أخبار عاجلةاقتصاد دولي

من يقف وراء نهب وتهريب أموال العراق؟

تأسست المصارف الخاصة في العراق لتكون داعماً أساسياً لعملية التنمية الاقتصادية، لكن ما حدث هو العكس تماماً، بحيث أصبحت هذه المصارف عامل هدم للتنمية وأضحى الفساد أحد المشكلات التي يعانيها النظام المصرفي في بلاد الرافدين، فضلاً عن تدني مستوى الخدمات التي تقدمها هذه المصارف إلى العملاء.

يفسر المتخصص في الاقتصاد ضياء المحسن ذلك قائلاً “منحت هذه المصارف مئات الملايين من الدولارات لتمويل مشاريع، وفي حقيقة الأمر ذهبت هذه الأموال إلى جيوب الفاسدين لأن معظم هذه المشاريع لم يكن لها أساس على أرض الواقع بل كانت مشاريع وهمية”.

وأوضح أن “المصارف الخاصة واجهة للأحزاب السياسية وتغطية على الفساد، وما عملية بيع العملة الأجنبية من نافذة البنك المركزي العراقي والجارية بتعاون حتمي مع هذه المصارف إلا واحدة من هذه المظاهر”.

من يحمي الأموال المهربة؟

يشرح المحسن أن ما أطلق عليه “سرقة القرن” خير مثال على فساد المصارف، إذ بلغت قيمة المبلغ المسروق أكثر من مليارين و500 مليون دولار واشتركت المصارف الحكومية والخاصة في تهريبه خارج العراق، فضلاً عن عمليات غسل الأموال التي انغمست فيها هذه المصارف، الأمر الذي دعا ممثل وزارة الخزانة الأميركية إلى تحذير 14 مصرفاً تجارياً بضرورة تحسين أوضاعها المالية ومراقبة عمليات التحويل التي تقوم بها لمصلحة العملاء.

واقترح حلاً للمشكلة قائلاً “مطلوب إعادة العمل بدائرة التحويل الخارجي التابعة للبنك المركزي العراقي وإشعار المصارف المراسلة (التي سبق لدائرة التحويل الخارجي التعامل معها) لكي تعاود العمل مرة ثانية بشرط إلزام المستوردين حصر معاملاتهم التجارية بالبنك المركزي العراقي وإلا لن يسمح لهم بتحويل أية مبالغ بالعملة الأجنبية إلى الخارج”.

ويعلق الاقتصادي باسم أنطوان على القضية قائلاً “استشرى الفساد المالي والمصرفي في العراق في الآونة الأخيرة بشكل خاص نتيجة ضعف متابعة الأجهزة الرقابية، حيث وجد مثوى في بعض الدول التي ترجو أن يتعاظم تهريب الأموال إليها لتشرع بعمليات التبييض، وفقاً للتقارير الواردة من هيئة النزاهة العراقية، وهي أموال ليس من السهل السيطرة عليها بسبب ضعف إمكانات الأجهزة الرقابية لناحية متابعة وجهتها، فضلاً عن تبني بعض السياسيين لمهربي الأموال الفاسدين وحمايتهم، والأهم من كل ذلك تخوف الأجهزة الرقابية من ملاحقة الأحزاب والشخصيات المستفيدة”.

يضيف، “استعانت هذه المافيات بوسائل تصعب ملاحقتها لأنها لا تتعامل مع الدوائر الرسمية أو المصارف الحكومية بشكل مباشر، بل تستعين ببعض المصارف التي ورد أنها أربعة مهمة تعمد إلى التعامل بالسيولة النقدية، ويساعدها في ذلك مزاد العملة غير المسيطر عليه من الجهات المسؤولة”. ويشير إلى أن “هناك بيوتا وخزائن مليئة بالعملة العراقية (الكاش) الذي يشكل ثلاثة أرباع المطبوع خارج النظام المصرفي، وتصعب السيطرة عليه سواء كان بالعملة العراقية أو بالدولار، علماً بأن الدولار تسيطر على كميته الخزانة الأميركية لا العراق”.

وألمح أنطوان إلى أنه من وقت لآخر تتم مداهمة أوكار هؤلاء وتتخذ بحقهم العقوبات، وجرى الإعلان عن فضائح كبيرة كشف عنها رئيس الوزراء، لكن هناك عدداً غير قليل منهم مدعومون من كتل وأحزاب سياسية، واختتم “نحن بحاجة إلى تعاون المواطنين وتوقف التسهيلات المقدمة من قبل الدول المهرب إليها الأموال، كما لا بد من وجود أجهزة كفوءة ونزيهة تحد من ذلك التهريب المنظم، فالفساد إرهاب اقتصادي كبير”.

مناصب لعديمي الخبرة

النائب باسم خشان يقول إن تولي شخص غير متخصص في المال رئاسة البنك المركزي كان بسبب المحاصصة، أما بالنسبة إلى مصرفي “الرشيد” و”الرافدين”، فقدمت بحقهما كثير من الشكاوى حتى قبل جرائم السرقات الأخيرة، لكن من دون جدوى أو اتخاذ أي إجراء بحقهما. ومحاسبة المتورطين بمخالفات إدارية ومخالفات مالية، جسيمة كانت أو بسيطة، لم تتحقق بسبب عدم جدية التحقيقات في قضايا الفساد.

ويكشف خشان أن “حالات تهريب الأموال كثيرة وتأخذ عدة أنماط بينها ما هو على شكل ودائع أو ممتلكات وعقارات في بعض الدول”، ويطالب بضرورة إعادة تشكيل الهيئات الرقابية كالتغيير الذي أجري في هيئة النزاهة حين تولى القاضي حيدر حنون رئاسة الهيئة متوعداً الفاسدين ومن يقف وراءهم في لقاء مع الصحافة، ويقول “نحتاج إلى تطوير الإجراءات التحقيقية في الهيئة ومحاكم النزاهة لمحاسبة جميع المتورطين في كل الجرائم، لا أن تنسب الجريمة لشخص واحد، بينما يبلغ عدد المتورطين فيها عشرات الأشخاص”، مبدياً عدم تفاؤله بهذه الحكومة بسبب ما وصفه بإجراءاتها السطحية في المعالجة مؤكداً أنها “لم تحقق شيئاً سواء على صعيد سياسة الدولة الاقتصادية أو مكافحة الفساد والأشهر الماضية كانت مخيبة للآمال”.

عملة على ورق جرائد

يعدد رئيس هيئة النزاهة السابق موسى فرج الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة التي ظهرت بعد 2003 قائلاً “أولها ظروف الفساد والفوضى، وثانيها استحداث المصارف الأهلية التي وصفناها بأنها دكاكين للفساد وتهريب العملة، والعامل الأبرز والمؤسف هو الدور الذي مارسته الحكومة بإقصاء مصرفي دولي هو سنان الشبيبي واستبداله بشخصيات تجرأت على إدراج اسمها على العملة النقدية العراقية في سابقة لم يشهدها البلد، فضلاً عن الدخول في ملف مزاد العملة الأمر الذي تسبب، بحسب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في فقدان 300 مليار دولار من خزانة العراق بين تهريب وغسل أموال”.

ويضيف “لا يخفى على أحد ما حصل من تخادم بين المصارف الحكومية والأهلية بفعل تدخل السياسيين في قرارات الحكومة وهيمنتهم على المصارف الحكومية التي أصبحت قناة لسرقة الأموال وتسليمها إلى الفاسدين ومصارفهم”.

أما عن جذور هذا التدهور، فيذكر فرج “بدأت منذ انطلاق الحرب العراقية- الإيرانية ومرحلة الحصار التي شهدت طبع العملة على ورق الجرائد، وتداول تصريح لمحافظ البنك المركزي عصام ملا حويش يقول فيه (ما حاجتنا لاحتياطي العملة أصلاً فالقائد صدام هو السند المتين للدينار العراقي)”.

من جانبه يستبعد مستشار البنك المركزي العراقي إحسان شمران الياسري ربط الفساد المالي والمصرفي في العراق ببعض الدول، فالفساد غالباً ما يكون عابراً للحدود، بحيث يولد في دولة لينشئ قيماً وأموالاً وممارسات ثم يرحل إلى أخرى بتمرير المال الفاسد وهذا أمر معهود على جرائم الأموال. وأضاف، “الفساد في القطاع المصرفي موجود للأسف مثل أي قطاع، لكن البنك المركزي الآن ينهض بعبء مكافحته من خلال رقابة حثيثة، وهو بحاجة إلى تضافر جهود جميع الجهات المعنية ليستطيع أداء مهمته”.

لدى العراق مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو مؤسسة مهمة تتابع وتتحرى ممارسات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكن بقاء الفساد وشرعنته وتغول الفاسدين في مؤسسات حساسة بالدولة مؤشرات إلى ضعف إنفاذ القانون، بحسب الياسري الذي يفسر كيفية الاستحواذ على الأمانات الضريبية والمبالغ الكبيرة قائلاً “في الحقيقة لا يمكن أن تتم هذه العملية من دون اكتمال حلقات إدارتها بين (وحدة الأمانات الضريبية) الموجودة في كل منفذ جمركي. وهي الحلقة الأولى التي تسوق المعلومات وتسلم وتنجز الاستمارات لأصحاب الأمانات، ومن ثم ترسلها إلى الهيئة العامة للضرائب (القسم المالي)، وأفترض أن يكون هناك موظفون متورطون يسهمون في عملية اختلاس هذه الأموال عن طريق التعريف أو إعطاء معلومات للمستحوذين على هذه الأمانات، وهذه هي الحلقة الثانية”.

يتابع “أما الحلقة الثالثة، فهي المصرف الذي تقع عليه مسؤولية التحسس من كثافة السحب النقدي للأموال المختلسة وأن كل العمليات سحبت نقداً بطريقة مستعجلة. وكان يفترض بإدارة مصرف الرافدين أن تتحسس من فروعها لأن كثافة السحب يجب أن تثير انتباه البنك”.

ويكمل الياسري “إمن لديه أمانات بمبالغ كبيرة الأجدر به عدم سحبها، بل تحويلها من حساب دائرة الضريبة إما بصك أو بأمر دفع نقدي وتودع في حسابه المصرفي، بالتالي من غير المعقول لأحدهم أن يسحب أمانات ضريبية بمئات المليارات ما لم يكن متعجلاً في عملية السحب لغرض تهريب الأموال”.

خطيئة كبرى وحلقات روتينية

يذكر الياسري أن “سرقة القرن عبرت فوق أكتاف الجهاز الرقابي”. ويشير إلى أن “نائباً طلب الاكتفاء بتدقيق دائرة الضريبة ومنع ديوان الرقابة المالية من التدقيق، بهدف تسهيل تسديد الأمانات الضريبية للمستحقين. وهذه خطيئة كبرى ارتكبها مروج هذا القرار، ويقع الخطأ الأكبر على ديوان الرقابة المالية الذي استجاب لأمر المنع حين كان لزاماً عليه أن يرفضه”.

ويبرر الياسري “عرف ديوان الرقابة المالية العراقي بمتابعته وتدقيقه الجاد، لكن رفع يده عن عملية التدقيق هذه جعلته يكشف عن العملية متأخراً، وقد تمت عملية الاختلاس الكبيرة من خلال القطاع المصرفي الحكومي الذي أعتقد أنه بمنأى عن رقابة البنك المركزي، لولا الضغوط الكبيرة التي بذلتها إدارة البنك مع إدارات المصارف ووزارة المالية، وكان آخرها التعاون المثمر بين محافظ البنك المركزي ووزير المالية الأسبق علي علاوي الذي تدخل بشكل إيجابي وتفاعل مع تقارير البنك المركزي وعقد على أساسها اجتماعات طارئة بين قيادات وكوادر البنك مع المصارف الأخرى لمناقشة التقارير”.

يوضح أن “البنك المركزي بذل منذ أعوام جهوداً كبيرة من أجل إصلاح القطاع المصرفي والنهوض بأدائه. لدينا مصارف واعدة تبشر بخير وبعضها قيد الإصلاح والتقويم. كما أن لدينا مصارف يصعب إصلاحها ولا ترجى منها فائدة، واتخذ البنك المركزي إجراءاته معها إما بإدارته لها أو بوضعها تحت الوصاية أو تصفيتها في حال عدم حدوث تغير في أدائها”.

من جانبه، يؤكد رئيس مؤسسة “النهرين” للشفافية ومكافحة الفساد محمد الربيعي أن متابعة الحكومة العراقية للأموال المنهوبة تستنفد دورة كاملة وتدور في حلقات روتينية بين جهات عدة وتستغرق فترة زمنية طويلة، ويقترح أن تشكل الحكومة العراقية وحدة الاستخبارات المالية، وعبرها تتم ملاحقة الأشخاص وحجز الأموال واستردادها خلال زمن قياسي، علماً أنه توجد دوائر عدة لاسترداد الأموال في هيئات مستقلة ووزارات مثل دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة الاتحادية ووزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى