اقتصاد دولي

هل اقتربت ليبيا من دخول “نفق فنزويلا” الاقتصادي؟

ازداد توهج فتيل الحرب الكلامية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، ومحافظ المصرف الليبي المركزي، الصديق الكبير، وذلك بعد إعلان رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، عن فرض ضريبة تبلغ 27 في المئة على مشتريات العملات الأجنبية بطلب من الكبير في إطار تعديل سعر صرف الدينار أمام الدولار الذي بلغ سعره في السوق الموازية 7 دنانير في حين ناهز 4.85 دينار ليبي في المصرف المركزي. 

وخرج الدبيبة في كلمة أمام الشعب الليبي رافضاً قرار فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي، واصفا القرار بـ”الفردي”.

وقال في كلمته إن “ليبيا تواجه الآن قراراً فردياً ومؤسفاً يريد أن يسرق 27 في المئة من مدخرات ليبيا، ومن جيوب المواطنين الليبيين الكادحين ومرتباتهم، ويجب رفضه من الجميع”.

تضليل

وفي إطار رده على كلام الدبيبة قال رئيس المصرف الليبي المركزي إن “ما أورده الأخير هو كلام غير واقعي ومحاولة لتقديم صورة وردية للاقتصاد الليبي، يعد تضليلاً للرأي العام”، مشدداً أن “المصرف المركزي هو المستشار الاقتصادي للدولة وفقاً للتشريعات النافذة، وصار لزاماً عليه تحمل المسؤولية الوطنية لإيضاح حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي للدولة لوضع الأمور في نصابها”.

ونبه رئيس المصرف المركزي من الأزمات المتربصة بالاقتصاد الليبي خاصة أنه يعتمد على مصدر تمويل واحد وهو النفط ويعاني من عدم التنوع.

“نفق فنزويلا”

وأمام هذه الأزمة، دق مراقبون ناقوس خطر انزلاق ليبيا تجاه نفق فنزويلا (دخلت في أزمة اقتصادية منذ 2013 أدت إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع الدين العام وازدياد البطالة بسبب عدم تنوع مصادرها الاقتصادية واعتمادها على النفط فقط)، خاصة أن البلدين يعتمدان على النفط كمصدر اقتصادي، الأمر الذي استبعد البعض الآخر حدوثه على المدى المتوسط، خاصة إذا سارعت ليبيا لتنويع اقتصادها وتنشيط دائرة الزراعة والصناعات التحويلية.

وأوضح المستشار المصرفي إبراهيم الحداد، “رغم أن الوضع الليبي العام يختلف بعض الشيء عن وضع فنزويلا إلا أن هناك تقارباً في حيثيات الأزمة واتفاق في الاقتصاد الريعي غير المتنوع والذي يعتمد على مصدر واحد هو النفط”.

وأكد أن ما يحدث في ليبيا حالياً يقارب أكثر الوضع الذي حدث في دول جنوب شرق آسيا عام 1997، والذي تميز بنمو السوق الموازي بالمضاربة على سعر العملة، وشبه أيضاً الوضع الاقتصادي الليبي بما حدث للمكسيك عام 1994، عندما قامت بتعويم عملتها المحلية مع رفع القيود على التحويلات الخارجية بتوصية من صندوق النقد الدولي فانهارت عملتها الوطنية واستنزف احتياطها من النقد الأجنبي.

الأسباب 

وعزا الحداد اضطراب الاقتصاد الليبي إلى عدة عوامل يأتي على رأسها غياب كامل للسياسات المالية والاقتصادية والنقدية إضافة إلى عدم كفاءة إدارة الحكومات المتتالية وإهدارها للمال العام بالإنفاق العشوائي من دون ميزانيات حقيقية إضافة إلى انتشار الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة.

وشدد أن ما زاد الأمور تفاقماً هو عدم كفاءة إدارة السلطة النقدية (مصرف ليبيا المركزي) وذلك من خلال الانفراد برسم السياسات وإصدار التعليمات واتخاذ القرارات وفق سياسة ممنهجة الأمر الذي نتج عنه تخبطاً وانحرافاً عن أهداف المصرف المركزي الحقيقية مما تسبب في خلق عدم استقرار واضطراب في الوضع المالي والاقتصادي والمصرفي.

وتابع الحداد أن جميع الأسباب المذكورة جعلت المصرف المركزي يلجأ إلى تعويم الدينار وفرض ضرائب على بيع النقد الأجنبي لتغطية الديون والتوسع في إصدار النقد المحلي من دون دراسة، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى نقص في السيولة وارتفاع شديد بالمستوى العام للأسعار وضعف بالقوة الشرائية نتيجة لفقدان الدينار الليبي لقيمته الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى الركود الاقتصادي والتجاري الحاد وإلى التضخم الذي يتجه هو الآخر نحو التضخم التراكمي بسبب التوسع النقدي حيث نشط السوق الموازي في المضاربة على العملة الأجنبية ما نتج عنه ارتفاع في قيمتها قابله انخفاض في قيمة الدينار الليبي.

المعالجة 

وفي شأن الحلول الممكنة لإنقاذ الاقتصاد الليبي من الدخول في “نفق فنزويلا” نصح الحداد بإعادة هيكلة إدارة مصرف ليبيا المركزي ووضع سياسات نقدية ومالية واقتصادية وفق دراسات علمية وخطط وبرامج مدروسة. وقال إن إصدار النقد المحلي وسحب أي فئة منه يجب أن يتم بناء على دراسة دقيقة لمتطلبات السوق والحركة التجارية. ودعا للمحافظة على ثبات المستوى العام للأسعار وذلك بالربط بين كمية النقود المعروضة وبين كمية السلع والخدمات المتاحة في السوق لتفادي التوسع النقدي.

وطالب الحداد بضرورة تحقيق استقرار نقدي واقتصادي من خلال تجنب التغيرات المؤثرة على قيمة العملة الوطنية الدينار داخلياً وخارجياً. وربط تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي بزيادة المخصصات التنموية من أجل زيادة معدلات الناتج الإجمالي المحلي، مؤكداً أهمية التنسيق بين الحكومة والمصرف المركزي لتحديد ووضع موازنة استيرادية وضبط عملية التجارة الخارجية من قبل وزارة الاقتصاد منبهاً إلى ضرورة العمل على تحقيق التوازن المطلوب في ميزان المدفوعات من قبل المصرف المركزي والاهتمام بإدارة احتياطيات الدولة من الذهب والنقد الأجنبي وتنميتها باعتبارها صمام الأمان لاستقرار الدولة اقتصادياً ونقدياً.

قرار خاطئ

واستبعد المحلل الاقتصادي عبد الحميد الفضيل، إمكانية انزلاق ليبيا نحو “نفق فنزويلا” الاقتصادي، على المدى المتوسط، باعتبار أن ليبيا تمتلك احتياطات مهمة من النقد الأجنبي تقدر بـ 85 مليون دولار ما بين نقد أجنبي وسندات دولية وذهب. واستغرب ذهاب رئيس مجلس النواب ورئيس المصرف المركزي لفرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي خاصة أن المؤشرات الاقتصادية لا تدعو المصرف المركزي إلى اتخاذ مثل هكذا قرار باعتبار أن الفائض في استخدامات النقد الأجنبي خلال الـ3 سنوات الماضية (2021-2023) كان في حدود 71 مليار دولار بينما حجم الإيرادات العامة بلغ 75 مليون دولار، أي بقيمة فائض في استخدامات النقد الأجنبي تقدر بـ 4 مليارات دولار وهو مؤشر جيد لا يدعو المصرف ورئيس مجلس النواب إلى فرض ضريبة بنسبة 27 في المئة.

وتابع الفضيل أن ليبيا تشهد استقراراً في إنتاج النفط يناهز 1.2 مليون برميل نفط يومياً، وهذه جميعها عناصر لا تصب نهائياً في خانة فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بحجة الطلب المرتفع عليه خلال 2023.

واستدرك قائلاً “صحيح إن الطلب على النقد الأجنبي قدر بزيادة ما يقارب من 5.5 مليارات دولار عما كان عليه عام 2022، كما أن عرض النقود ارتفع بما يقارب 137.9 مليار دولار عام 2023، حيث ناهز عام 2022 حدود 118 مليار دولار، ولكن هذه المؤشرات مجتمعة لا تكفي لفرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي لكافة الأغراض سواء كانت الشخصية أو التجارية”، وفق تعبيره.

تنويع الاقتصاد

وربط المتخصص بالشأن الاقتصادي عدم انزلاق ليبيا تجاه نفق فنزويلا بالتوجه سريعاً نحو تنويع الاقتصاد الليبي، لأن قطاع النفط يمر دائماً بعدة صدمات منها تغير الأسعار ومهدد دائماً بالإغلاقات وهو ما من شأنه أن ينعكس سلباً على الميزانية العامة للدولة الليبية من خلال حدوث عجز، أمر سبق وحدث طيلة السنوات الماضية.

وأوضح أن أي صدمات في أسعار النفط العالمية أو أي إغلاقات قصرية للحقول النفطية ستؤدي إلى انخفاض الإيرادات العامة التي تعتمد بنسبة 98 في المئة على الإيرادات النفطية وستقود نحو انخفاض في النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي، ما سيؤدي إلى استنزاف احتياطات المصرف من العملة الصعبة، لذا؛ وجب التوجه نحو تنويع الاقتصاد الليبي بحيث يكون هناك مصادر مختلفة لدخل الدولة التي يجب أن تتجه لقطاع الزراعة والصناعة والخدمات.

واستدرك الفضيل قائلاً إن “عملية التنويع بحد ذاتها تحتاج إلى دولة قائمة ومؤسسات اقتصادية غير منقسة على نفسها وهو أمر غير متوفر في ليبيا فالحديث عن تنويع قاعدة الإنتاج في ليبيا يتطلب وجود مؤسسة سياسية واحدة”.

وقال إن بعض الدراسات التي أنجزت خلال السنوات القليلة الماضية أشارت إلى أن درجة التنويع الاقتصادي الليبي ضعيفة جداً إذ لوحظ حسب مؤشر “Herfindahl – Hirschman” الاقتصادي أن درجة التنويع الاقتصادي في أحسن الأحوال قدرت بـ 0.5 وهو ما يعكس ضعف قاعدة التنويع الاقتصادي الليبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى