اقتصاد خليجي

السعودية تشترط نقل المعرفة في شراكاتها مع الصينيين

,,
رفعت الرياض في السنوات الأخيرة سقف شروط تمويل مشروعات مشتركة مع الشركات الأجنبية، بالتشديد على ضرورة استثمار تلك الشركات في السعودية، مقابل أي صفقات تمويلية مع المستثمرين السعوديين.

,,
وبحسب تقرير صحيفة «فايننشال تايمز» استند إلى شهادات عدد ممن لهم علاقة بتلك الصفقات، من مديري صناديق إلى خبراء تكنولوجيا ومستشارين، فإن المستثمرين السعوديين يضعون شروطاً متزايدة للدخول في تلك الصفقات، كأن يتعين على الشركات الصينية أن تشارك المعرفة التكنولوجية مع الشركاء السعوديين.

ويشير التقرير إلى أن عدداً متزايداً من شركات التكنولوجيا الصينية أبرمت صفقات تمويل وشركات مع مستثمرين وشركات سعودية، في السنوات الثلاث الأخيرة بمئات ملايين الدولارات، منها شركات كبرى مثل «علي بابا» وشركة الذكاء الاصطناعي «سنس تايم».
تنقل الصحيفة عن أحد الاستشاريين الذي يقدم النصح لشركة تكنولوجية في شأن السوق السعودية، «إنهم (السعوديين) يريدون أن تدرب شركتك ومهندسيها العاملين المحليين… تلك الصفقات تأتي بمزيد من الشروط المرتبطة بها». ويشير التقرير إلى أن الشركات السعودية تستفيد من أن صفقات الشراكة تلك، في وقت تواجه فيه شركات التكنولوجيا الصينية تراجع فرص التمويل وضعف المبيعات في السوق الصينية.
استراتيجية تكنولوجية سعودية:- يقول بعض هؤلاء الذين ينقل التقرير شهاداتهم، إن الاستراتيجية السعودية لنقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا تشبه ما كانت تفعله الحكومات المحلية الصينية قبل عقود مع الشركات الأجنبية، من منحها الوصول إلى السوق، مقابل تدريب فرق العاملين المحليين والاستثمار في البلاد.
وبحسب ما يذكر التقرير، فإن مجموعة الذكاء الاصطناعي الصينية «سنس تايم» حصلت على عقد في مشروع السعودية الضخم لبناء مدينة مستقبلية على البحر الأحمر (نيوم). ويقول اثنان من مصادر الصحيفة، إن المجموعة حصلت على العقد في وقت عانت فيه أسعار أسهمها من التراجع، وخفض عائداتها من مبيعات منتجاتها الأساس في السوق المحلية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حصلت شركة القيادة الذاتية الصينية «بوني أي آي» على عقد بنحو 100 مليون دولار من صندوق استثمار «نيوم». ومن شروط العقد أن تؤسس الشركة التكنولوجية الصينية مركزاً إقليمياً للبحوث والتطوير، وقاعدة تصنيع في السعودية.
أما شركة «علي بابا كلاود» فدخلت السوق السعودية في 2022 من خلال مشروع مشترك مع «مجموعة الاتصالات السعودية» التي تعمل أيضاً مع شركة «هواوي» الصينية في مشروع شبكة الاتصالات المتقدمة (5G) مع «تعهد تعزيز التعاون» في مجال أبحاث التكنولوجيا.
لا تقتصر الشروط السعودية في الشراكة مع مجموعات التكنولوجيا الصينية على نقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا سعودياً فحسب، بل هناك شروط أيضاً تتعلق بحماية النصيب السعودي في الشراكات، ففي عام 2022، دخلت مجموعة «سنس تايم» في شراكة بتمويل وصل إلى 207 ملايين دولار مع شركة سعودية للذكاء الاصطناعي، مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي السعودي)، لتوفير حلول الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.
وقالت المجموعة الصينية إن هدف الشركة هو «تمكين الكفاءات المحلية الشابة، ونقل المعرفة التكنولوجية وتطوير الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي»، إضافة إلى أنه من بين شروط اتفاق الشراكة، أن تقوم المجموعة الصينية بشراء حصة الشركة السعودية في المشروع المشترك، إذا لم تطرح الشركة للاكتتاب العام أو تعثر على مشتر بعد سبع سنوات.
ميزة التكنولوجيا الصينية:- وأضاف عدد من المستثمرين ورجال الأعمال الصينيين في حديثهم للصحيفة، أن الشركات والمستثمرين السعوديين لا يوافقون على اتفاقات الشراكة، ما لم تكن نسبة 30 في المئة من تمويلات الشركة الجديدة ستستثمر في السعودية. ويقول هؤلاء إن تلك الشروط الجديدة تختلف عما كانت عليه الحال قبل أكثر من 10 سنوات.
وهناك ميزة أيضاً للشركات والمستثمرين السعوديين هي أنهم يتلقون عروضاً من كثير من شركات التكنولوجيا حول العالم، في سياق جهود الرياض لتعزيز قطاع التكنولوجيا كجزء من استراتيجية تنويع الاقتصاد بعيداً من النفط، من ثم يختارون ويفاضلون بين شركات التكنولوجيا من «وادي السيليكون» ومن إقليم شينغين الصيني.
يقول بول تريولو من شركة الاستشارات «أولبرايت ستونبريدغ» إن شركات التكنولوجيا الأميركية ربما تتردد خشية عدم حصولها على تصريح أميركي، بنقل بعض مكونات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للسعودية أو غيرها من الدول. ويضيف «الدول النفطية الغنية في الشرق الأوسط متحمسة لتطوير قدراتها الخاصة في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، من خلال بناء برامج استناداً إلى اللغة العربية… لكن في معظم الحالات يفتقرون إلى القدرة على القيام بذلك وحدهم، وهنا تدخل الصين».
وفي نهاية العام الماضي، أطلقت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا تطبيق «آيس جي بي تي»، وهو تطبيق ذكاء اصطناعي يعتمد اللغة العربية، بالتعاون مع الجامعة الصينية لهونغ كونغ ومعهد شينغين لأبحاث البيانات الكبرى.
ولا تعتمد جهود السعودية لتطوير قطاعات جديدة لتنويع اقتصادها على الشراكات مع مجموعات صينية فقط، فشركة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية «لوسيد» أنشأت أول مصنع للسيارات الكهربائية في جدة، وهناك شركات بريطانية وغيرها بدأت أيضاً العمل في البلاد.

تبقى ميزة المجموعات الصينية، فضلاً عن أنها متساهلة تماماً في مسألة حقوق الملكية الفكرية للابتكارات التكنولوجية عن نظيراتها الأميركية والغربية، أنها تستفيد من العلاقات المتطورة بين بكين والرياض، فالصين هي أكبر مستورد للنفط من السعودية، وبلغت مشترياتها العام الماضي 86 مليون طن، ووقع البلدان اتفاق تبادل عملات بقيمة سبعة مليارات دولار، ومعنى ذلك أن جزءاً من التعاملات بين البلدين ستجرى بالرينمينبي الصيني (اليوان) والريال السعودي.

وتبقى الميزة الأهم هي أن الشركات الصينية لا تمانع في قبول الشروط السعودية المشددة بضرورة الاستثمار في الداخل، ونقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا بتدريب وتأهيل الكوادر السعودية الشابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى