مختارات اقتصادية

كلاوس شواب .. كيف يفكر مستر دافوس الذي يسعى لتغيير العالم من وراء الكواليس؟

اشتهر كلاوس شواب أستاذ الاقتصاد الألماني ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي بطرح نظريات ورؤى استشرافية للمستقبل عادة ما تكون مثار جدل بالغ. على الرغم من ذلك يعتقد الكثيرون أن الرؤى التي يتبناها شواب ترتبط بالكثير من التغيرات الفعلية التي سيشهدها العالم في المستقبل بسبب علاقات شواب الرفيعة المستوى بكبار المسؤولين التنفيذيين في كبرى الشركات العالمية ودوائر صنع القرار في الغرب والسياسيين الأكثر تأثيراً في العالم والأكاديميين المخضرمين وانعكس ذلك فيما تنتجه مؤسسته من تقارير اقتصادية وأبحاث مهمة.
من هو كلاوس شواب؟:- ولد كلاوس شواب في 30 مارس عام 1938 في مدينة رافنسبورغ الألمانية. درس في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ وجامعة فرايبورغ وجامعة هارفارد. ويحمل دكتوراه في الهندسة الميكانيكية ودكتوراه في الاقتصاد (بامتياز مع مرتبة الشرف). ويحمل شواب الجنسية السويسرية.
أسس المنتدى الاقتصادي العالمي عام 1971 كمؤسسة غير ربحية، وعزز دورها لتصبح منظمة دولية للتعاون بين القطاعين الخاص والعام.
وفي عام 1988 شارك مع زوجته هيلدا في تأسيس مؤسسة شواب للريادة الاجتماعية والتي تدعم الابتكار الاجتماعي في أنحاء العالم.
كما أسس في 2004 المنتدى العالمي للقادة الشباب وهو مجتمع متعدد الأطراف لأصحاب المصالح من القادة الشباب (30-40 عاما) الذين يتشاركون في الالتزام بتشكيل المستقبل العالمي.
وفي عام 2011، أسس (جلوبال شيبرز كومينيتي) أو مجتمع المُشكّلين العالمي وهي شبكة عالمية من المراكز المحلية في المدن في أنحاء العالم تجمع بين الشباب المتميزين في إمكانياتهم وإنجازاتهم ودوافعهم للمساهمة في مجتمعاتهم.
عمل في الفترة من 1971 إلى 2003 أستاذا لسياسة الأعمال في جامعة جنيف. تشمل مساهماته الأكاديمية أول منشور يشرح نظرية أصحاب المصالح في عام 1971 ونهجا جديدا للقدرة التنافسية العالمية في 1979.
حول شواب المنتدى الاقتصادي العالمي من مؤسسة يبلغ رأسمالها 6000 دولار في عام 1971 إلى مؤسسة ذائعة الصيت عالميا بنشاط قيمته 390 مليون دولار سنويا يضم 800 موظف لكي تصبح مركزا رئيسيا لصناعة الأفكار العالمية. واليوم يجذب الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي أكبر عدد من المليارديرات والمسؤولين التنفيذيين للشركات أكثر من أي حدث آخر على وجه الأرض كما يجذب القادة السياسيين أكثر من أي تجمع آخر بخلاف الجمعية العامة للأمم المتحدة. الذكاء الاصطناعي والهيمنة:- في القمة العالمية للحكومات في دبي، قال شواب إن من يحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعي سيهيمن العالم. وأضاف أنه يجب على الحكومات في أجزاء مختلفة من العالم أن تلعب دورا رائدا في مواكبة التغييرات، فقبل بضع سنوات كنا نعتبر بعض التقنيات خيالا علميا يصعب تنفيذه، لكن اليوم أصبح حقيقة أننا نعيش خلال الذكاء الاصطناعي القادم وتكنولوجيا الفضاء الجديدة والبيولوجيا الصناعية مما ينذر بتغيير قادم كبير خلال السنوات العشر القادمة.
يتبنى شواب نظرة اجتماعية لاقتصاد الشركات، إذ يرى أنه لا مجال للاختيار بين أصحاب المصلحة والمساهمين في الاقتصاد، ويتبنى رؤية مفادها أن الشركة ليست مجرد وحدة اقتصادية إنها هي كائن اجتماعي يجب أن يلعب دورا داخل المجتمع. ويقول شواب «يتوقع الجيل الحالي من الشركات ألا تخدم المساهمين فحسب، بل أن تراعي الناس والكوكب. الشركة التي ستضع ذلك في الاعتبار سيكون لديها مواهب أفضل بكثير في المستقبل وستتمتع بجاذبية أكبر لدى عملائها».
وحول قرارات الشركات بإلغاء آلاف الوظائف بسبب الانكماش الاقتصادي، قال شواب «حين يتخذ الرئيس التنفيذي لشركة ما قرارا، فإنه يتحتم عليه تقديم تنازلات. في وقت محدد، قد يتحول التوازن أكثر إلى المدى القصير، وهو التأكيد مثلا على ربحية الشركة. وفي أحيان أخرى قد يتحول أكثر إلى المدى الطويل.
لسنا في أزمة:- يرى شواب أيضا أن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم ليست أزمة بالمعنى المعتاد وإنما هي مرحلة تحول كامل للنظام العالمي. ويقول شواب إن العالم يشهد إعادة هيكلة للاقتصاد العالمي وهي فترة تتسم بتراجع القوة الشرائية للمواطنين في ظل ارتفاع التكاليف، مشددا على أنه لا ينبغي النظر إلى الاقتصاد العالمي بعقلية الأزمة والنهج القصير المدى وإنما يجب أن تتم إدارة فترة التحول هذه بشكل استراتيجي مشيرا إلى أن تلك الفترة قد تستمر ثلاث أو أربع أو خمس سنوات لافتا إلى أنها ستكون مؤلمة على الصعيد الاجتماعي. ويرى شواب أن القوى التي تقف وراء ذلك التحول تكمن في الحرب في أوكرانيا، وحتى إذا تم التوصل إلى تسوية لتلك الحرب، فسيكون هناك إعادة الإعمار. كما أن لدينا إعادة تشكيل لسلاسل التوريد العالمية، وتأثيرات ما بعد كوفيد، والتي يقول البعض إنها تتمثل في تراجع الإنتاجية وبالطبع الحاجة إلى زيادة الاستثمار في المرونة. يقول شواب إنه متفائل جدا بشأن تحول الطاقة لتوفير الوصول إلى طاقة وكهرباء أرخص سعرا، لكن على المدى القصير فإن ذلك يعني الحاجة إلى استثمارات. إذا نظرت إلى الحرب فهذا يعني وجود تكاليف أيضا. إذا نظرت إلى نقل سلاسل التوريد فهذا أيضا يعني تحمل تكاليف، لأنك لم تعد تشتري من أكثر المصادر فعالية وأقل سعرا، أنت تشتري من أكثر المصادر موثوقية. إذا أخذت كل هذه العوامل معا، يقول شواب إن ذلك يعادل على الأرجح 1% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. عالم متعدد القوى:- يرى شواب على الجانب السياسي أننا متجهون صوب عالم متعدد القوى.
يقول شواب بالطبع لديك قوتان عظمتان، لكن بعد ذلك لديك قوة عظمى ناشئة مثل الهند، هناك تكتل مثل أوروبا، والتي في رأيي أصبحت أقوى على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في السنوات الثلاث الماضية، كما لا ينبغي أن نقلل من شأن الدول الآسيوية الأخرى
ويضيف «ثم لديك ما يمكن أن أصفه بالسمكة السريعة، الدول الصغيرة التي تتحرك بسرعة وتكون نموذجا يحتذى لدول أخرى مثل سنغافورة. ثم لديك قوى الشركات التي تلعب دورا جوهريا وأود أن أضيف المجتمعات الاجتماعية، سيكون عالما معقدا للغاية وفوضويا.
من أشد المعجبين بالتقنيات الجديدة:- على الرغم من تراجع العملات المشفرة عالميا، وانهيار «إف.تي.إكس» للوساطة في العملات المشفرة، يقول شواب إنه من أشد المعجبين بالتقنيات الجديدة، لكن الحقيقة أن التطور التكنولوجي معقد للغاية وسريع جدا، مما يجعل من الصعب جدا على المؤسسات السياسية أحيانا استيعاب أهمية تطور جديد معين بل ويصعب إنشاء الحدود اللازمة لها. يقول شواب «لذا فإن ما يحدث لا يدهشني. ستبقى العملات المشفرة. لكن علينا التأكد من أن العملات المشفرة مدمجة في أنظمتنا التقليدية أو على الأقل متوافقة معها».
الثورة الصناعية الرابعة:- طرح شواب في عام 2016 كتابه «الثورة الصناعية الرابعة» الذي حوى عددا من أهم آرائه بشأن مستقبل العالم.
وقال شواب إننا على شفا ثورة صناعية رابعة، إذ نقلتنا الثورة الأولى من القوة العضلية إلى القوة الميكانيكية بين 1760 و1840، حيث أسفرت عن طاقة البخار أما الثانية فتمخضت عن خطوط التجميع أو الإنتاج الضخم في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين. أما الثالثة فتمثلت في التحول الرقمي حيث قدمت لنا أجهزة الكمبيوتر المركزية والإنترنت في التسعينيات، أما الثورة الرابعة فهي وفقا لشواب مبنية على الثورة الثالثة لكنها أوسع بكثير وأكثر أهمية. إذ أصبحت الآلات ذكية ومتصلة مع بعضها وتساهم في اندماج ديناميكي للتقنيات من الناحية المادية والرقمية والبيولوجية وستؤدي إلى تغيير «مختلف عن أي شيء شهدته البشرية».

يقول شواب إن الثورة الصناعية الرابعة قوامها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات والمركبات ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد وتعديل الجينوم البشري، والواقع المعزز وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وعلوم المواد وتخزين الطاقة والحوسبة الكمية.

يرى شواب أننا لسنا بصدد تكنولوجيا فردية، بل نحن أمام تغيير شامل يتسم بتقليل دور العمال. فقد حققت أكبر ثلاث شركات في وادي السيليكون بالولايات المتحدة وهي فيسبوك وألفابت وأبل في عام 2014 نفس الإيرادات التي حققتها أكبر ثلاث شركات لصناعة السيارات في ديترويت في عام 1990، وثلاثة أضعاف القيمة السوقية، لكن بعدد عمال يقل بواقع 90 بالمائة. وسيترتب على ذلك نمو اقتصادي هائل. يرد شواب على الانتقادات بأن تلك الرؤية لم تتحقق بأن مردود تلك الثورة لم يأت بعد.

يناقش شواب في كتابه ما إذا كانت تلك الثورة ستطلق العنان للازدهار الجديد وتعطي العمال وظائف جديدة منتجة أم ستنشأ عنها بطالة جماعية. ويرى شواب أن النظرية تظهر أن النتيجة من المرجح أن تكون مكان ما في الوسط والمفتاح سيكون تعزيز النتائج الإيجابية ومساعدة أولئك ممن سيكونون في موقع وسط بين النتيجتين.

على سبيل المثال يطرح شواب تساؤلا بشأن ما إذا كان الاقتصاد حسب الطلب، مثل أوبر، ومرونة الاقتصاد الرقمي العالمي وحركته ستؤدي إلى تمكين الناس أم إطلاق سباق صوب القاع؟ بالنسبة لشواب فإن التحدي الذي نواجهه هو الخروج بأشكال جديدة من العقود الاجتماعية والتوظيفية.. إذ يحد ذلك من الجانب السلبي بينما لا يحد من نمو سوق العمل ولا يمنع الناس من العمل بالطريقة التي يختارونها.

يرى شواب أن الثورة الصناعية الرابعة مثل كل الثورات التي سبقتها قادرة على رفع مستويات الدخل العالمي وتحسين نوعية حياة السكان في جميع أنحاء العالم. حتى الآن، فإن أولئك الذين استفادوا منها هم مستهلكون قادرون على تحمل تكاليف العالم الرقمي والوصول إليه، جعلت التكنولوجيا منتجات وخدمات جديدة ممكنة تزيد من كفاءة ومتعة حياتنا الشخصية كطلب سيارة أجرة أو حجز رحلة أو شراء منتج أو سداد مدفوعات أو الاستماع إلى الموسيقى أو مشاهدة فيلم أو ممارسة لعبة، يمكن الآن القيام بأي من هذه الأشياء عن بعد.

يرى شواب أنه في المستقبل، سيؤدي الابتكار التكنولوجي ما يشبه المعجزة على جانب العرض، مع مكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية، ستنخفض تكاليف النقل والاتصالات، وستصبح سلاسل التوريد واللوجيستيات العالمية أكثر كفاءة، وستقل تكلفة التجارة وكل ذلك سيفتح أسواقا جديدة ويدفع النمو الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى