مقالات اقتصادية

التوسع أو البيع .. معضلة الشركات من منظور ألماني

كتب أسامة صالح

لدى شركة باير العملاقة المدرجة في السوق المالية والتي تتنوع منتجاتها من الأسبرين إلى مبيدات الأعشاب وشركة فيسمان لصناعة التدفئة والتبريد المملوكة للقطاع الخاص القليل جدا من القواسم المشتركة. ومع ذلك، فقد واجهت كلتا الشركتين الألمانيتين في الأعوام الأخيرة معضلتين متشابهتين للغاية: لقد انتهى بهما الأمر إلى أن تكونا صغيرتين جدا في سوق جذابة وسريعة النمو.
بينما قد يكون هذا المصير أفضل من أن تكون الشركتان كبيرتين جدا في صناعة متدهورة، إلا أنه قد يكون وضعا مؤسفا على المدى المتوسط. حيث يمكن للمنافسين الأكبر في كثير من الأحيان استغلال مزيد من الاقتصادات الضخمة، ونشر قدرات بحثية أكبر والتمتع بمزيد من القوة السوقية. واللافت للنظر أن باير وفيسمان استجابتا لهذه المشكلة بطرق متعاكسة كقطبي المغناطيس.
ففي حالة باير، كان قسم كروب ساينس التابع لها، والذي يوفر البذور ومبيدات الأعشاب للمزارعين، يخشى في 2016 أن يتم تهميشه عندما اجتاحت موجة الاندماج الهائلة القطاع. قررت باير التوسع، متجنبة نهجا غير رسمي اتبعته شركة مونسانتو الأمريكية لتصنيع البذور لوحدة الكيماويات الزراعية الخاصة بها. قلبت باير الطاولة على شركة مونسانتو واشترت الشركة الأمريكية في صفقة قيمتها 63 مليار دولار، تصنف الآن كواحدة من أكثر عمليات الاستحواذ كارثية.
لم يكن المساهمون معجبين بالسعر المرتفع إضافة إلى أعباء الديون التي تم الاضطلاع بها. علاوة على ذلك، عرضت الصفقة “باير” لخطر التقاضي على شركة مونسانتو. فقد أجبرت “باير” على دفع عشرة مليارات دولار على شكل تسويات بسبب مبيد الأعشاب جليفوسات الذي تنتجه شركة مونسانتو والذي يزعم أنه يسبب السرطان. وقام المستثمرون الساخطون في وقت سابق من هذا العام بطرد الرئيس التنفيذي فيرنر بومان، أحد العقول المدبرة للصفقة.
واجهت “فيسمان” أيضا معضلة استراتيجية حيث يسارع العالم الغربي لإزالة الكربون من قطاع الإسكان لديه. إذ سيتم استبدال سخانات الغاز وغيرها من وسائل التسخين التي تستخدم الوقود الأحفوري بمضخات حرارية تعمل بالكهرباء. وبينما صعدت شركة فيسمان لتصبح واحدة من أكبر شركات تصنيع المضخات الحرارية في أوروبا، إلا أنها تخشى أن يتمكن المنافسون الأكبر في آسيا من الاستيلاء على سلاسل التوريد العالمية القائمة، والعمل بتكاليف أقل والضغط على اللاعبين ذوي البصمة المحدودة خارج أوروبا. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنمو السوق الأوروبية للمضخات الحرارية 25 في المائة سنويا بحلول 2030. إن القدرة على تلبية هذا الطلب ستتطلب استثمارات كبيرة.
لا يمكن أن تكون استجابة” فيسمان” للتحديات أكثر اختلافا عن استجابة “باير”. فالشركة ذات الملكية العائلية، التي أسست في 1917، استسلمت في وقت سابق من هذا العام. فقد باع الرئيس التنفيذي ماكس فيسمان ووالده مارتن، الذي يرأس المجموعة، أعمال المضخات الحرارية إلى شركة كاريير الأمريكية نظيرتها في صفقة قيمتها 12 مليار يورو. وبينما ستواصل فيسمان تصنيع أنظمة التبريد والغرف صديقة البيئة، فإنها تقوم بتصفية الاستثمار في العمليات التي تمثل 85 في المائة من إجمالي إيرادات المجموعة.
يقول ماكس فيسمان إن قرار بيع الشركة لم يكن سهلا على الإطلاق. حيث يقول إنه تم اتخاذه لأنه كان أفضل طريقة لتأمين وظائف الـ10800 موظف في مجال المضخات الحرارية والذين سيحصلون مجتمعين أيضا على مكافأة خاصة بقيمة 106 ملايين يورو. وبعد إعلان عن الاتفاقية، ذرف الرئيس التنفيذي الدموع. إضافة إلى ذلك، وجدت الشركة نفسها في صراع سياسي حيث أثار السياسيون المحافظون ضجة حول بيع مزعوم لشركة من ميتلستاند الألمانية الشهيرة واتهموا حكومة يسار الوسط في البلاد بتقويض قضية أعمال فيسمان – وجهة نظر تتناقض مع منطق الأسرة في تبرير البيع.
إن ما يبدو لافتا للنظر بشكل خاص في حالتي “باير” و”فيسمان” هو تقليبهم للأمور التقليدية حول اتخاذ قرارات الشركات رأسا على عقب. ففي العادة، من المتوقع أن تتخذ الشركات المدرجة التي تخضع للمساءلة أمام المساهمين قرارات رصينة ومتشددة، والتي، لو لزم الأمر، تتخلى عن عقود من إرث الشركة في طرفة عين. وفي المقابل، يعتقد أن الشركات العائلية الغنية بالتقاليد ترتجف عندما يصبح من الضروري إنهاء الشركة.
في حالة “باير”، يبدو أن مديريها التنفيذيين قاوموا تفكك الشركة الذي كان سيحقق بعد فوات الأوان قيمة أكبر للمساهمين مما تحققه استراتيجية التوسع. وكما يصر الأشخاص المقربون من الشركة، كانت الحجة الرئيسة ضد بيع الأعمال الزراعية الخاصة بشركة باير لشركة مونسانتو هي أن قسم الأدوية المتبقي سيكون صغيرا جدا بحيث يمكن أن يصبح هدفا سهلا للاستحواذ.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان قرار فيسمان سيصمد أمام اختبار الزمن. وبشكل مشابه فإن شركة فيلانت الألمانية لصناعة المضخات الحرارية، والمملوكة بدورها للقطاع الخاص ومملوكة لعائلة، تصر على أنها ليست صغيرة جدا من الناحية الهيكلية. ولكن بغض النظر عن النتيجة النهائية، فإن العار السياسي ودموع ماكس فيسمان تظهر بالفعل أن تفكيك شركة ناجحة هو قرار صعب. ومع ذلك فإن هذا لا يعني أنه ينبغي المراوغة فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى