اقتصاد دولي

هل دخلت سويسرا في دائرة الإنقاذ بعد أزمة «كريدي سويس»؟

تدخل بنك «يو بي أس» السويسري لإنقاذ البنك المنافس «كريدي سويس»، قد تكون أزمة البنك السالف ذكره عارضة ومن الوارد أن تحدث في أي دولة أخرى، لكن الأمر يختلف كلياً عند حدوث الأزمة في سويسرا، إذ إنها بنيت على طرار مختلف وعلى أسس ونموذج اقتصادي مختلف، فقد تم بناء نموذجها الاقتصادي وهويتها الوطنية على مدار قرون، على حماية ثروات دول العالم، ولكن في تلك الأزمة لم يكن مجرد بنك يواجه أزمة، فقد تحتاج سويسرا نفسها إلى إنقاذ وفقاً لـ»وول ستريت جورنال».
أزمة «كريدي سويس» اندلعت، منذ أيام، قبل أن تتصاعد في غضون 24 ساعة، وبدأ النزيف بالمؤسسة الوطنية التي تأسست منذ 167 عاماً، مما دفع البنك المركزي السويسري على ربط خط ائتمان للبنك يزيد على الـ50 مليار دولار لإبقاء المؤسسة العريقة على قيد الحياة، في الوقت نفسه دعا المنظمون الأميركيون والمملكة المتحدة نظراءهم السويسريين للتأكد من أنهم لم يسمحوا لـ»كريدي سويس» بتخفيض الأسواق العالمية.
صدقية سويسرا:- واجتمع وزير المالية السويسري كارين كيلر ستر، ورئيس البنك المركزي توماس جوردان، والمنظم المالي مارلين أمستاد، ورئيس مجلس إدارة «يو بي أس» كولم كيلير لتقديم خيار واحد فقط وهو شراء «كريدي سويس»، في وقت شعر المديرون التنفيذيون في «يو بي أس» بالقلق من إمكانية تحطم صدقية سويسرا كمركز مصرفي عالمي.
وبعد سلسلة من المكالمات المحمومة والاجتماعات التي تم تأكيدها في برن العاصمة الاقتصادية لسويسرا، وافق بنك «يو بي أس» على شراء «كريدي سويس» مقابل 3.2 مليار دولار، وتعهدت الحكومة باستخدام الأموال العامة لإنقاذ البنك، مستعينة بقوانين الطوارئ على عجل للقيام بذلك. من جهته، قال رئيس حزب الليبراليين اليمينيين، تيري بوركارت، إن «كريدي سويس ليس فقط مجرد بنك سويسري»، مضيفاً أن «إفلاس البنك السويسري العالمي سيكون تأثيره قوياً وفورياً في كل مكان»، موضحاً أنه «سيكون هناك أضرار طويلة وصعبة في سويسرا».
ويرى محللون أن مخاوف الزوال السريع لثاني أكبر بنك في سويسرا تسببت في إحداث هزة بالأسواق المالية في العالم، مشيراً إلى أن أزمة البنك السويسري أضافت بعداً عالمياً إلى أزمة مصرفية اندلعت على الساحل الغربي للولايات المتحدة بفشل بنك «وادي السيليكون»، وفقاً لـ»وول ستريت جورنال».
وقالت الصحيفة الأميركية، إنه «لا يزال من غير الواضح ما إذا كان السويسريون قد احتووا الأضرار بالكامل، فقد كان ينظر إلى وجود بنكين عالميين (كريدي سويس ويو بي أس) على أنهما آمنان في الحفاظ على موقع سويسرا في الأسواق العالمية، لكن سقوط كريدي سويس هز السويسريين العاديين وإيمانهم بالنموذج الاقتصادي والسياسي للبلاد».
من جانبه تساءل الرئيس السابق لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مارك بيث، الذي يعمل الآن في معهد بازل للأحكام، «إذا كانت الخدمات المصرفية السويسرية تعني أحد البنوك الضخمة، فماذا لو حدث خطأ ما في ذلك؟»، مستدركاً «عندها سيكون البلد بأكمله واستقراره المالي على المحك». في تلك الأثناء، لم يعلق البنك المركزي السويسري ووزارة المالية وكذلك هيئة الرقابة على الأسواق المالية (فينما)، أفضل منظم مالي في سويسرا، على سقوط «كريدي سويس» واكتفوا بالبيانات العامة التي كانوا قد أطلقوها في وقت سابق من بداية الأزمة.
فيما قدم مصرفيون ومسؤولون سويسريون من المشاركين في المحادثات، إضافة إلى دبلوماسيين سويسريين وغيرهم من الدبلوماسيين الغربيين، تفاصيل عن خطة الإنقاذ.
سويسرا حالة خاصة في أوروبا:- لطالما نظرت الأمة السويسرية في جبال الألب إلى نفسها كحالة خاصة في أوروبا، إذ تعتبر وسيطاً محايداً وديمقراطية محكومة بشكل رشيق، كما تقدم بنوكها ملاذاً آمناً سرياً للمستثمرين والأثرياء في العالم، فيما يبلغ حجم نظامها المصرفي خمسة أضعاف حجم ناتجها المحلي الإجمالي وهو أكبر من معظم الاقتصادات، في حين أن لدى بنكي «يو بي أس» و»كريدي سويس» معاً ميزانية عمومية ضعف حجم الاقتصاد السويسري.
وسيط محايد وديمقراطية محكومة بشكل رشيق وأكثر دول العالم سرية وأماناً في الحسابات المصرفية، باتت على المحك، إذ إنه في عام 2008 سنت الولايات المتحدة قوانين تطلب من البنوك السويسرية نقل المعلومات حول العملاء الأميركيين إلى خدمة الإيرادات الداخلية، مما شكل ضربة قوية لسرية سويسرا المصرفية.
في وقت تتوتر العلاقات السويسرية مع الاتحاد الأوروبي، الذي تحيط أكبر سلطاته بأمة جبال الألب غير الساحلية، بعد أن ابتعدت سويسرا عن محادثات استمراراً على سنوات لربطها بشكل أوثق بكتلة التداول.
هل تقترب أزمة «كريدي سويس» من كارثة مالية في أوروبا؟:- واليوم تكافح سويسرا للدفاع عن سياستها التي يبلغ عمرها 200 عام للحياد في مواجهة حرب روسيا مع أوكرانيا، إذ وضعت موسكو العام الماضي سويسرا على «قائمة بلدانها غير الودية»، بعد أن انضمت الأمة غير الساحلية، التي تعرضت للضغط من قبل جيرانها الأكبر وإدارة بايدن، للانضمام لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد فلاديمير بوتين وأقرب حلفائه.
وعلى نفس المنوال، رفضت البلاد منح إذن لألمانيا أو إسبانيا أو الدنمارك لتصدير المعدات العسكرية السويسرية إلى أوكرانيا، مما فتح نقاشاً حول ما إذا كان ارتباط سويسرا بالحياد يضر بسمعتها في أوروبا.
في غضون ذلك قال الرئيس السويسري السابق ميشلين هالاي ريي لـ»وول ستريت جورنال» «لدينا الآن معضلة وتحد كبير بالنسبة لسويسرا ليتم الاعتراف بها كشريك استراتيجي»، مضيفاً أنه «في الوقت الحالي، ليس كذلك، ونحن في حالة صدمة». في حين، قال السفير الأميركي سكوت ميلر، الأسبوع الماضي، إن «سويسرا تواجه أخطر أزمة لها منذ الحرب العالمية الثانية، إذ يقوم المستثمرون الأجانب المحترقون من قبل زوال كريدي سويس بإعادة التفكير في استعدادهم للاستثمار هناك».
سويسرا قلعة للأثرياء:- وكان مؤسس «كريدي سويس» ألفرد إيشر، عراباً صناعياً لسويسرا الحديثة، إذ استخدم رجل الأعمال والسياسي البنك لضمان تمويل بناء خطوط السكك الحديدية في سويسرا، التي مرت عبر جبال الألب لربط الأمة السويسرية مع بقية أوروبا. كان بنك «كريدي سويس» يأوي أموالاً لقائمة من المليارديرات وصناديق الثروة السيادية والعائلات، وفي تسوية عام 2014 مع وزارة العدل الأميركية، ودفع البنك 2.6 مليار دولار واعترف أن المصرفيين قد قاموا بتسليم النقود ودمروا المستندات لمساعدة الأميركيين على إخفاء الثروة غير الخاضعة للضريبة.
«يو بي أس» يفقد 5 مليارات دولار في 2021
وفي عام 2021، فقد بنك «يو بي أس» السويسري أكثر من خمسة مليارات دولار، عندما انهارت شركة «أركيغوس كابيتال مانيغمن»، مما مثل بداية لتعثرها في البنك.
في حين ضم آخر فريق أدار «كريدي سويس» عديداً من المديرين الذين جاؤوا من بنك «يو بي أس»، بمن فيهم رئيس مجلس الإدارة إكسيل ليهمان والرئيس التنفيذي أولريتش كورنير.
وحتى بعد جمع رأس المال بقيمة أربعة مليارات دولار في أواخر العام الماضي، لإعادة هيكلة أعمق، تم تداول «كريدي سويس» بنسبة 20 في المئة فقط، من قيمتها الدفترية، فيما سحب العملاء نحو 120 مليار دولار من البنك في الخريف الماضي خلال جنون الإنترنت بسبب قلق حول صحة البنك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى