اقتصاد دولي

العملة الصينية تزحف نحو التعاملات العالمية فهل يدهسها الدولار؟

مع توجه عدد من شركاء الصين التجاريين إلى حسم تجارتها مع بكين بالعملة الصينية، اليوان، بدلاً من الدولار الأميركي، يعود مجدداً الحديث عن صعود اليوان كعملة دولية خاصة في التجارة العالمية بما يهدد عرش العملة الأميركية كعملة حسم وتسعير رئيسة حول العالم وأيضاً كعملة احتياط رئيسة للبنوك المركزية في أغلب الدول، لكن وكالة «بلومبيرغ» بثت أمس الثلاثاء تحليلاً يخلص إلى أنه ما لم تقرر السعودية، وغيرها من الدول النفطية في الشرق الأوسط، مثلاً القبول بتسعير النفط باليوان سيظل الدولار الأميركي متربعاً على عرش النظام المالي العالمي.
لكن ذلك لا يعني أن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا تسعى حثيثاً لتعزيز الدور الدولي لعملتها مستفيدة من الأوضاع الجيوسياسية الحالية، بخاصة الحرب في أوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة التي تفرضها أميركا والغرب على روسيا. وتتسع رقعة الدول التي بدأت أو تخطط لاستخدام اليوان في تمويل تجارتها مع الصين، حتى إن روسيا بدأت بالفعل في الاعتماد على اليوان كعملة حسم وحتى احتياطي في مواجهة حرمانها من التعامل بالدولار نتيجة العقوبات، كما أشار تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» هذا الأسبوع.
أما أحدث الدول التي قررت تسوية تجارتها مع الصين باليوان مباشرة للمرة الأولى فهي العراق، حيث أعلن البنك المركزي العراقي الأسبوع الماضي بدء تمويل واردات العراق من الصين بالعملة الصينية وليس بالدولار الأميركي. وعلى رغم أن القرار جاء ضمن إجراءات الحكومة العراقية لمواجهة النقص في الدولار ما أدى إلى انهيار سعر صرف العملة العراقية، الدينار، إلا أنه خطوة أخرى على طريق تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية.
اليوان في التجارة والاحتياطيات
يتزامن القرار العراقي مع زيادة مطردة في حجم التجارة بين بغداد وبكين وزيادة الاستثمارات الصينية في العراق. وهذا ما يحدث مع أغلب الدول التي تزيد الصين علاقاتها التجارية والاقتصادية معها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، إذ تفضل تلك الدول تسوية معاملاتها بالعملة الصينية بدلاً من الدولار خشية استنزاف احتياطياتها الأجنبية الدولارية.
وتشهد السنوات الأخيرة زيادة في دور اليوان على الساحة الدولية، بخاصة مع إجراءات بكين فتح أسواقها المالية وتوجه بعض الدول لتنويع انكشافها على العملات الأجنبية كي لا تقتصر على الدولار واليورو، لكن حتى الآن، يظل الفارق شاسعاً بين دور الدولار الأميركي واليوان الصيني، إلا أن دور الأخير في التعاملات المالية العالمية ينمو تدريجاً، وإن كان ببطء بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
هل ينافس اليوان الصيني الدولار الأميركي على عرش العملات؟
طبقاً لبيانات احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي للربع الثالث من العام الماضي 2022 كان نصيب اليوان عالمياً بنسبة 2.76 في المئة. وزاد صندوق النقد الدولي العام الماضي وزن اليوان ضمن سلة عملاته التي تسند «حقوق السحب الخاصة» إلى نسبة 12.28 في المئة من 10.92 في المئة سابقاً.
ومع الزيادة الهائلة المطردة في تجارة الصين مع العالم، من صادرات وواردات، ارتفع حجم التعامل باليوان في التجارة الخارجية للصين بقوة. وبحسب الأرقام الرسمية الصينية للعام الماضي، زاد تحوط الشركات مقابل العملات الأجنبية إلى نسبة 24 في المئة العام الماضي مقابل 11 في المئة عام 2016. كما ارتفع نصيب المدفوعات باليوان في تعاملات الصين الخارجية إلى 50 في المئة من اجمالي المدفوعات، بزيادة 20 في المئة عن عام 2016.
على رغم كل ذلك، يظل دور اليوان عالمياً أقل بكثير من قدرات الصين الاقتصادية. ففي الوقت الذي يمثل فيه الناتج المحلي الإجمالي الصيني نسبة 18 في المئة من الاقتصاد العالمي ما زال نصيب اليوان من التعاملات المالية الدولية في حدود نسبة 3 في المئة.
احتمالات «البترويوان»
بحسب تحليل «بلومبيرغ» فإن زيادة دور اليوان عالمياً بما يهدد مكانة الدولار الأميركي مرتبط إلى حد كبير بقبول دول مصدرة للطاقة تسعير النفط باليوان بدلاً من الدولار، إلا أن ذلك لا يبدو وارداً حتى الآن. فعلى رغم ما أثير إعلامياً منذ زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ولقائه بالقادة الخليجيين وبعض القادة العرب إلا أن تبني دول الخليج تسعير النفط باليوان في مبيعاتها للصين لم يذكر رسمياً.
صحيح أن أغلب دول التعاون والمنطقة لا ترى غضاضة في مناقشة استخدام اليوان في تعاملاتها التجارية مع الصين، لكن ذلك يتعلق بكل التجارة بعيداً من الطاقة. بالضبط كما تفعل تلك الدول في تجارتها مع الاتحاد الأوروبي مثلاً حين يتم التعامل باليورو في التجارة غير النفطية. وبما أن سعر صرف العملات الخليجية مربوط بالدولار الأميركي فإن تسوية المبادلات التجارية مع شركائها الآخرين بما فيهم الصين بالعملات المحلية لا يؤثر كثيراً في حساباتها الخارجية.
أما مسألة استبدال «البترودولار» بما يسميه تقرير الوكالة «البترويوان» فهي تبدو مستبعدة إلى حد كبير لأسباب عدة. منها أن أغلب احتياطيات الدول النفطية التي تراكمها من مبيعات الطاقة هي بالدولار الأميركي، ولا ترغب تلك الدول في تغيير ذلك الأمر الآن بما يحمله من مخاطر بحسب «بلومبيرغ»، ثم إن الدولار الأميركي يظل العملة الدولية الأسهل تحويلاً في العالم، مقابل أي عملات أخرى.
روسيا واليوان:- وكان للحرب في أوكرانيا وزيادة التعاون الاقتصادي بين موسكو وبكين دور مهم في زيادة التكهنات ببروز أهمية اليوان الصيني على الساحة العالمية. فبحسب تقرير «وول ستريت جورنال» تخلت روسيا عن ذلك الحذر التقليدي من هيمنة العملة الصينية على الاقتصاد الروسي وذلك في ظل الحصار الغربي على موسكو وحظرها خارج التعاملات الدولارية حول العالم.
وزاد صندوق الثروة السيادي الروسي احتياطياته من اليوان ليبلغ نصيبه من إجمالي تلك الاحتياطيات 60 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بحسب بيانات وزارة المالية الروسية. وزادت حصة الصادرات الروسية التي تدفع قيمتها باليوان الصيني بنهاية العام الماضي إلى 14 في المئة من إجمالي الصادرات، مقابل 0.4 في المئة فقط بداية العام الماضي قبل الحرب في أوكرانيا.
مع ذلك، فإن التوسع في استخدام اليوان في التعاملات التجارية لم يصل إلى حد قدرة روسيا على استبدال الدولار بالعملة الصينية في التعاملات الروسية مع شركاء آخرين. على سبيل المثال، كما يذكر تقرير «بلومبيرغ»، فإن بلداً كالهند التي زادت وارداتها من الطاقة من روسيا بقوة، فضلت أن تستخدم الدرهم الإماراتي في تسوية التعاملات التجارية مع موسكو. وبما أن روسيا لا تجد مشكلة في التعامل بالدرهم مع الهند، فإن الأخيرة تفضل عملة مربوطة بالدولار ومرنة في التحويلات بالنسبة لها أكثر من الروبل الروسي أو حتى اليوان الصيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى