اقتصاد دولي

أباطرة الاحتكار يتهربون من أزمة السجائر في مصر

في الوقت الذي تشتعل فيه أزمة شح السجائر في السوق المصرية يبرر عدد كبير من التجار هذه الأزمة بشح الدولار، لكن البيانات والأرقام الرسمية تشير إلى أنه لم يحدث أي نقص في الكميات المنتجة، وأن الأزمة الحالية مرتبطة باتجاه عدد من كبار التجار إلى تخزين كميات كبيرة من السجائر ترقباً لحدوث تعويم جديد للجنيه المصري بالتالي زيادة الأسعار بنسب كبيرة.

ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر يواجه المصريون أزمة كبيرة تتعلق بارتفاعات كبيرة في أسعار الأصناف الأكثر انتشاراً في السوق المحلية، وعلى رأسها سجائر “كليوباترا” التي تعد الأقل سعراً في السوق، إضافة إلى سجائر “إل إم”. وعلى رغم عدم زيادة الشركة المنتجة أسعار هذه الأنواع خلال الفترة الماضية، فإن أسعارها ارتفعت بشكل مفاجئ بنسب تصل إلى أكثر من 130 في المئة.

وفيما تطرح الشركة المنتجة سجائر “كليوباترا” بسعر 24 جنيهاً (0.77 دولار) لكن يتم بيعها في السوق بنحو 55 جنيهاً (1.78 دولار). أيضاً تطرح الشركة سجائر “إل إم” بسعر 42 جنيهاً (1.36 دولار) لكن يتم بيعها بنحو 65 جنيهاً (2.1 دولار).

أزمة خفض الجنيه مقابل الدولار تلقي بظلالها

في تصريحات حديثة قدر الرئيس التنفيذي لأكبر شركة إنتاج سجائر في مصر،هاني أمان نسبة المدخنين في البلاد بنحو 18 في المئة من مجمل الشعب المصري. وقال إن “هؤلاء يستهلكون نحو 100 مليار سيجارة سنوياً، بمعدل خمسة مليارات علبة سجائر”. وأشار إلى أن “الشركة تنتج 70 مليار سيجارة في العام، وحصة الشركة من السوق المصرية تتراوح بين 70 و75 في المئة”.

وأوضح أن شهر يونيو (حزيران) من كل عام يشهد طلباً زائداً على السجائر من قبل التجار، لأن هناك اعتقاداً بوجود زيادة ضريبية مع السنة المالية الجديدة، بالتالي يحدث نوع من التخزين للاستفادة من فروق الأسعار. وذكر أن الموسم الحالي شهد تخزيناً للسجائر بصورة أكبر مما حدث في السنوات الماضية، مما انعكس على الأسعار بصورة غير منطقية، وهذا الارتفاع في الأسعار شجع فئة أخرى من المنتهزين للاستفادة من هذه الأزمة. وأضاف “توجد نوعية جديدة ليسوا تجاراً اشتروا كميات من السجائر للبيع بأسعار كبيرة حال حدوث تعويم أو خفض لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي خلال الفترة المقبلة”.

وقال إن السعر الحقيقي لعبوة سجائر كليوباترا يبلغ نحو سبعة جنيهات (0.22 دولار) من الشركة من دون الضرائب أو رسوم التأمين الصحي، مؤكداً أنه مع إضافة الضرائب والرسوم يصل السعر الرسمي للمستهلك إلى 24 جنيهاً (0.77 دولار)، مشيراً إلى أن هذا السعر الحقيقي من دون ضرائب أو رسوم يتضمن كل الكلفة التي تخص الشركة بما فيها استيراد المواد الخام وصناعتها وأجور العاملين وغيرها من الكلف.

وأشار إلى أن ذلك يأتي في الوقت الذي يحقق فيه بعض التجار مكاسب تتجاوز أربعة أضعاف السعر الحقيقي من دون ضرائب أو رسوم، وهي زيادات مريبة وغير طبيعية، وقد يكون لها أهداف أكبر من مجرد جشع تجار. وأوضح أنه من بين أسباب أزمة ارتفاع أسعار السجائر لجوء بعض التجار إلى تخزين كميات منها، مع اعتياد رفع الضرائب على السجائر في بعض السنوات مع بداية العام المالي، من أجل بيعها استغلالاً للفرق في قيمة الضرائب.

وقال إن المستهلكين أيضاً رفعوا طلباتهم على السجائر أكثر بعد ظهور الأزمة بهدف تأمين حاجاتهم، خوفاً من عدم قدرتهم على الحصول على المنتج مرة أخرى بالأسعار نفسها، مما أدى إلى طلب غير حقيقي من المستهلك، بما أسهم في تفاقم الأزمة مع زيادة الطلب. وذكر أن عدداً كبيراً من تجار السجائر في منطقة باب البحر بالقاهرة، وجزء كبير منهم تجار جملة، غير مسجلين لدى الشركة، ويبيعون كميات من السجائر غالباً تكون مهربة من أجل التحكم في السوق.

ضبط كميات كبيرة في مخازن التجار

أحد التجار والموزعين بمحافظة الجيزة قال لـ”اندبندنت عربية” إن الشركة لم تقلل الكميات التي تطرحها في السوق المحلية، لكن المشكلة في بعض التجار الذي يرفضون طرحها على المحال والموزعين، في ظل الحديث عن تعويم وشيك للجنيه المصري بالتالي سترتفع أسعار جميع السلع ومن بينها السجائر.

وقبل أيام تمكنت الأجهزة الأمنية بمحافظة القاهرة من ضبط مخزن للسجائر يرفض توزيع الكميات التي يحصل عليها، وتمكنت السلطات من ضبط نحو 180 ألفاً و500 علبة سجائر. وفي تعليقها، أشادت شعبة الدخان بالغرفة التجارية بالقاهرة باتجاه السلطات إلى تضييق الخناق على المحتكرين، واقترحت توزيع الكميات المضبوطة من السجائر داخل منصات وطنية تابعة للدولة، لحل أزمة ارتفاع أسعار السجائر، وبهذا الشكل سيتم توفير السجائر والقضاء على جشع التجار. وقالت وفق بيان إن زيادة إنتاج الشركة الشرقية للدخان من السجائر والمعسل لمواجهة زيادة الأسعار ليست حلاً لإنهاء المشكلة، لأن هذا الحل تم تقديمه من قبل ولم يحل الأزمة.

في السياق ذاته أشاد رئيس الشركة الشرقية للدخان بتوجيهات مجلس الوزراء بتوفير المواد الخام اللازمة لعمليات التصنيع لمنتجات شركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني”. وشدد على أن الشركة ستضخ خلال الفترة المقبلة كميات كبيرة من السجائر للتجار المعتمدين بالسعر الرسمي لدى الشركة، لافتاً إلى أن المعروض من السجائر سيكون كبيراً، مما يعمل على توازن أسعار السجائر. وقال إن الشركة واجهت بعض المشكلات في توريد المواد الخام، حين قام بعض التجار بتخزين المنتجات وحجبها استعداداً لزيادة أسعار السجائر في الشهر الماضي أو تقلبات سعر الدولار.

وشدد على التزام الشركة بتوريد حاجات السوق من السجائر، ورفع الإنتاج بنسبة 30 في المئة إلى 150 مليون سيجارة يومياً، لكنه أشار في المقابل إلى أن الطلب غير الحقيقي بغرض التخزين قادر على امتصاص أي زيادة في المعروض، طالما استمرت ظاهرة الاحتكار وتخزين شريحة من كبار التجار كميات كبيرة من السجائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى