أخبار عاجلةمقالات اقتصادية

طريق “الهبوط السلس” للاقتصاد الأميركي يمر عبر أرباح الشركات

مضى أكثر بقليل من نصف الربع الثالث على موسم أرباح الشركات في الولايات المتّحدة دون أن تعكس توقّعاتها “الانهيار الاقتصادي الشامل” الذي يلوح في الأفق بحسب العديد من مرجحي هبوط الأسهم في الأسواق.

أوّل التفسيرات المعقولة، هو أن مسؤولي الشركات الذين يجملون الأوضاع يقودون ببساطة التوقّعات لتجنّب سيل المشاعر السلبية بين المستثمرين والمحللين، والتي ستزيد هذه السنة المتعثرة سوءاً. هذا التفسير يدل على أننا دون علمنا يجري طهينا على نار هادئة. علماً أنه بحسب التوقعات فإنّ الأسهم المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ما تزال مرشحة للهبوط بمقدار 20% إلى 30% أخرى كما هو معتاد في حالات الركود في الولايات المتّحدة.

وثاني التفسيرات، وهو الأكثر تفاؤلاً، هو أنّنا حالياً نعيش في حالة “الهبوط السلس” التي نبتغيها. وعند التمعّن في تفاصيل وجهتي النظر، قد نتصور أن الاختلاف بينهما ربما يفيد الاقتصاد فعلياً.

لكن هذا الخداع لا يعنى الاحتيال من ناحية الحسابات، وإنّما يشير إلى أنّ المديرين التنفيذيّين للشركات يحسِنون قيادة توقّعات المستثمرين والمحلّلين قبل حدوث التحوّل نحو الانكماش، فهم في كل موسم للأرباح يقلّلون التوقّعات بنسب صغيرة. وخلال موسم أرباح الربع الثاني خفّضوا توقّعات أرباح 2023 بنحو 2.9% تقريباً.

في حين أنّهم هذا الموسم خفّضوا التوقعات بنحو 3.1% إضافية. وربّما يقود مديرو الشركات التنفيذيّون التقديرات لتصل ما بين 4% إلى 5% بحلول موسم أرباح الربع الرابع نهاية يناير المقبل. عندها، سنكون قريبين جدّاً من افتراض انكماش الأرباح السنوية لمؤشّر “ستاندر آند بورز 500″، لكن الأمر لن يكون ذا أهميّة،.

إذ سيطرح المستثمرون السؤال: “ما الفرق بين نمو أو انكماش ضئيلين؟”. وهم على حق في هذا السؤال، فمكررات ربحية الأسهم تتقلص بالفعل إذا استثنينا قطاع الطاقة.

يتوقع المزيد من الاقتصاديّين نمواً ضئيلاً أو معدوماً العام المقبل، وبالتالي يُرجّح أن يستمر مديرو الشركات التنفيذيون بتخفيض توقّعات أرباحهم.

الخطوة الأخيرة في هذه اللعبة هي مراجعات الأرباح، وقبل هذا كانت أسعار الفائدة. في ديسمبر أبلغ أعضاء لجنة تحديد الأسعار في الاحتياطي الفيدرالي المستثمرين أن سعر الفائدة المستهدف على الأموال لدى البنوك الفيدرالية كان يتّجه من 1.5% إلى 1.75% في 2023. منذ ذلك الحين، وكلّما مرت بضعة أشهر، كانوا يزيدون تصوّر المستثمرين حول رفع الأسعار بمقدار نقطة مئويّة واحدة.

إذا نظرنا إلى الوراء، يصعُب التصديق أن المستثمرين أرادوا فعلاً الدخول في هذه اللعبة والاستمرار فيها كما فعلوا، وإلّا، فلماذا قد يكافح الفيدرالي أسوأ تضخّم عرفته البلاد منذ 40 سنة بمعدّل فائدة 1.75%؟ المؤكّد أنّ “جيروم باول” رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لو كان قد أخبرنا في ديسمبر أن أسعار الفائدة ستصل إلى 4.75% (حسبما رفعتها مؤخّراً اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة) لكانت السوق جنّ جنونها. قد تبدو العملية أشبه بخدعة، لكنّ البعض الآخر قد يسميها سياسات مجدية للبنك المركزي.

لكن ماذا لو كانت الأمور فعلاً بهذا السوء؟ مع مراعاة الارتفاعات والانخفاضات الفردية، فإنّ موسم أرباح الربع الثالث قد يدل على ازدهار اقتصادي ما. هناك حوالي 24% فقط من الشركات تخالف توقّعات المحلّلين، وهي نتيجة لا توحي بما يوصف بأنه “يوم قيامة الاقتصاد”، حتّى ولو كانت وبشكل مصطنع تتجاوز الحدود الدنيا.

المستهلك هو محرّك الاقتصاد، ومن الواضح أنّه قادر على الاستمرار بالإنفاق لأشهر مقبلة، وفي هذه الحالة يُرجّح أن تنهار أرباح الشركات. كما تظهر أحدث بيانات “بنك أوف أميركا” فإنّ حسابات الادّخار والحسابات الجارية التي تضخّمت خلال الجائحة، ما تزال أعلى بكثير من مستوياتها في 2019.

تواصل شركات من ضمنها بروكتر آند غامبل وأبل زيادة الأسعار على المستهلكين لتعويض ارتفاع التكاليف. وبصورة عامّة، فإنّ أرباح الشركات المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” تبدو مزدهرة، رغم أن هوامش الأرباح بدأت بالانكماش.

لكن ماذا عن أمازون محبوبة المستهلكين، والتي كانت واحدة من أكبر خيبات الأمل لهذا الموسم؟ كانت توقّعات الشركة خلال موسم العطلات أقل من المتوقع، ما تسبب في انخفاض سهمها، لكن هذا يرجع إلى مبالغة المستثمرين في توقّعاتهم لسعر السهم، لكن في نهاية المطاف ما تزال الشركة تتوقع النمو.

ردّاً على سؤال حول السبب وراء توقعاته غير المشرقة، ألقى براين أولسافسكي، المدير المالي للشركة، باللوم على اتجاه المبيعات للمستهلكين في الأسواق الدولية، إذ أجبرت الحرب في أوكرانيا الأوربيّين على إنفاق المزيد من أموالهم على تأمين الطاقة، وأبدى بعض التفاؤل حيال السوق الأميركية.

وقال أولسافسكي: “لاحظنا وجود تراجع على الصعيد الدّولي فيما يتعلّق بالمتاجر الاستهلاكية. لكن السوق الأميركية الشمالية كانت قويّة، لكنّها أخذت بالتباطؤ بعض الشيء. ورأينا التأثير الأكبر على السوق الدولية، نعتقد أن الأمر يرجع إلى بيئة الركود الأصعب هناك. حتّى بالمقارنة مع الولايات المتّحدة، فإنّ الأمور في أوروبا أسوأ حالياً. والأوضاع تفاقمت سوءاً مع حرب أوكرانيا وأزمة أسعار الطاقة في تلك البقعة الجغرافية”.

ويعتمد المتفائلون في وجهة نظرهم على الأمل في أن التضخم سينحسر قريباً، وأنّ البنك الاحتياطي الفيدرالي سيتمكّن من وقف رفع أسعار الفائدة. هذا ليس أمراً مؤكداً، لكنه يبدو كضوء في نهاية نفق السياسات النقدية. إذا استطاع المستهلك تحمّل عواقب ارتفاع أسعار الفائدة فإنّ الاقتصاد قد تكون أمامه فرصة للنجاة.

حتّى إذا اعتقدتَ أنّ مسؤولي الشركات يتلاعبون بك، قد يكون في مصلحة الجميع السماح باستمرار حدوث ذلك (لكن لا تصعد بتوقعاتك كثيراً، لأن الفيدرالي لن يعجبه الأمر).

فالانكماش البطيء والمنظّم لتوقّعات الأرباح هو بالضبط ما يريد صنّاع السياسات النقدية؛ أي ضيق الأوضاع المالية وتراجع إنفاق المستهلكين إلى حد ما، وأن يحدث كل هذا بشكل يمكن التنبّؤ به ودون الانهيار المعنوي الذي يمكن أن يحفّز الركود.

هذا لا يعني أن وجهة نظر المتشائمين لن تكون مبرّرة، لكن إذا كانت هناك أي فرصةٍ لتحقيق “الهبوط السلس”، فإنه على الأرجح سيحدث بهذه الطريقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى