اقتصاد دولي

صناعة النفط بحاجة لمزيد من الاستثمارات فماذا تنتظر الأسواق؟

يظل العالم في حاجة ماسة إلى مزيد من النفط لضمان عقود قادمة من النمو، بحسب ما يرى أمين عام منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) هيثم الغيص، لكن الغيص لم يخف في لقاء مع «غلوبال كوموديتيز إنسايت» التابعة لمؤسسة «ستاندرد أند بورز» هذا الأسبوع، اندهاشه من دعوات خفض الاستثمار في إنتاج وتكرير النفط، في وقت يرى، أن العالم فيه أكثر احتياجاً لكل مصادر الطاقة.
يلفت هيثم الغيص، إلى أن صناعة النفط بحاجة إلى استثمارات ضخمة، بخاصة في مجال التكرير والنقل، لتتمكن من تلبية الزيادة في الطلب عالمي على الطاقة والحيلولة دون اضطراب السوق، محذراً من «التصريحات غير الواقعية والتقارير والبيانات التي لا تعتمد على المعلومات والأرقام الحقيقية». يعود هيثم الغيص في حديثه، إلى انفتاح «أوبك» على الحوار البناء بين المنتجين والمستهلكين بهدف ضمان استقرار أسواق الطاقة بما يفيد الجميع والاقتصاد العالمي ككل ويضمن التنمية المستدامة، وشرح كيف أن تحالف «أوبك» مع عدد من الشركاء المنتجين والمصدرين، في مقدمهم روسيا، أثبت منذ ست سنوات وبالتجربة العملية أهميته لاستقرار أسواق النفط العالمية، متوقعاً استمرار هذا التعاون لسنوات مقبلة.
تحدث هيثم الغيص أيضاً عن التغيير في أنماط تجارة النفط واتجاهات التصدير بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا. وأشار إلى أن المضاربات زادت في سوق عقود النفط الآجلة ما يؤدي إلى تقلبات السوق، وعدد العوامل التي تؤثر في الاقتصاد العالمي ككل، والتي لا علاقة لها بأساسات سوق الطاقة، مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وأزمة انهيار البنوك في الولايات المتحدة.
تناقضات وكالة الطاقة
يشير هيثم الغيص إلى الجدل المثار في شأن التقارير والتصريحات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول الصناعية المستهلكة للنفط في الغرب، كما يقول، موضحاً أن شعار «أوبك» الذي تلتزم به هو الحوار مع كل أصحاب المصلحة في سوق الطاقة العالمية من منتجين ومستهلكين ومعنيين، لكن في الوقت نفسه على المنظمة أن ترد على «الخطابات غير الواقعية» و»الانتقادات الضارة» بحسب ما يشدد، مطالباً بأن تكون الرسائل معتمدة على الحقائق وتعكس الواقع الفعلي لسوق الطاقة، فلا تضر بالأسواق وتثير مزيداً من الاضطراب والخلل.
البيانات والمعلومات الفعلية تشير إلى حاجة العالم إلى مزيد من النفط لضمان نمو الاقتصاد العالمي لعقود مقبلة، كما يقول هيثم الغيص، الأمر الذي يجعله هو شخصياً مندهشاً من دعوات خفض الاستثمار في إنتاج وتكرير النفط، وكرر أمين عام «أوبك» ما دأب على الإشارة إليه من نقص الاستثمار في قطاع الطاقة وتبعات ذلك على النمو الاقتصادي وضمان التنمية المستدامة، فتراجع الاستثمار، من منظوره، يؤدي إلى اضطراب السوق وتهديد أمن الطاقة العالمي.
الحاجة إلى الاستثمارات
ويوضح هيثم الغيص، أن الأزمة الحقيقية نتيجة عدم الاستثمار في مجال التكرير والمشتقات، بخاصة في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. ويضيف «آخر مصفاة أضيفت للقطاع بسعة إنتاج معقولة في الولايات المتحدة كانت مصفاة شركة ماراثون في لويزيانا، التي بدأت عام 1977. وخلال عامي 2020 و2021 توقف إنتاج ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً من المشتقات، أغلبها في دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. وأدى ذلك إلى أن أصبح المعروض من الديزل والبنزين أقل من متوسط خمسة أعوام حتى الآن».
بحسب تقديرات «أوبك» في أحدث تقاريرها، فإن قطاع التكرير والنقل بحاجة إلى استثمارات بنحو 1.6 تريليون دولار على الأقل لمنع أي اختناقات في أسواق الطاقة في السنوات المقبلة.
عودة إلى مستقبل أسواق النفط
يؤكد الأمين العام إلى أن دول «أوبك» من أكثر الدول استثماراً في صناعة الطاقة، بخاصة في جانب التكرير والنقل، ولا يقتصر الأمر على قطاع التكرير والنقل، وإن كان الأكثر إلحاحاً في ما يتعلق بالحاجة إلى الاستثمارات الهائلة، لكن أيضاً جانب الاستكشاف والإنتاج بحاجة إلى استثمارات ليتمكن من توفير المعروض الذي يلبي الزيادة في الطلب العالمي، التي تقدرها «أوبك» هذا العام بنحو 2.3 مليون برميل يومياً. يعتقد هيثم الغيص، أن بعض التوجهات التي تحول دون تشجيع الاستثمار في مجال النفط، بخاصة من قبل المؤسسات المالية التي تضع قواعد جديدة تتعلق بالبيئة والحوكمة على منافذ الاستثمار، «بحاجة إلى إعادة نظر» لما تمثله من أضرار أكثر بالدول النامية التي تعتمد على عائدات تصدير النفط والغاز لتمويل النشاط الاقتصادي وضمان استقرارها الاجتماعي.
ومع أن الاستثمار في مجال الاستكشاف والإنتاج تحسن، أخيراً، مع استقرار الأسواق إلا أن العالم بحاجة لمزيد من الاستثمارات، كما يشير الغيص، مضيفاً أن دول «أوبك» تنوع استثماراتها في مجال صناعة الطاقة وتضخ استثمارات معقولة في مجال التكنولوجيا الحديثة لتقليل انبعاثات الكربون وفي مصادر الطاقة المتجددة.
تحالف «أوبك+»
ورداً على سؤال حول تحالف «أوبك» مع شركائها من خارج دول المنظمة ضمن «إعلان التعاون» المعروف إعلامياً باسم «أوبك+»، وفي مقدمة الدول من خارج المجموعة روسيا، قال الأمين العام إنه منذ عام 2017 أثبت التحالف أهميته للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة، علاوة على أن قرار خفض الإنتاج في خريف العام الماضي بنحو مليوني برميل يومياً أثبت صحته، كما يقول.
وخلص حديث هيثم الغيص، إلى أنه في ضوء ما تحقق من استقرار للسوق وفائدة لكل أصحاب المصلحة في سوق الطاقة العالمي فإن التعاون بين «أوبك» وشركائها بما فيهم روسيا مستمر، وأنه لا يمكن تخيل ما كان سيحدث للسوق العالمية لو فقدت ملايين البرميل يومياً من إنتاج روسيا من الخام والمشتقات، معتبراً أن العالم بدأ يتكيف مع تغير أنماط اتجاهات الصادرات النفطية في ضوء العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى