اقتصاد دولي

لماذا تحتاج أميركا إلى زيادتين في أسعار الفائدة لاستئصال التضخم؟

سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة مما كان متوقعاً لاستئصال التضخم، وفقاً لغالبية الاقتصاديين الأكاديميين البارزين الذين توقعوا عبر استطلاع أجرته صحيفة «فايننشيال تايمز» زيادتين إضافيتين في الأقل على سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة هذا العام. وتوقع الاستطلاع الحديث الذي أجري بالشراكة مع مركز «كنت إيه كلارك» للأسواق العالمية في كلية إدارة الأعمال بجامعة «شيكاغو» أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي معدله القياسي إلى 5.5 في المئة في الأقل هذا العام، في وقت تشير أسواق العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي إلى أن المتداولين يفضلون ارتفاعاً واحداً آخر في سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة خلال يوليو (تموز) المقبل.
وكان كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أشاروا إلى تفضيلهم التخلي عن رفع سعر الفائدة خلال اجتماعهم المقبل الذي يستمر يومين اعتباراً من الثلاثاء، 13 يونيو (حزيران) الجاري، مع إبقاء الباب مفتوحاً لمزيد من التضييق.
10 زيادات
وبعد 10 زيادات متتالية منذ مارس (آذار) 2022، يتراوح معدل الأموال الفيدرالية الآن ما بين خمسة و5.25 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ منتصف عام 2007.
ومن بين 42 اقتصادياً شملهم الاستطلاع الذي أجري بين الخامس والسابع من يونيو الجاري، توقع 67 في المئة أن يصل معدل الأموال الفيدرالية إلى ذروته بين 5.5 وستة في المئة هذا العام، ارتفاعاً من 49 في المئة عبر الاستطلاع السابق الذي استمر أياماً فقط بعد سلسلة إخفاقات البنوك في مارس الماضي.
وفي حين قال أكثر من نصف المستجيبين إن معدل الذروة سيتحقق خلال الربع الثالث أو قبله، توقع أكثر من الثلث بقليل الوصول إليه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، إلا أنه من غير المتوقع حدوث خفوضات حتى عام 2024، مع توقع الغالبية الأولى في الربع الثاني أو بعد ذلك.
وقال الخبير الاقتصادي الذي عمل في بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا 14 عاماً، دين كروشور، «لم يفعلوا ما يكفي لفترة كافية حتى الآن لخفض التضخم». وأضاف، «إنهم يسيرون على الطريق الصحيح، لكن المسار سيكون أطول وأكثر تعقيداً مما كانوا يعتقدون».
التضخم واستنزاف زيادات الفائدة
وعلى رغم أن التوقعات المتزايدة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم ينته بعد من حملته المشددة، اعتقد معظم الاقتصاديين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتخطى الزيادة خلال يونيو الحالي، إذ قال ما يقارب 70 في المئة من المستجيبين إن القيام بذلك سيكون الخيار الصحيح، لأنه لم يتضح بعد ما إذا كان معدل الفائدة مرتفعاً بما يكفي لخفض التضخم، وأنه يمكن للمسؤولين أيضاً استئناف الزيادات إذا لزم الأمر.
كيف أصبحت قوة المستهلك أعظم خطرا من الديون أمام «المركزي الأميركي»؟
من جانبه قال الأكاديمي الذي كان عمل في كلية «سلون للإدارة» بمعهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، جوناثان باركر، إن «الاقتصاد أكثر مرونة بكثير مما كنا نظن في الأصل، والسؤال هل هذه المرونة موقتة والزيادات في أسعار الفائدة كافية أم أن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى مزيد من الرفع للفائدة؟».
ويعتقد باركر أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتوقف موقتاً ليرى ما إذا كان بإمكانه قراءة أفضل من هذين الأمرين، ومع ذلك فهو يرى أن البنك سيقوم برفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة في الأقل.
وقال الأكاديمي في كلية الدراسات العليا بإدارة الأعمال في «ستانفورد» آرفيند كريشنامورثي، إن الآثار الاقتصادية غير مؤكدة إلى حد كبير، ولكن من الواضح أن أزمة ائتمانية جارية مما يشير إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي قد لا يحتاج إلى فعل الكثير في ما يتعلق برفع أسعار الفائدة للحصول على نتيجة التضخم نفسها.
مشكلات التضخم تتجاوز نظيرتها المصرفية
لكن من بين المستجيبين لاستطلاع الصحيفة بدا أن المخاوف في شأن التضخم تفوق مخاوف القطاع المصرفي، فعند المقارنة بشهر مارس الماضي ارتفع متوسط التقدير لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بمجرد إزالة كلف الغذاء والطاقة، وهو مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، بمقدار 0.2 نقطة مئوية أعلى إلى أربعة في المئة بحلول نهاية العام، واعتباراً من أبريل الماضي سجلت وتيرة سنوية قدرها 4.7 في المئة أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة.
الركود قادم
أما بخصوص تراجع توقعات الركود الاقتصادي للبلاد فلا يرى معظم الاقتصاديين أن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية سيعلن حدوث الركود حتى عام 2024، مقارنة مع المسوح التي أجريت العام الماضي وتوقع فيها 80 في المئة تقريباً حدوث ركود عام 2023، إذ قال حوالى 70 في المئة إن ذروة معدل البطالة في فترة الركود المقبلة لن يتم الوصول إليها حتى الربع الثالث من عام 2024 أو بعد ذلك.
من جانبه قال الأكاديمي في جامعة «هارفارد» غابرييل تشودورو رايش إنه يستعد لركود معتدل ترتفع فيه البطالة إلى حوالى ستة في المئة.
وبحلول نهاية عام 2024 قال ما يقارب ثلث المستجيبين إنه من المحتمل «إلى حد ما أو «جداً» أن تتجاوز نفقات الاستهلاك الشخصي الأساس ثلاثة في المئة، في حين قال أكثر من 40 في المئة إن الأمر «محتمل وليس كذلك»، في حين يعتقد المستشار الاقتصادي السابق في إدارة أوباما جيسون فورمان أن البنك المركزي سيحتاج إلى رفع معدل الأموال الفيدرالية إلى ستة في المئة في الأقل، وهي وجهة نظر 12 في المئة ممن شملهم استطلاع الصحيفة.
وقال 48 في المئة من الاقتصاديين إن أكبر العوامل التي تؤدي إلى انخفاض معدل التضخم ستكون زيادة البطالة وانخفاض مكاسب الأجور، تليها الرياح المعاكسة العالمية الناجمة عن ضعف الاقتصاد الصيني والدولار الأميركي القوي.
ومع ذلك لا يتوقع معظم الاقتصاديين ارتفاعاً ملموساً وشيكاً في معدل البطالة، والمتوقع بلوغه نهاية العام الحالي 4.1 في المئة، وهو أعلى قليلاً من مستواه الآن والبالغ 3.7 في المئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى