أخبار عاجلةاقتصاد دولي

الاقتصاد التونسي تحت ضغط الواردات الخارجية وسط تراجع الإنتاج المحلي

اتسمت الحركة التجارية لتونس في السنوات الأخيرة بالخضوع لتبعية اقتصادية لبلدان استحوذت على جزء كبير من الواردات التي تتزود بها البلاد، وارتبطت بقائمة معينة من الدول المزودة لها بسلع اعتبر جزء منها حيوياً، كما تبين أن التبعية تسير بالتوازي مع العجز التجاري مع معظم هذه الدول ما أظهر عدم تنويع الشركاء الاقتصاديين وتداعياته الخطيرة التي أظهرتها الحرب الروسية – الأوكرانية بسبب الارتباط الكلي بأسواق بذاتها في التزود بمواد أساسية مثل الزيوت والحبوب والأعلاف.

عجز مستفحل

وأشار متخصصون إلى عدم ظرفية الأشكال إذ يعاني الميزان التجاري التونسي من عجز مستفحل مع هذه البلدان ما يشير بوضوح إلى معضلة هيكلية تحتم رسم خطة إصلاح بحكم ما يؤدي إليه من مخاطر كبرى مهددة للسيادة الاقتصادية، ويمكن تجاوزها عبر مراجعة خريطة المبادلات التجارية والاتفاقيات المشتركة مع عدد من البلدان إضافة إلى الاعتماد على الذات وبناء اقتصاد قوي يؤسس للاكتفاء الذاتي من المواد الحيوية ويستفيد من الخبرات الأجنبية في هذا الشأن ما يمهد لفك الارتباط بالسوق الخارجية بخصوص السلع الأساسية وتفادي مخلفات التقلبات فيها.

الواردات تسجل 23.56 مليار دولار

وحافظ الميزان التجاري التونسي على مساره في الأشهر الـ11 الأولى من 2022، إذ واصلت وتيرة الواردات في الارتفاع على الرغم من زيادة مستوى الصادرات بنسبة 24 في المئة مقارنة بـ20.4 في المئة في فترة المقارنة نفسها من عام 2021. وارتفعت قيمة الواردات بنسبة 33 في المئة مقارنة بـ21.7 في المئة خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2021 بعد أن زادت قيمتها إلى 75.4 مليار دينار (23.56 مليار دولار) مقابل 56.7 مليار دينار (17.7 مليار دولار) تم تسجيلها خلال الفترة نفسها من سنة 2021.

وبلغ عجز الميزان التجاري نحو 23.28 مليار دينار (7.43 مليار دولار) في الأشهر الـ11 الأولى من 2022 مقابل 14.65 مليار دينار (4.57 مليار دولار) خلال فترة المقارنة نفسها من عام 2021 وهو ما يعني أن نسبة تغطية الواردات بالصادرات شهدت تراجعاً بـ5.1 نقطة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021 حيث بلغت 69.1 في المئة.

وتعود الزيادة في قيمة الواردات إلى ارتفاع بند مواد الطاقة بنسبة 87 في المئة والمواد الأولية، ونصف المصنعة بنسبة 35.8 في المئة، ومواد التجهيز بنسبة 12.5 في المئة، وكذلك المواد الاستهلاكية بنسبة 14 في المئة.

44.2 في المئة من الواردات من “الاتحاد الأوروبي”

وشكلت واردات تونس من السلع والخدمات من دول الاتحاد الأوروبي نحو 44.2 في المئة بقيمة بلغت 33.3 مليار دينار (10.4 مليار دولار) من إجمالي قيمة الواردات بزيادة قدرها 22.3 في المئة، وبلغت حصة الواردات من فرنسا نحو 16.6 في المئة ومع إيطاليا بنسبة 44.2 في المئة ومع ألمانيا بنسبة ثمانية في المئة. ويعود عجز الميزان التجاري للسلع المسجل على المستوى الإجمالي للمبادلات في الأساس إلى العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين وقدره 7.9 مليار دينار (2.46 مليار دولار)، وتركيا 3.6 مليار دينار (1.12 مليار دولار)، والجزائر 3.2 مليار دينار (مليار دولار)، وروسيا 2.5 مليار دينار (781مليون دولار)، وكذلك إيطاليا 2.2 مليار دينار (687 مليون دولار)، وإسبانيا 735 مليون دينار (229.6 مليون دولار).

في المقابل، حققت تونس فائضاً على صعيد المبادلات التجارية مع عديد من البلدان الأخرى وأهمها فرنسا بقيمة 4.05 مليار دينار (1.26 مليار دولار)، وألمانيا 2.7 مليار دينار (843 مليون دولار)، وليبيا 1.68 مليار دينار (525 مليون دولار). وينخفض مستوى عجز الميزان التجاري من دون احتساب قطاع الطاقة إلى حدود 14.8 مليار دينار (4.62 مليار دولار)، علماً أن العجز التجاري لقطاع الطاقة بلغ 9.19 مليار دينار (2.87 مليار دولار) ما يمثل 39.5 في المئة من العجز الإجمالي، مقابل 4.5 مليار دينار (1.4 مليار دولار) تم تسجيله خلال الأشهر الـ11 الأولى من سنة 2021.

361 صنفاً حرجاً وحساساً

واستوردت تونس 361 منتجاً اعتبر من فئات السلع الحساسة ما يعادل 24.3 في المئة من إجمالي وارداتها سنة 2021، ما اعتبره المتخصص في الاقتصاد والأستاذ الجامعي بالمعهد العالي للدراسات التجارية بقرطاج عبدالقادر بودريقة مؤشراً إلى تبعية اقتصادية ذات مستوى مخاطر مرتفع جداً مقارنة بالمعدلات العالمية، وفق دراسة قام بها حملت عنوان “خريطة التبعية الاستراتيجية لتونس”. ولفت إلى أن “أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية أبرزت عمق التبعية الاقتصادية المتعلقة بالمواد الأولية الأساسية التي تحتاج تونس إلى توريدها مع عدم توفر بديل لمصادر التوريد”.

وتعتمد تونس في توريد نحو 700 منتج على عدد محدود من البلدان وتكمن الخطورة في أهمية هذه المنتجات التي صنف 361 مادة منها منتجات “حساسة”، ويتركز توريدها على قائمة محدود من الدول ومن أهمها الآلات والأجهزة الكهربائية والصناعات البتروكيماوية والطاقة وقطع غيار ووسائل النقل والصناعات الغذائية والغاز الطبيعي، إذ تعتمد تونس على الجزائر في استيراد أكثر من 90 في المئة من حاجاتها من الغاز الطبيعي، كما يحتوي 25 في المئة من الواردات على مخاطر حساسة ومنتجاتها تعتبر حرجة على غرار مادة “القهوة”، وتمثل الآلات والأجهزة الكهربائية والميكانيكية الفئات الأكثر احتساباً بقائمة المنتجات الحساسة، وتحتل المنتجات التي تعتمد على الحديد والصلب والفولاذ المركز الثاني بنسبة تناهز 12 في المئة من المنتجات الحساسة، وتمثل المنتجات المستعملة في صناعة النسيج مصدراً مهماً للهشاشة الاقتصادية بقرابة 43 فئة.

26 في المئة من السلع الحساسة من دولتين

وحدد بودريقة قرابة 26 فئة من إجمالي المنتجات التي وصفها بالحساسة واعتبرها حرجة بحكم تركز توريدها من بلد وحيد أو اثنين على أقصى تقدير، وتعادل هذه المنتجات الحرجة 9.1 في المئة من إجمالي الواردات التونسية، وتتمثل في الأدوات والأجهزة البصرية والملاحة الجوية أو الفضائية والبلاستيك والوقود المعدني والمواد الكيماوية والسيارات. وهو مؤشر يدل إلى مستوى مرتفع جداً من التبعية ويظهر مخاطر سيادية عالية وفق بودريقة الذي أشار إلى أن “الصين تمثل المصدر الرئيس لمخاطر هذه التبعية إذ يشكل هذا البلد بمفرده مصدراً وحيداً لتسع فئات من المنتجات المصنفة حرجة مثل الآلات والمعدات الكهربائية تليها فرنسا بست فئات من هذه المواد، ثم إيطاليا بأربع فئات من المنتجات، بينما تأتي تركيا في المركز الرابع بفئتين، بينما تهدد التبعية بمستويات أعلى قطاعات صناعات النسيج والجلود والبتروكيماويات والصناعات المعدنية والصناعات الغذائية وهي عرضة للمخاطر بصفة مباشرة، لكن لا ينحصر التأثير على قطاعات بعينها بل تمتد المخاطر بشكل غير مباشر على قطاعات مختلفة وعديدة.

تنويع مصادر الواردات

ودعا بودريقة إلى اعتماد مبدأ التنويع في مصادر التزود بالنسبة لبعض المنتجات في إطار السعي إلى إيجاد حلول لهذه التبعية والبحث وتحسين القدرة على الصمود بوضع استراتيجية خاصة للتصرف في هذه الوضعيات ومعالجة الهشاشة المرتبطة بالمنتجات الحرجة لتخفيف المخاطر على المدى المتوسط في محاولة لتفادي الانهيارات الممكنة في سلاسل التوريد ما يهدد السيادة الوطنية.

في المقابل، رأى المحلل الاقتصادي وسيم بن حسين أن “التبعية الاقتصادية التي تعانيها تونس مع عدد من البلدان تأتي على خلفية المصاعب المالية التي تحول دون تنويع الأسواق”، مشيراً إلى أنه “بالنظر إلى انعكاسات هذا التنويع على ميزان المدفوعات بحكم تفسير الارتباط بأسواق معينة بسقف الأسعار المحددة وعدم القدرة على تجاوزها” مؤكداً أنه “من جهة أخرى تأتي هذه المبادلات في سياق شراكات وقعتها تونس منذ عقود مثل اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وتركيا التي تعتبر شريكة للبلاد”. وتابع أنه “بالنظر إلى ارتباط التبعية المذكورة بمؤشرات الأسعار بخصوص بعض السلع، فهي تتحول إلى اختيارات، في حين تتحول في تعلقها بالمواد الحيوية والطاقة إلى ملف تبعية يحتم النظر فيه بوضع استراتيجية تنتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي وتشريك القطاع الخاص وفتح الأسواق وتحريرها لخلق توازنات تخلقها المنافسة وتنأى بالاقتصاد التونسي عن إدارة الدولة، ومن شأن هذه الخيارات تفكيك وتنويع سلاسل التوريد وتفادي المخاطر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى