مقالات اقتصادية

هل يتعثر صعود الدولار الأميركي بعد تثبيت أسعار الفائدة؟

متخصصون يتوقعون هبوطاً وعراً للعملة الخضراء مع استمرار تراجع حصته في احتياطات البنوك المركزية

كتب أسامة صالح

تترقب الأسواق موقف الدولار الأميركي بعد أيام قليلة من توقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عن سياسته المتشددة بشكل موقت بتثبيت أسعار الفائدة بعد 10 مرات من الرفع المتتالي في محاولات لكبح جماح التضخم المستشري.
سياسة التشدد النقدي التي اتبعها الفيدرالي على مدار الفترة الماضية دعمت موقف الدولار الأميركي بقوة غير متوقعة نظراً للإقبال الشديد على الورقة الخضراء الأميركية.
في غضون ذلك تشير توقعات المتخصصين إلى أن توقف الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة حتى ولو بشكل موقت قد تضعف من قوة الدولار الأميركي.
في التعاملات الأخيرة، انخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل ست عملات أخرى، بعد أن وصل إلى أعلى مستوى في 20 عاماً خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنه لا يزال يتداول بالقرب من أعلى مستوياته في عدة سنوات.
وعن ذلك قالت كبيرة مسؤولي الاستثمار في “مورغان ستانلي ويلث مانغمنت” ليزا شاليت، إن “بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة منذ نحو 40 عاماً، ما أدى إلى جذب تدفقات دولارية ضخمة دولارية دعمت موقف العملة الأميركية مقابل سلة العملات العالمية”.
الدولار القوي يؤثر على الأسعار والسياحة والتجارة
أضافت شاليت أن “تأثير قوة الدولار يمتد إلى أجزاء مختلفة من الصورة الاقتصادية في السوق الأميركية، خصوصاً في قطاعات التجارة الدولية إلى السياحة”، موضحة أن “الدولار القوي يؤثر بشكل مباشر على كلفة استيراد البضائع، بعدما أصبحت المنتجات المصنوعة في البلدان الأجنبية أرخص مقارنة بالسلع المصنعة داخل أراضي الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أن “ذلك يفيد عملاء المتاجر الكبرى، مثل (وول مارت) التي تبيع سلعاً أجنبية الصنع”، قائلة “حتى مع تعرض الولايات المتحدة للتضخم، تظل هذه المنتجات أرخص نسبياً”.
من جهته، قال الزميل الأول في معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي جوزيف غانيون إن “أحد أهم الأبعاد التي لا تحظى بالتقدير الكافي عند تقييم الدولار القوي هو أنه يؤثر على التضخم ومع ذلك، هناك جوانب سلبية لقوة الدولار، إذ تبدو السلع المصنوعة في الولايات المتحدة أكثر كلفة مقارنة بالواردات الأرخص، مما يقلل من إجمالي قيمة وحجم الصادرات الأميركية”.

أضاف “عندما يتراجع حجم تصدير الشركات الأميركية، فهذا يعني أنها لا تنتج نفس القدر، لذا فهي لا تحتاج إلى العدد نفسه من العمال، بالتالي انخفاض الناتج الإجمالي للشركات”، مشيراً إلى أن ذلك يؤدي إلى تحقيق خسائر كبيرة للموازنة الأميركية والناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم”.
واستدرك غانيون قائلاً “لكن هذا ليس الضرر الوحيد الذي تسببه قوة الدولار الأميركي، إذ قوة العملة الخضراء قد تدفع الأميركيين السفر إلى خارج البلاد للسياحة إلى البلدان الأرخص نسبياً في أوقات قوة الدولار، وهو ما يضر بالسياحة داخل الولايات المتحدة”.
وأضاف أن “قدوم الأجانب إلى الولايات المتحدة في ظل ارتفاع قيمة الدولار يجعل الأمر أكثر كلفة عليهم مما يقلل الطلب على المطاعم والفنادق والمعالم السياحية الأميركية”.
الدولار أقوى مما كان متوقعاً
غالباً ما يطلق على الدولار الأميركي “عملة الملاذ الآمن” لاستقراره الملحوظ، إذ إنها العملة الأشهر والأكثر استخداماً في المعاملات الأجنبية في باقي دول العالم.
إلى ذلك، فإن قوة العملة الأميركية المستمرة في الآونة الأخيرة، حتى مع محاولة البنك المركزي لكبح الاقتصاد الأميركي، كانت مفاجئة للبعض ممن يتتبعون العملة.
وقال غانيون إن “الدولار الأميركي كان قوياً للغاية لأن الاقتصاد الأميركي كان قوياً نسبياً من معظم الاقتصادات الأخرى، إذ أدى الضعف النسبي في الاقتصادات الأوروبية والآسيوية إلى زيادة شهية المستثمرين للدولار”.

في المقابل، لا تتوقع “وول ستريت” أن يستمر ارتفاع الدولار الأميركي مقابل سلة العملات العالمية إلى الأبد، وقال “غولدمان ساكس” في مذكرة للمستثمرين إنه “يتوقع حدوث هبوط وعر للدولار في النصف الثاني من هذا العام وحتى عام 2024″، بينما أعلن “دويتشه بنك” للمستثمرين أنه “يتوقع ضعفاً متوسط الأجل للعملة الأميركية”، مشيراً إلى أنه “في نهاية المطاف يتجه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو التيسير النقدي، ثم ما يليه تخفيضات أسعار الفائدة خلال العام المقبل”.
في غضون ذلك، لا يتفق جميع المتخصصين على أن الظروف مواتية لضعف الدولار حتى الآن، إذ قال غانيون “لا أرى أي شيء في الأفق من شأنه أن يضعف الدولار”، مستدركاً “لكن على المدى الطويل، يمكن لعديد من التطورات أن تتحدى هيمنة الدولار الأميركي”، مشيراً إلى مستويات ديون الولايات المتحدة المتزايدة وتقلص شهية المستثمرين الأجانب للديون الأميركية، إلى جانب تزايد الحديث عن “إزاحة الدولار”، مما يعني أن الدول تقلل من اعتمادها على الدولار الأميركي كعملة احتياطية.
حصة الدولار في الاحتياطات العالمية تتراجع
في ما يتعلق بحصة الدولار الأميركي في الاحتياطات الموجودة لدى البنوك المركزية، كان صندوق النقد الدولي أكد أن حصة الدولار في احتياطات النقد الأجنبي العالمية انخفضت في نهاية عام 2022 إلى 58.36 في المئة وهو أدنى مستوى خلال 27 عاماً، موضحاً أن “العملات غير الاحتياطية أصبحت المستفيد الرئيس، إذ قفزت حصتها إلى الحد الأقصى منذ منتصف عام 2012”.
وذكر الصندوق أن حصة الدولار تراجعت في احتياطات النقد الأجنبي العالمية في عام 2022 إلى أدنى مستوى منذ عام 1995، مشيراً إلى أن انخفاض حصة الدولار الأميركي كان الأقوى بين جميع العملات، كما انخفضت حصة اليورو بنسبة 0.12 في المئة إلى 20.47 في المئة، واليوان الصيني بنسبة 0.11 في المئة إلى 2.69 في المئة، والين الياباني بنسبة 0.01 في المئة إلى 5.51 في المئة.
لكن في المقابل، ارتفعت حصة الجنيه الاسترليني بنسبة 0.14 في المئة والدولار الأسترالي بنسبة 0.12 في المئة إلى 1.96 في المئة، والفرنك السويسري بنسبة 0.06 في المئة إلى 0.23 في المئة، فيما حافظ الدولار الكندي على حصته كما هي عند مستوى 2.38 في المئة.
وكانت نسبة الدولار من الاحتياطات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم عند طرح العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” عام 1999 عند أكثر من ثلثي الاحتياطات العالمية وتحديداً عند 71 في المئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى