاز الروسية التي كانت توفر نحو نصف احتياجاتها من الغاز وذلك على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
وبعد أن كانت ألمانيا دولة رائدة في التخلص من مصادر الطاقة الأحفورية، والحد من انبعاثات الكربون، فإنها تفعل العكس حاليا، حيث يأتي حوالي 31 بالمئة من الكهرباء المولدة في البلاد من الفحم، على الرغم من أنه مصدر الطاقة الأكثر تلويثا، وذلك مقارنة بـ 8 بالمئة فقط في عام 2015. وبحسب ما يقوله مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، فإن السبب الرئيسي لاستخدام الفحم هو سياسة ألمانيا بإغلاق جميع محطات الطاقة النووية، رغم أنها لا تصدر أي انبعاثات كربونية.
ويضيف مركز كوروم، أنه «من المفارقات أن سياسة التخلص المبكر من الطاقة النووية، كانت بدعم من حزب الخضر المناصر للبيئة»، الذي يشارك حاليا في صفقة حكومية تسمح بإعادة تشغيل 27 محطة فحم حتى مارس 2024، والتي كان من المفترض التخلص منها تدريجيا في إطار التوقف تماما عن استخدام الفحم.
وكانت خطة ألمانيا، تهدف إلى التخلص تماما من الطاقة النووية، والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى الاعتماد على محطات الغاز الطبيعي، لتغطية أي نقص في توليد الكهرباء، وذلك ضمن خططها للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2045. غير أن الحكومة الألمانية وجدت نفسها مضطرة في منتصف العام الماضي للجوء إلى محطاتها التي تعمل بالفحم لتوليد الكهرباء، لتفادي أزمة طاقة في الشتاء، وذلك في تحول كبير لمسار هذه الحكومة الائتلافية التي تضم عددا كبيرا من المدافعين عن البيئة.
كما قررت الحكومة الألمانية تأجيل إغلاق آخر 3 مفاعلات نووية لديها إلى منتصف أبريل المقبل، بدلا من نهاية 2022 كما كان مخططا، للتغلب على أزمة نقص الغاز، خاصة أنها تعتبر الأكثر تضررا من انقطاع إمدادات الغاز الروسية الذي كان يشكل نحو نصف احتياجاتها.
تعطل خطط خفض الانبعاثات:- قال مستشار الطاقة الدولي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ «اقتصاد سكاي نيوز عربية»، إن «خطط ألمانيا، والاتحاد الأوروبي، لخفض الانبعاثات الكربونية، قد تعطلت، وربما تتأجل لعدة سنوات، نتيجة العودة لاستخدام الفحم، والذي كان من بين الأسباب التي ساهمت في تفادي أزمة طاقة في الشتاء، إلى جانب الطقس المعتدل، وتقليص الاستهلاك، والتوسع في تأمين منشأت استقبال الغاز المسال». وأضاف أن «الفحم يعود حاليا بزخم قوي في ألمانيا، وأوروبا بشكل أشمل، فهناك خطط للتوسع في إنتاج الفحم وافتتاح مناجم جديدة، وبناء محطات جديدة للكهرباء تعمل بالفحم.. وليس فقط تأجيل إغلاق المحطات القديمة.. فهناك 342 محطة كهرباء تعمل بالفحم في أوروبا كان من المقرر وقفها، لكنها واصلت عملها لتأمين إمدادات الطاقة». وقال الشوبكي: «نستطيع القول إن ألمانيا ضحت بخططها للحياد الكربوني، والتخلص من الانبعاثات، حتى لا تقع في أزمة طاقة بعد توقف إمدادات الغاز الروسية». وأضاف أن التوسع في استخدام الفحم في ألمانيا وأوروبا «يكرس سياسة الكيل بمكيالين لدى الغرب الذي كان يوجه أصابع الاتهام للدول النفطية ويلومها على التسبب في الانبعاثات الكربونية.. في حين أن أوروبا تستخدم حاليا أقذر أنواع الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة وهو الفحم». وقال الشوبكي إن أوروبا تحتاج إلى الطاقة الرخيصة، وهي تقف على المحك حاليا في اختيار وجهتها واستراتيجيتها للطاقة في السنوات القادمة، «إما الرضوخ لطلبات روسيا والعودة للغاز الروسي، أو استخدام الفحم كثيف الانبعاثات الكربونية إلى جانب خططها للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر ومحطات الغاز المسال مرتفع الثمن». وأشار إلى أن الطاقة النووية لا تزال محل معارضة كبيرة في ألمانيا، خاصة من قبل حزب الخضر، «وربما يحتاج إعادة النظر في هذا الأمر مزيدا من الوقت لاستيعابه حسب تطورات أزمة الطاقة».

 

وأضاف الشوبكي، أن ألمانيا، وبدعم أساسي من حزب الخضر، لا تزال حتى الآن تفضل الاعتماد على الفحم، وليس المفاعلات النووية، رغم التوسع الهائل في المحطات النووية في جارتها بأوروبا.

 

«هناك حاليا 22 مفاعل نووي قيد الإنشاء أو مخطط إنشائها في أوروبا في الفترة المقبلة، في دول من بينها بلجيكا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وهنغاريا»، بحسب ما قاله الشوبكي.

 

وقال مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية إنه يتوقع أن تسير ألمانيا على غرار بعض الدول الأوروبية وأيضا اليابان في العودة لاستخدام الطاقة النووية، حتى لا تخاطر بهدم قاعدتها الصناعية القوية التي تحتاج إلى الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى