اقتصاد دولي

كيف استغلت روسيا ثغرات سقف إنتاج النفط لجمع المليارات؟

مكنت تكاليف الشحن المتضخمة الشركات الروسية من جني أرباح أكبر بكثير من مبيعات النفط الخام إلى الهند مما كان يعرف سابقاً، وفقاً لتحليل “فايننشال تايمز”، الذي يشير إلى أن الرسوم ربما تجاوزت أكثر من مليار دولار في ربع مالي واحد.

حتى وقت قريب، بدت روسيا وكأنها تمتثل للإجراءات الغربية المصممة للحد من عائداتها بعد الحرب في أوكرانيا العام الماضي، كان منتجو النفط الروس يبيعون الخام إلى الهند بأقل من 60 دولاراً للبرميل، ولكن عندما يتم تضمين تكاليف الشحن، فإن روسيا والتجار الذين يعملون معها يتقاضون مبالغ أعلى بكثير.

يشير تحليل الصحيفة البريطانية، إلى السفن التي تنطلق مباشرة من موانئ البلطيق الروسية إلى الهند، والتي تحمل شحنات إضافية إلى جانب الرسوم المكتسبة من شحن النفط على السفن المرتبطة بروسيا، قد تكون جمعت 1.2 مليار دولار في الأشهر الثلاثة حتى يوليو (تموز) الماضي.

وقال الأكاديمي في كلية كييف للاقتصاد، الذي يدرس التهرب الروسي من الحد الأقصى المفروض على سعر النفط، بنجامين هيلجنستوك، للصحيفة، “تشكل تكاليف الشحن المتضخمة مصدر قلق كبير لأنها تخلق فعلياً تسرباً في نظام الحد الأقصى للسعر الذي من خلاله يمكن لشخص ما، في مكان ما، الاستيلاء عليه وبخاصة أنه يقدر بمليارات الدولارات”.

وقال وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، “ليس من المستغرب أن يصبح بوتين يائساً وغير آمن على نحو متزايد في محاولاته للتخفيف من تأثير سقف الأسعار، وهو الأمر الذي كان يقيد بشدة الإيرادات الروسية”. وأضاف، “أولئك الذين يساعدون روسيا في تمويل هذه الحرب غير المشروعة يجب أن يعلموا أن المملكة المتحدة ستستمر في العمل جنباً إلى جنب مع شركائنا لفرض هذا الإجراء”.

سعر السقف وتكاليف الشحن 

يهدف سقف السعر الذي فرضته مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى الحفاظ على تدفق النفط الروسي مع تقليص الإيرادات التي يمكن استخدامها لتمويل الحرب، لكن الحد الأقصى الذي يفرض متطلبات على المشترين ومالكي السفن وشركات التأمين من الدول المشاركة لا يفرض أي قيود على تكاليف الشحن.

وتشير سجلات الجمارك الصادرة في روسيا من ديسمبر (كانون الأول) 2022 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2023 إلى أن متوسط سعر النفط الخام المشحون إلى الهند كان نحو 50 دولاراً للبرميل في موانئ البلطيق الروسية، وأدى ذلك إلى إبقاء المبيعات متماشية مع الحد الأقصى، الذي ينطبق على ما يسمى بسعر الشحن على ظهر السفينة (FOB)، أو تكلفة النفط في ميناء التحميل.

لكن بيانات الجمارك الهندية تظهر أن الأسعار التي تدفع بالفعل في الهند بعد التسليم، ما يسمى بسعر الكلفة والتأمين والشحن (CIF)، خلال الفترة نفسها بلغت 68 دولاراً، وكان هذا خصماً ملحوظاً على أسعار النفط العالمية، التي بلغ متوسطها نحو 79 دولاراً للبرميل خلال الفترة المذكورة، ولكنها تعني ارتفاعاً قدره 18 دولاراً للبرميل في الأسعار بين دول البلطيق والهند.

وتشير الأرقام من وكالة التسعير “آرغوس”، أيضاً إلى انتشار كبير في جني الأموال من عمليات الشحن، وتقدر الوكالة أن متوسط سعر خام الأورال (علامة تجارية مرجعية تستخدم كأساس لتسعير خليط زيت التصدير الروسي) كان أعلى بـ14.90 دولاراً للبرميل في الهند منه في بحر البلطيق منذ أن بدأت جمع البيانات في فبراير (شباط) 2023، وهذا يتجاوز تقديرات “آرغوس” للسعر الفعلي للشحن، الذي بلغ متوسطه نحو تسعة دولارات للبرميل.

وقال مسؤول في شركة نفط هندية مملوكة للدولة اشترت بعضاً من هذا النفط، للصحيفة، إن المشترين الهنود يشترون بما في ذلك تكاليف الشحن المرتفعة، وأضاف أنه لم يسمح بأي مفاوضات في شأن ترتيبات الشحن أو التكاليف.

من المحتمل أن يكون بائعو النفط استولوا على الرسوم الزائدة، فوفقاً لـشركة تحليلات البيانات “كبلر”، قام منتجو النفط الروس “لوك أويل” و”روسنفت”، ببيع مباشر لمصافي التكرير الهندية، وفي حالات أخرى، تتم إدارة البيع من قبل شركات تجارية ظهرت في العام الماضي على صلة وثيقة بعديد من شركات النفط الروسية.

وتقدر”كبلر” أن روسيا شحنت 108 ملايين برميل من بحر البلطيق إلى الهند من مايو (أيار) الماضي إلى يوليو الماضي في 134 سفينة، وهو الوقت الذي بلغ فيه فارق أسعار “آرغوس” في المتوسط 17 دولاراً للبرميل، بعد الأخذ في الاعتبار الفارق بين المغادرة والتسليم، وفي ذلك الوقت، تقدر “آرغوس” أن متوسط أسعار الشحن التجاري بلغ تسعة دولارات للبرميل، مما يشير إلى أن الشحن الزائد قد يصل إلى نحو 800 مليون دولار.

وأضاف هيلجنستوك، “إذا وافقت شركات النفط والتجار الروس على هذا النوع من الشروط التعاقدية، فعلينا أن نفترض أن روسيا تستولي على جزء من الفارق، سواء كانت روسيا تمتلك الناقلات التي تنقل النفط أم لا”.

وبالنظر إلى أن روسيا لها يد في أسطول الناقلات، فقد كان من بين 134 سفينة حددتها “كبلر” على أنها تنقل النفط الروسي إلى الهند في الفترة المذكورة، تمكنت الصحيفة من ربط 23 من تلك السفن مباشرة بالكيانات الروسية عبر وثائق التأمين أو الملكية أو الإدارة.

وكانت معظم هذه السفن تديرها شركة “صن شيب مانجمنت”، التي فرضت عليها عقوبات من قبل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لربطها بـأسطول الناقلات الروسي العملاق “سوفوكفلوت”.

كما حددت الصحيفة، 26 سفينة مجهولة أخرى اشتراها أصحابها الحاليون منذ بداية الحرب، وكان أصحابها سريون مختبئون من طريق الشركات الوهمية إلى حد كبير في جزر مارشال وليبيريا، لكن جميعهم تحولوا بشكل كبير إلى طرق النفط الروسية منذ شرائها، وبعضها كان مرتبطاً في السابق بروسيا.

في الأشهر الثلاثة حتى يوليو الماضي، نقل نحو 40 في المئة من النفط المشحون من بحر البلطيق بواسطة الأسطول المرتبط بروسيا، وتشير تقديرات تكلفة الشحن التي قدمتها “آرغوس” إلى أن هذا الأسطول قد يكون جنى إيرادات تزيد على 350 مليون دولار خلال ربع العام.

بإضافة مبلغ 800 مليون دولار الذي تم من خلاله تضخيم الرسوم، تقول الصحيفة إن هذا يعني أن الكيانات الروسية قد تكون حققت سراً مليار دولار من العائدات خلال تلك الفترة عما كان معترفاً به سابقاً.

الهند والاستحواذ على ربع الصادرات الروسية 

تستوعب الهند الآن نحو ربع صادرات النفط الخام والمكرر الروسي، إذ بلغ إجمالي صادرات روسيا النفطية العالمية 39 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة من مايو إلى يوليو 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وسمح إبقاء السعر في موانئ البلطيق أقل من سقف السعر لروسيا أيضاً باستخدام السفن ذات التأمين الغربي، في حين كان أكثر من نصف السفن خلال هذا الربع مؤمنة من قبل دول مجموعة الدول الصناعية السبع (G7)، مع 46 منها يديرها مديرو السفن اليونانيون، ومع ذلك، فإن عدد السفن الغربية ينخفض نتيجة لارتفاع أسعار النفط الخام الدولية بنسبة 15 في المئة في الشهر الماضي لتقترب من 85 دولاراً للبرميل، ودفع هذا بالأسعار الروسية إلى الأعلى وأقرب إلى الحد الأقصى.

وقيمت “آرغوس” أن متوسط الأسعار المدرجة في “بريمورسك”، وهو ميناء رئيس على بحر البلطيق، ارتفع فوق 60 دولاراً في الشهر الماضي، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة على الشركات المرتبطة بالغرب لتحويل النفط، مع استمرار الامتثال للحد الأقصى، ونتيجة لذلك، بدأ مديرو السفن التي تتخذ من اليونان مقراً لها بمغادرة سوق الخام الروسي فجأة في يوليو الماضي.

عائدات النفط الروسية عند أعلى مستوى 

كانت وكالة الطاقة الدولية قالت يوم الجمعة الماضي، إن عائدات صادرات النفط الروسية في يوليو 2023، وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ فرض الحد الأقصى، حتى دون تضمين تكاليف الشحن المتضخمة، ومع ذلك، قد تردع الأسعار المرتفعة المشترين.

وقال مسؤول نفطي هندي لـلصحيفة إن الخصم الآن يتراوح بين دولارين وعشرة دولارات للبرميل.

وقالت محللة “إنرجي أسبكتس” أمريتا سين، “قد تنخفض الواردات الهندية الآن، لأن الخصومات ليست سخية… بنوكهم أيضاً تشعر بالقلق الآن هناك دلائل على أن معظم الشحنات يتم تداولها فوق سقف السعر.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى