مقالات اقتصادية

كيف يدعم اكتشاف خام النيكل اقتصاد سلطنة عُمان

كتب أسامة صالح 

يحظى قطاع التعدين باهتمام كبير في سلطنة عُمان، التي تسعى إلى تنميته ليصبح أحد المحركات الرئيسية والاستراتيجية لتنويع الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى الحياة العامة.

وتعد صناعة النيكل واحدة من أهم الصناعات المعدنية التي تتجه الحكومة العُمانية إلى تطويرها وزيادة إنتاجها، حيث تشير التقديرات الأولية إلى وجود احتياطيات مهمة من النيكل في السلطنة.

اتفاقية جديدة
وفي صفقة تعد الأولى من نوعها مع شريك أجنبي، وقعت سلطنة عُمان اتفاقية للتنقيب عن المعادن مع شركة “نايتس باي” البريطانية لاستخراج النيكل.

وأوضحت صحيفة عُمان، في 2 مارس 2023، بأن الشركة البريطانية حصلت على حق الامتياز في المنطقة التعدينية رقم 21 الواقعة بولاية إبراء بمحافظة شمال الشرقية لاستخراج معدن النيكل ومشتقاته بنقاوة عالية دون أي انبعاثات كربونية.

وتقدر وزارة الطاقة والمعادن العُمانية الاستثمارات المبدئية والمتعلقة بمرحلة الاستكشاف والتقييم نحو 25 إلى 30 مليون دولار أمريكي، في السنوات الثلاث الأولى، على أن تصرف لتغطية مساحة قدرها 1444 كيلومتراً مربعاً، تشمل مسوحات جيولوجية وحفر عدد من الآبار الاستكشافية والتقييمية، وكذلك التحاليل الكيميائية للوصول لتأكيد كميات الاحتياطي التعديني وفق المقاييس الدولية المعتمدة.

وبيّن مدير عام المديرية العامة للاستثمار بوزارة الطاقة والمعادن صلاح بن حفيظ الذهب، في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية، أن هذا المشروع قائم على رفع القيمة المضافة من خام “اللاتريت” عن طريق استخلاص معدن النيكل منه.

ويأمل الذهب أنه في حال كانت نتائج التقييم إيجابية فإن المشروع سيكون خطوة مهمة في الطريق لتطوير اقتصاد متنوع، فاتحاً المجال لاستثمارات ذات قيمة عالية مرتبطة بعمليات رفع الجودة والتصنيع على مدى عمر المشروع، إضافة لإيجاد قالب لشراكات مماثلة في المستقبل.

ونوّه بأن هذه الاتفاقية تتسق مع توجهات الحكومة بتخصيص مناطق الامتياز التعديني لتطوير الاستثمار في قطاع المعادن في سلطنة عمان.

من جانبه قال بريان سبراتلي رئيس مجلس إدارة شركة “نايتس باي” البريطانية لوكالة الأنباء العُمانية، إن الشركة تسعى من خلال الاتفاقية إلى بناء وتطوير ومعالجة معادن البطاريات (النيكل والكوبالت) في سلطنة عُمان لتلبية الطلب العالمي من معدن النيكل عن طريق مصنعي السيارات الكهربائية.

وبلغ إنتاج السلطنة من مادة “اللاتريت” 626.6 ألف طن متري عام 2020، وهذه المادة هي واحدة من أهم مصادر خام النيكل على مستوى العالم.

الثورة الخضراء

ويطلق على النيكل معدن الثورة الخضراء؛ بسبب استخداماته الأساسية والمتعددة في صناعة السيارات الكهربائية ومعظم الصناعات التي تعتمد الطاقة النظيفة والمتجددة.

ويدخل النيكل في صناعات مهمة؛ مثل صناعة المركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، ومحطات الطاقة النووية، ويدخل مع سبائك الفولاذ لجعلها تقاوم الصدأ، وتقاوم التآكل ودرجات الحرارة القصوى.

وتتنافس شركات صناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات لاقتناء المعدن، لدوره الأساسي في عمل البطاريات القابلة لإعادة الشحن، فضلاً عن استخدامه في صناعة الخلايا الشمسية الرقيقة، حيث يستخدم كطبقة نانوية تعمل كمادة تنشيط لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية.
كما يدخل النيكل كعنصر في إنتاج الوقود الهيدروجيني من الماء، حيث يستخدم النيكل كمحفز لتفاعل تحليل الماء لإنتاج الهيدروجين، ويعد من العناصر الرئيسية في صناعة الوقود النووي، حيث يستخدم في إنتاج القضبان الوقودية النووية.

والنيكل هو عنصر كيميائي فلزي هش يتميز بلونه الأبيض الفضي ذي مظهر يميل إلى الذهبي، وتكمن أهميته الاستراتيجية في دخوله بمعظم صناعات المستقبل المتطورة.

طلب عالمي

وتهدف الحكومة العُمانية من توسيع تعدينها في مجال النيكل إلى مواكبة الطلب العالمي على هذا المعدن النفيس والمرتبط بعديد من الصناعات الحديثة.

ورجّحت تقارير عالمية أن يفوق الطلب العالمي على النيكل المعروض بحلول عام 2024، حيث تجاوزت قيمة الطن في الوقت الحاضر مبلغ 25 ألف دولار بكثير، وتجاوز سعره في مارس 2022 مبلغ 100 ألف دولار للطن لأول مرة في تاريخه؛ وذلك بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وذكرت وكالة فرانس برس حينها أن روسيا تمتلك قرابة 9% من إمدادات النيكل العالمي، ولديها نحو ثلث خام كبريتيد النيكل في العالم.

وبسبب استخداماته المتنوعة، يتزايد تنافس الدول على اقتناء النيكل، بالتزامن مع النمو الصناعي الهائل في كثير من البلدان، فضلاً عن تحول بعض الصناعات إلى استخدام تقنيات ومواد أكثر صداقة للبيئة بما يتوافق مع الاستدامة.

وكان إجمالي إنتاج سلطنة عُمان من المعادن خلال عام 2021 بلغ نحو 60.3 مليون طن، وتم بيع 57.5 مليون طن منها، وفق بيانات وزارة الطاقة والمعادن العُمانية، وبدخول النيكل إلى مراحل الإنتاج يدشن مرحلة جديدة في مستقبل التعدين العُماني.

خطوات كبيرة

ويقول احد الخبراء ح: إن “سلطنة عُمان تخطو خطوات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية والسياسة، والتي انتهجها جلالة السلطان هيثم بن طارق في عُمان، مستغلة التنوع الجيولوجي وتكويناته في باطن الأرض، لكن عُمان تفتقر إلى الخبرات الكافية لاستثمار هذه الثروات”.

ويبين أن “ذلك دعا السلطنة للانفتاح على الخبرات والكفاءات العالمية في مجال التنقيب عن النيكل واستثماره، فعمدت الحكومة إلى توقيع عقد استثمار مع شركة بريطانية، واستثمار خام النيكل على مساحة 1444 كيلومتراً مربعاً”.

ويضيف ان هذه الاستثمارات توفر عائداً متوقعاً قدره 30-40 مليون دولار، كما أن الطاقة الإنتاجية قد تصل لـ132 ألف طن من خام النيكل سنوياً، إضافة إلى نحو 6 آلاف و300 طن من خام الكوبالت، مع وصول سعر النيكل حالياً في الأسواق العالمية المقدر بنحو 23 ألف دولار للطن المتري الواحد”.

ويشار إلى أن “المشروع سيوفر كثيراً من فرص العمل، وسيزيد من الخبرات والتكنولوجيات في عُمان، كما أنه سينشط قطاعات مختلفة مثل قطاع الشحن، وقطاع التمويل والتحويلات البنكية، وقطاعات أخرى كثيرة، فضلاً عن تشجيعه لمستثمرين آخرين من أجل أن يخطوا خطوات جديدة في مجال التعدين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى