اقتصاد دولي

مسيرات وذكاء اصطناعي ضمن خطط الموازنة البريطانية

كشف وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت عن “مبادرة إنتاجية القطاع العام” التي تستهدف تعزيز الخدمات العامة في المملكة المتحدة، من دون زيادة الإنفاق الحكومي.

وتعتبر الحكومة البريطانية هذه الإجراءات الجديدة جزءاً لا يتجزأ من خطتها الهادفة إلى الابتعاد عن “نهج الإنفاق المرتفع والضرائب العالية” في البلاد، وهي خطوة ضرورية للتغلب على التحديات التي فرضتها جائحة “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا.

يأتي الإعلان عن هذه الخطة قبيل أيام من تقديم الوزير هانت موازنة الربيع لسنة 2024، التي من المتوقع أن يكشف النقاب فيها عن تخفيضات ضريبية إضافية، على أمل تعزيز فرص حزب “المحافظين” في استحقاق الانتخابات العامة المقبلة هذه السنة.

وتصف وزارة الخزانة البريطانية استثمار 800 مليون جنيه استرليني (مليار و16 مليون دولار أميركي) في الخدمات العامة، بأنه “تأكيد جديد” على “القرارات الاستراتيجية الطويلة الأمد، اللازمة لدعم الاقتصاد، وتمكين الأفراد من صياغة مستقبل أكثر ازدهاراً وأماناً لأنفسهم ولأسرهم”.

ويتضمن الإعلان عدداً من الإجراءات التي تهدف إلى توفير الكلف، كالاعتماد واسع النطاق على “الذكاء الاصطناعي” والرقمنة في مختلف الدوائر الحكومية، وإنشاء 200 مركز إضافي للرعاية الاجتماعية للأطفال في إنجلترا.

وترى الحكومة البريطانية أن هذه التدابير من شأنها أن “توفر آلاف الساعات التي يمضيها عناصر الشرطة في المهام الإدارية”، من خلال تطبيق تقنيات تعزيز الكفاءة كالطائرات المسيرة. علاوة على ذلك، ستعمل على تسريع تسليم نتائج الاختبارات لأكثر من 130 ألف مريض، بما في ذلك أولئك الذين ينتظرون تشخيص إصابتهم بداء السرطان.

ومن المتوقع أن تحقق التعديلات المقترحة التي سيكشف عنها في موازنة الأربعاء، منافع بقيمة مليار و800 مليون جنيه استرليني (مليارين و286 مليون دولار) لإنتاجية القطاع العام، بحلول عام 2029.

تجدر الإشارة إلى أن جيريمي هانت يتعرض لضغوط لإعطاء الأولوية للتخفيضات الضريبية على حساب الإنفاق العام الإضافي المقبل، مع تحذير أعضاء من حزب “المحافظين” في البرلمان وزير الخزانة، من أن التخفيضات الضريبية هي وحدها القادرة على عكس حظوظهم في الانتخابات.

ومع ذلك، تضاءلت احتمالات إجراء تخفيضات ضريبية كبيرة في بريطانيا مع تحذير الاقتصاديين من خطورة إجراء أي خفض في الإنفاق العام.

وأشار “صندوق النقد الدولي” International Monetary Fund (IMF) إلى أن التخفيضات الضريبية ستكون “صعبة التنفيذ للغاية” نظراً إلى شيخوخة السكان في بريطانيا، والعبء المتزايد للديون. وفي الوقت نفسه دعا “معهد الدراسات المالية” Institute for Fiscal Studies (الذي يجري أبحاثاً تساعد في فهم تأثير السياسات على الأفراد والأسر والشركات) وزير الخزانة، إلى تجنب الإعلان عن تخفيضات ضريبية، ما لم يتمكن من تقديم “مزيد من التفاصيل في شأن خطط الإنفاق”.

يشار إلى أن التوقعات الأخيرة الصادرة عن “مكتب مسؤولية الموازنة” Office for Budget Responsibility (OBR) (الذي يتولى تقدير أخطار المالية العامة ويضع توقعات طويلة الأمد) أعطت لوزير الخزانة حيزاً من الحرية المالية أقل مما كان متوقعاً في البداية، مما دفع إلى النظر في زيادات ضريبية غير متوقعة، مثل إلغاء وضع “المواطن البريطاني غير المقيم” على أراضي المملكة المتحدة Non-Dom Tax Status (المعفى في الوقت الراهن من ضريبة الدخل).

وكان “مكتب مسؤولية الموازنة” قد أبلغ الحكومة الأسبوع الماضي بأنه سيكون لدى الوزير ما يقارب 13 مليار جنيه استرليني من الحيز المالي في موازنة الربيع، مع اختيار السيد هانت الاحتفاظ بنحو ستة مليارات جنيه استرليني (سبعة مليارات و620 مليون دولار) كاحتياط طوارئ.

يشار إلى أنه عادة ما يحتفظ وزراء الخزانة البريطانيون بنحو 25 مليار جنيه استرليني من الحيز المتاح لهم، كي يتمكنوا من التعامل مع أي تقلبات في أسعار الفائدة ومواجهة حالات التضخم في البلاد دون الحاجة إلى إجراء تعديلات في السياسات الضريبية والإنفاق. إلا أن هذا الحيز تأثر بصورة كبيرة نتيجة الخفض السريع وغير المتوقع في معدلات التضخم، والذي أدى إلى تراجع العائدات من الضرائب وارتفاع كلف الاقتراض.

وعلى رغم هذه التحديات، تشير الخطط التي كشف عنها الأحد، إلى أن وزير الخزانة لا يزال عاقداً العزم على استكشاف سبل للحد من الإنفاق العام، بحيث تشير وزارته إلى أن الإجراءات المقترحة يمكن أن تعيد المملكة المتحدة إلى مستويات الإنتاجية في فترة ما قبل الجائحة.

وكجزء من هذه الإجراءات، ستوقف وزارة العمل والمعاشات التقاعدية الاعتماد على المراسلات الورقية. وسيتم إضافة إلى ذلك، تسريع تطبيقات التخطيط من خلال استخدام برنامج تجريبي جديد لـ”الذكاء الاصطناعي”.

وتعتزم حكومة المملكة المتحدة أيضاً تخصيص مبلغ 170 مليون جنيه استرليني لتحسين نظام العدالة الذي تقول إنه سيسهم في تبسيط العمليات الإدارية، مما قد يؤدي إلى توفير ما يصل إلى 55 ألف ساعة سنوياً من الوقت الإداري، وذلك من خلال رقمنة حزم هيئة المحلفين، واعتماد برامج جديدة، وأنظمة بيانات معززة، من بين التحسينات المخطط لها.

ورأى الوزير هانت، في معرض تقديمه الاقتراحات، أنه “يجب علينا ألا نقع في فخ الافتراض بأن زيادة الإنفاق ستؤدي بالضرورة إلى تحسين الخدمات العامة. فهناك عدم كفاءة مفرطة في النظام، وهدفنا يتمثل في إعادة توجيه موظفي الخدمة العامة نحو التركيز على مسؤولياتهم الأساسية، ومنها على سبيل المثال: تعليم أطفالنا، وضمان سلامتنا، وتوفير الرعاية الصحية عند الحاجة”.

وأضاف وزير الخزانة: “لهذا السبب فإن خطتنا تهدف إلى جني ثمار الإنتاجية، بدءاً من تمكين المرضى من الحصول على مواعيد أسرع للتصوير بالرنين المغناطيسي، وتوفير مئات الآلاف من ساعات عمل الشرطة من أجل مكافحة عمليات السطو، أو معالجة حوادث العنف المنزلي”.

العضو في البرلمان وكبير أمناء وزارة الخزانة في حكومة الظل “العمالية” المعارضة، دارين جونز، علق على هذه الإجراءات بالقول إن “لا شيء في بريطانيا هو أفضل حالاً بعد نحو 14 عاماً من الفشل الاقتصادي لحكومات حزب ’المحافظين‘”.

وأشار إلى أن “ملايين الأفراد ما زالوا عالقين ضمن قوائم الانتظار في المستشفيات، فيما تتدهور أوضاع مدارسنا، وشوارعنا غير آمنة على نحو متزايد. ومع ذلك، فإن مقترحات وزير الخزانة لا تعدو كونها أكثر من مجرد كلام فارغ من المضمون من دون تقديم حلول ملموسة”.

وختم جونز بالقول: “لقد حان وقت التغيير. وحزب ’العمال‘ هو وحده الذي يقدم خطة شاملة وطويلة الأجل لتعزيز اقتصادنا، من أجل توفير مزيد من فرص العمل، وجذب مزيد من الاستثمارات، وتعزيز الرفاهية المالية لمواطنينا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى