مقالات اقتصادية

الأصول المقومة بالجنيه الإسترليني توفر ملاذاً للاستثمار

كتب اسامة صالح

إذا استخدمنا صيغ التبسيط البريطانية، يمكن القول إن جاذبية المملكة المتحدة كوجهة للاستثمار ليست نصف سيئة. ومع تلاشي الاضطرابات الناجمة عن أزمة سندات الحكومة البريطانية قبل 18 شهراً من الذاكرة الجماعية للسوق، فإن الأصول المقومة بالجنيه الإسترليني لا تبدو رخيصة نسبياً فحسب، بل وربما تتفوق في أدائها.

تتمثل أهم النقاط الإيجابية في أن العوائد الحقيقية على سندات الحكومة البريطانية، بعد تعديلها مراعاة لتأثير التضخم، مهيأة لأن تشهد تحولاً إيجابياً كبيراً لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية، ذلك أن عوائد السندات البريطانية لأجل 10 سنوات تقترب من أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر، وهي أعلى من عوائد سندات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا؛ بل واليونان. وقد أظهر مسح أجراه بنك “جيه بي مورغان تشيس آند كو” على مؤسسات الاستثمار، نُشر الأسبوع الماضي، أن صناديق السندات البريطانية هي أكثر الصناديق تفاؤلاً منذ أكثر من عشر سنوات، إذ إن ما يزيد على 84% منها لديها مراكز شرائية صافية، وذلك مقابل مسح “جيه بي مورغان” على عملاء سندات الخزانة الأميركية الذي أظهر أن المراكز الحيادية عند أعلى مستوى لها منذ عام 2011.

قد يميل المستثمرون الذين يعملون في الولايات المتحدة إلى البحث عن تنويعٍ لمحافظهم في الخارج. فقد زاد تدفق الأموال للاستثمار في صناديق السندات العالمية على مدى 16 أسبوعاً متتالياً، وفقاً لمسح أجراه مصرف “بنك أوف أميركا” في منتصف فبراير. وينبغي أن يعكف مديرو الصناديق على دراسة بدائل للاستثمار الحصري في الدولار، الذي كان الاستثمار الرئيسي الرائج منذ انتشار الوباء وربما يفقد الآن قوته الدافعة.

سندات الجنيه الإسترليني

سيرتفع على الأرجح معروض سندات الحكومة البريطانية، قبل عمليات الاسترداد، بنسبة 10% تقريباً هذا العام إلى 260 مليار جنيه إسترليني (330 مليار دولار). وفي ظل توقف بنك إنجلترا عن إعادة استثمار حصيلة السندات التي انتهت آجالها من إجمالي قيمة حيازاته التي تبلغ 735 مليار جنيه إسترليني، ونشاطه الملحوظ في بيع بعض السندات الأطول أجلاً، أصبحت هناك أسباب وجيهة لبقاء العوائد في المملكة المتحدة مرتفعة نسبياً. غير أن الندوب التي خلفها انهيار سندات الحكومة البريطانية في سبتمبر 2022 تجعل من غير المرجح أن تحاول حكومة بريطانية من أي اتجاه الشروع مرة أخرى في تنفيذ برنامج تخفيضات ضريبية غير ممولة، مما يمنح السوق درجة من الحصانة ضد إسراف المالية العامة.

ترتفع علاوة المخاطر في سندات الشركات بالجنيه الإسترليني عن مستواها في سندات الشركات المقومة باليورو، كما أنها أفضل من نظيراتها في الولايات المتحدة. وتستفيد الشركات الأجنبية المصدرة للسندات من زيادة إقبال المستثمرين على إصدار سندات مقومة بالجنيه الإسترليني، حيث بلغ إجمالي عدد الإصدارات الجديدة حتى الآن هذا العام 48 إصداراً جمعت 32 مليار جنيه إسترليني. وعلى وجه الخصوص، وجدت شركة “فونوفيا” (Vonovia) الألمانية للعقارات طلباً قوياً واستثنائياً على أول إصدار لها على الإطلاق من السندات المقومة بالجنيه الإسترليني الذي طرحته في يناير.

هناك أيضاً عوامل إيجابية محلياً تدعم قطاع الائتمان بالجنيه الإسترليني، إذ تقوم صناديق معاشات التقاعد البريطانية بنقل التزاماتها الناجمة عن “نظام التقاعد على الراتب النهائي” إلى شركات تأمين متخصصة. وتفضل هذه الصناديق العوائد الأعلى التي تقدمها سندات الشركات مقارنة بالأوراق المالية الحكومية.

وعلى الرغم من أن الأصول المقومة بالجنيه الإسترليني لم تحقق الكثير على صعيد تفوق الأداء في السنوات الأخيرة، يبدو أن المملكة المتحدة تثير اهتمام المستثمرين مرة أخرى، حتى لو اقتصر سبب ذلك على العوائد الإيجابية المتوقعة مقارنة بأماكن أخرى.

العملة والأسهم البريطانية

وقعت بريطانيا في ركود اقتصادي خلال النصف الثاني من عام 2023، لكن آفاق هذا العام أكثر إشراقاً بعض الشيء. فالضغوط التي تواجه سوق العقارات الألمانية ستؤدي إلى عرقلة أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، في حين أن البنك المركزي الأوروبي لا يزال مهموماً بكبح التضخم أكثر من تحفيز النمو. وقد يشجع هذا المزيج على خروج بعض الأموال من الاستثمار في الديون الحكومية بمنطقة اليورو.

علاوة على ذلك، يُعد الجنيه الإسترليني أقوى عملة رئيسية هذا العام أمام الدولار الجبار. وقد يكون هناك المزيد في المستقبل، حيث تتوقع أودري تشايلد-فريمان، كبيرة استراتيجيي العملات الأجنبية لـ”مجموعة العشرة” في “بلومبرغ إنتليجنس”، أن يرتفع الجنيه الإسترليني إلى نطاق يتراوح بين 1.30 و1.35 دولار، مقارنةً بنحو 1.26 دولار حالياً.

خسر المستثمرون في الأسهم البريطانية جانباً من أموالهم في العام الماضي، ولكن هذا يعني على الأقل أنه لا يمكن اعتبار هذه الأسهم باهظة الثمن. إذ يجري تداول مؤشر “فوتسي 100” الرئيسي على أساس مضاعف ربحية يصل إلى 10 مرات، أي أقل من نصف مضاعف الربحية لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، ومن حيث مضاعف القيمة الدفترية، فهو يزيد قليلاً عن ثلث تقييم المؤشر الأميركي. علاوة على ذلك، يبدو أن الشائعات المتعلقة باحتضار سوق الأسهم في المملكة المتحدة مبالغ فيها، إذ يُقال إن شركة بيع ملابس الموضة السريعة بالتجزئة “شي إن” (Shein)، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، تدرس إدراج أسهمها في لندن، بقيمة متوقعة تبلغ 90 مليار دولار، وهو ما سيشكل رقماً قياسياً بالنسبة إلى سوق الأوراق المالية في لندن.

أوضاع اقتصادية مواتية

أصبح الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة مواتياً بشكل متزايد. فمن المتوقع أن يرتفع النمو في الفصول المقبلة، وإن كان بمعدلات متواضعة. كذلك يُنتظر أن ينخفض التضخم في المملكة المتحدة إلى ما دون هدف بنك إنجلترا البالغ 2% اعتباراً من أبريل، مع انخفاض أسعار الطاقة وتراجع سريع في تضخم أسعار التجزئة. وتتوقع “بلومبرغ إيكونوميكس” أن تظل الزيادات في أسعار المستهلكين ضعيفة خلال معظم هذا العام.

وتبدو الأسعار رخيصة في سوق الأسهم البريطانية، وتوفر الديون الحكومية عوائد تزيد عن 4%، وسندات الشركات عالية الجودة متاحة بعائد يتجاوز 5%، ويبدو أن الجنيه الإسترليني في طريقه إلى الارتفاع. وهكذا توفر الأصول الإسترلينية خياراً لا يتسبب في كثير من التوتر للمستثمرين أثناء الانتظار حتى تبدأ البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام؛ وعنده سيحتاجون إلى إعادة النظر في محافظهم بهدف تخصيص استثماراتهم في مختلف الأصول على مستوى العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى