مقالات اقتصادية

ما وراء التبادل بالعملات المحلية والتجارة الحرة .. بين مجلس التعاون الخليجي والهند..

كتب أسامة صالح 

يبدو أن دول الخليج تسير على طريق تقليل اعتماد الدولار في التبادلات التجارية مع بلدان أخرى، يرافقه سعي لاعتماد التجارة الحرة؛ وهو ما يراه مراقبون خطوة مهمة للخلاص من سطوة الدولار الأمريكي.

وبين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي علاقات تزداد أهمية لا سيما في المجال الاقتصادي، فحجم التجارة الخارجية لدول الخليج مع الهند يبلغ 115 مليار دولار سنوياً، منها 28 مليار دولار للصادرات الهندية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، و87 مليار دولار للصادرات الخليجية إلى الهند.

وتأتي الهند في المرتبة الثالثة على قائمة المستوردين الرئيسيين من دول مجلس التعاون، بحصةٍ قدرها 1.12%، وكذلك المرتبة الثالثة على قائمة المصدرين الرئيسيين إلى دول المجلس بحصةٍ قدرها 6.8%.

وفي الوقت ذاته تستضيف الدول الخليجية  10 ملايين هندي من بين الأيدي العاملة الأجنبية في السوق الخليجية.

واتفاقيات مبادلة العملة، أو “سواب” كما تسمى بالإنجليزية، هي أحد الأساليب التي تستخدمها البلدان لتمويل جزء من مبادلاتها التجارية، حيث تدفع من خلالها قيمة جزء من المبادلات التجارية بين البلدين بالعملات المحلية لهما.

ويتم ذلك بأسعار محددة مسبقاً لسعر الصرف، دون استخدام عملة ثالثة، مثل الدولار الأمريكي، وتحدد مدة استمرار عملية التمويل هذه حسب اتفاق الطرفين.

تلك الخطوة يراها بعض الخبراء الاقتصاديين ، “صائبة”، مؤكدين أن العالم كله بعد الحرب الروسية الأوكرانية بات ينظر إلى التبادل التجاري بالعملات الوطنية كحاجة أساسية.

واننا اليوم أمام مشهد جديد: كل التجارة الدولية لا تريد البقاء تحت رحمة الدولار الأمريكي”.

وقال سنجاي سودهير، السفير الهندي لدى دولة الامارات العربية المتحدة، أن البنكين المركزيين في البلدين يتناقشان في شأن آلية محتملة للتبادل التجاري بالعملتين المحليتين، بحسب وكالة “رويترز”.

وقال سودهير للصحفيين في نيودلهي: إن “التجارة بالروبية والدرهم ستساعد على تقليل تكاليف الصفقات، في وقت يتطلع فيه البلدان إلى تعزيز التجارة بموجب اتفاق للتجارة الحرة”.

ووقعت الهند هذا العام اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الإمارات؛ لمساعدة المصدرين الهنود على الاستفادة من الإمارات، التي تمثل مركزاً تجارياً، لتعزيز إمكان الوصول إلى الأسواق في أفريقيا وأوروبا.

ان الحديث عن تبادل تجاري بالعملات المحلية مع دولة الامارات العربية المتحدة هو الثاني بين الهند ودولة خليجية؛ حيث أعلنت الحكومة الهندية، في 19 سبتمبر 2022، أنها بحثت جدوى تأسيس تبادل تجاري مع المملكة العربية السعودية بالعملتين المحليتين: الروبية والريال.

وجاء الإعلان الهندي على هامش انعقاد اجتماعات مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي-الهندي بالعاصمة الرياض، برئاسة وزيري الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، والتجارة والصناعة الهندي بيوش جويال.

ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن تفكير دول الخليج في التبادل التجاري بالعملات المحلية بعيداً عن الدولار، “ينطلق من مصالحها الوطنية بالمقام الأول، وبالمقام الثاني تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي القابلية للتفاوض من موقع القوة، بسبب امتلاكها الوقود”.

ويعتقد ان “الفكر الاقتصادي الخليجي بدأ ينطلق من الأولويات الوطنية؛ وبناءً عليه فانه من المحتمل ان يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ “.

إن التبادل التجاري بالعملات المحلية يشكل من ناحية أخرى، “رافداً أساسياً” للعلاقات بين الدول، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمنع وقوع الدول تحت “سطوة العقوبات وغيرها من الأمور مع الولايات المتحدة الاميركية “.

أما سبب بحث دول المجلس عن اتفاقيات تعاون مثل هذه، لانها ناتجة عن  “قلق” من سياسات الولايات المتحدة؛ وعليه بدأت الدول الخليجية تبني منظومة دعامتها الأولية وهي البعد الاقتصادي.

ويستشهد بالخطوات التي اتخذتها دول خليجية وما حققته من إنجازات ومنها “رؤية 2030” في المملكة العربية السعودية، والتوجه الاقتصادي الذي تتبناه سلطنة عُمان، وسياسات التبادل التجاري التي تتخذها دولة الامارات العربية المتحدة ، وقوة الاقتصاد القطري واحتضانها مؤخرا بطولة كأس العالم لكرة القدم.

ان “دول الخليج باتت تملك رؤية اقتصادية حقيقية تؤهلها لأن تكون خلال السنوات العشر القادمة، في مصاف الدول الأولى بالعالم”.

ومن المتوقع ان نشهد قريبًا دول الخليج والهند تطبق تبادل تجاري بالعملات المحلية، والصين أيضاً، ولا يستبعد روسيا كذلك في اللحاق بالركب نفسه؛ مع تحولات “أوبك+” والعلاقة المستجدة بين كل من السعودية والإمارات مع روسيا.

ان تعزيز التجارة مع الهند يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي، ويتضح ذلك من خلال استئناف مفاوضات التجارة الحرة بين الهند ودول المجلس.

ويعتقد إن هذه الاتفاقية “ستكون لها فوائد كبيرة لدول المجلس والهند في آن واحد؛ لكون الهند أحد أهم الشركاء التجاريين الرئيسيين للمنطقة”.

انا بالنسبة للتجارة بين الطرفين يعتقد، أنها آخذة في النمو منذ فترة، كما يعتقد أن هناك دولاً أخرى سترغب في ذلك مثل تركيا وكوريا الجنوبية والصين.

ومن المتوقع أن تمنح التجارة الحرة راحة للطرفين وتخلق مزيداً من الترابط التجاري والثبات والقوة الاقتصادية، ويعتقد أن ذلك يشمل جميع دول المجلس التعاون الخليجي ، وليس دولاً معينة في التعاطي مع الهند وغيرها من الدول.

ويعتقد أن التجارة الحرة “تشكل لبنة أساسية في التحول القائم بالنظام العالمي ككل على المستوى السياسي الذي سينعكس على المستوى الاقتصادي”.

وانطلاقاً من أن هناك تحولات، على مستوى الحرب التي تجري بين روسيا وأوكرانيا، على الخارطة السياسية العالمية، هناك تحول أيضاً على المستوى الاقتصادي”.

ويعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون رائدة في هذا المضمار على المستوى الاقتصادي؛ “لذلك هي اليوم أكثر حاجة ومرونة لتطبيق مثل هذه الاتفاقات مع هذه الدول وفي مقدمتها الهند، التي تعتبر دولة أساسية في الاقتصاد العالمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى