اقتصاد دولي

ما هي خيارات واشنطن للرد على طهران بعد مهاجمتها إسرائيل؟

حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إيران الثلاثاء من أن “الولايات المتحدة ستستخدم سلاح العقوبات والعمل مع الحلفاء على إحباط نشاطات إيران الخبيثة التي تهز الاستقرار”، وذلك في إشارة لما اعتبره كثير من المراقبين والمعلقين دراسة اجتماع مجموعة الـ7 مزيداً من العقوبات على طهران بعد مهاجمتها إسرائيل السبت الماضي، وأن زيادة الحديث عن سلاح العقوبات ضد إيران تأتي أيضاً في سياق ضغط حلفاء إسرائيل في أميركا وأوروبا على تل أبيب كي لا يكون ردها على الهجوم الإيراني واسعاً بما يفتح باب التصعيد وتوسع الحرب في الشرق الأوسط.

ويوم الثلاثاء أيضاً، طالب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بفرض عقوبات جديدة على طهران قائلاً في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام أنه أجرى اتصالات مع دول عدة في إطار “هجوم دبلوماسي ضد إيران”، إضافة إلى رد الفعل العسكري” الذي يجري الاتفاق عليه على حد قوله.

وأضاف كاتس أنه “طلب من تلك الدول دعم فرض عقوبات على برنامج الصواريخ الإيراني وتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية”.

إلى ذلك، تتداول تقارير مختلفة حول ما يمكن أن تقوم به واشنطن سواء بالتنسيق مع الحلفاء في مجموعة الـ7 أو غيرها، في إطار إقناع إسرائيل بأن يكون رد فعلها على الهجوم الإيراني “محسوباً ومنضبطاً”.

ويعد احتمال فرض عقوبات جديدة على طهران، أو توسيع عقوبات حالية وتشديد عملية تطبيقها، جزءاً من الجهد الأميركي والغربي للتصدي لإيران من دون إشعال فتيل حرب واسعة في الشرق الأوسط.

العقوبات والنفط

هناك خيارات عدة أمام واشنطن لتشديد العقوبات وتوسيعها أو حتى فرض عقوبات جديدة على طهران، وإن كان بعض المعلقين يرون أن احتمال فرض عقوبات جديدة في عام الانتخابات يبدو ضعيفاً إلى حد ما. في غضون ذلك، تتعرض الإدارة الديمقراطية للرئيس الأميركي جو بايدن إلى ضغط من الجمهوريين في الكونغرس لإلغاء إعفاء 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة ضمن العقوبات، إذ ألغت إدارة بايدن عام 2018 قرار تجميد مبلغ 10 مليارات دولار من عائدات إيران نتيجة تصديرها الكهرباء إلى العراق، وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن الأموال التي كانت مجمدة في سلطنة عمان بالعملة الأوروبية (اليورو) يشترط استخدامها من قبل طهران لأغراض إنسانية بحسب ما ذكرت صحيفة الـ”ديلي تلغراف”.

إلا أن منتقدي الإدارة الأميركية يرون أن طهران تستغل تلك الأموال لتطوير برنامجها النووي وتمويل الميليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط.

في تلك الأثناء، يطالب نواب وشيوخ في الكونغرس فرض عقوبات أميركية تستهدف تجارة إيران مع الخارج، وكذلك تستهدف تصدير إيران للنفط.

وهناك مشروعات قوانين عدة قدمت إلى الكونغرس ويتوقع التصويت عليها خلال أيام بهذا الغرض، ومن بين تلك المقترحات مشروع قانون تقدم به عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أيوا جوني إرنست، طالب فيه الرئيس بايدن أن يفرض عقوبات على إيران الآن، كذلك هناك مشروع قانون آخر تقدم به عضو مجلس النواب الجمهوري مايك لوللر يستهدف قطاع النفط الإيراني.

وعن ذلك قال لوللر “علينا وقف تجارة النفط غير القانونية التي تمول النشاطات الإيرانية”.

وتقدر المصادر الأميركية حجم عائدات القطاع النفطي الإيراني في الـ 12 شهراً الأخيرة بنحو 35 مليار دولار، في الوقت الذي تصدر إيران ما هو مسموح به من النفط ضمن العقوبات لدول آسيوية في مقدمتها الصين.

نفط أميركي وأفريقي لآسيا محل الإيراني

وبحسب تقارير من مصادر مراقبة موارد الخام للمصافي المستقلة فإن المصافي الآسيوية بدأت بالفعل في إعادة تقييم استراتيجياتها لهذا العام في ضوء توترات الشرق الأوسطـ، إذ تشير التقارير إلى أن عدداً من المصافي في الشرق الأقصى تدرس زيادة مشترياتها من النفط من أميركا وأفريقيا تحسباً لأي تغيير يطرأ على الواردات من الشرق الأوسط.

وفي تحليل لشركة “غلوبال كوموديتيز إنسايتس” التابعة لمؤسسة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني فإن المصافي في آسيا لا تتحسب فحسب لاحتمال تشديد العقوبات على إيران وإنما أيضاً لاحتمالات أن يؤدي أي تصعيد لتعطيل شحن النفط عبر مضيق هرمز، وإن اعتبرت الشركة ذلك احتمالاً مستبعداً، في ظل حاجة إيران لمواصلة تصدير نفطها من الخليج عبر المضيق.

وإلى جانب تجارة النفط المسموح بها ضمن العقوبات المفروضة على طهران، يعتقد أن إيران تصدر كميات من النفط أيضاً خارج سقف العقوبات المفروضة عليها. وهناك عدد من المصافي المستقلة في الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند وتايلاند وسنغافورة وفيتنام تعمل على النفط الخام الإيراني، وزادت بعض تلك الدول وارداتها من النفط الخام من دول أفريقيا وأميركا.

تبقى الهند والصين من أكبر مستوردي النفط الإيراني، وبحسب بيانات “غلوبال” استوردت المصافي المستقلة في الصين من إيران في مارس (آذار) الماضي ما يصل إلى 4.81 مليون طن متري (متوسط 1.14 مليون برميل يومياً)، ويعد ذلك أقل من واردات فبراير (شباط) الماضي التي بلغت 5.47 مليون طن متري، كما أن تلك الواردات من النفط الإيراني تظل أقل من مستويات الاستيراد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وبحسب مصدر في قطاع مصافي التكرير المستقلة في الصين فإنه “من المحتمل جداً أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية على إيران بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل مما سيجعل من الصعب استيراد المزيد من شحنات النفط الإيراني”.

جدل حول العقوبات النفطية

إلا أن هناك تبايناً في الآراء بين طبيعة ومدى العقوبات التي يمكن أن تفرضها الولايات المتحدة على صناعة النفط الإيرانية، خصوصاً أن واشنطن ربما لا ترغب في نقص الإمدادات في السوق مما يؤدي إلى رفع أسعار النفط، ومن ثم الضغط على الناخبين الأميركيين الذين قد يواجهوا ارتفاع أسعار الوقود في محطات البنزين قبل الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

إلى ذلك، يرى بعض المحللين أن واشنطن يمكن أن توسع العقوبات الحالية، فيما يبدو كأنه فرض لعقوبات جديدة بينما يرى آخرون مجرد الإعلان عن تشديد فرض العقوبات الحالية من دون أن يسفر ذلك عن تغيير واضح في نظام العقوبات بالفعل، وأن مشروعات القوانين المعروضة على الكونغرس هذا الأسبوع في شأن العقوبات على إيران تستهدف بالأساس الضغط على إيران بخفض عائداتها من تصدير النفط أكثر من حظر الصادرات النفطية.

من جهته، توقع رئيس مركز الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي ديفيد غولدوين، أن تسارع وزارة الخزانة الأميركية إلى تشديد وتوسيع العقوبات على قطاع النفط الإيراني من ناحية كرد فعل على الهجوم الإيراني بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل ومن ناحية أخرى لمنع رد فعل تصعيدي جداً من جانب إسرائيل، مضيفاً أن “من بين الخيارات التي يمكن لواشنطن اتخاذها زيادة الضغط على شركات التأمين الأميركية والأوروبية التي تغطي تجارة النفط بين إيران والصين”.

وتابع غولدوين “تستغل الصين لمصلحتها الجهود الدبلوماسية الأميركية لاحتواء التوترات في الشرق الأوسط، ولطالما استفادت من الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وروسيا وفنزويلا”.

لكن تشديد العقوبات قد لا يكون له تأثير واضح في أسواق النفط العالمية، بالضبط كما حدث مع فرض أميركا والغرب سقف سعر لصادرات النفط الروسية في سياق تشديد العقوبات على موسكو بسبب حرب أوكرانيا، بحسب تقرير “غلوبال”.

ويرجح معظم المحللين أنه حتى لو اتخذت وزارة الخزانة الأميركية إجراءات ضد طهران فلن تكون ذات تأثير كبير في أسعار النفط.

وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” ذكرت في تحليل لها أول من أمس الإثنين أن كلاً من الولايات المتحدة والصين تتفقان في أن لا مصلحة لهما في إثارة الاضطراب في أسواق الطاقة.

وذلك أحد الأسباب المهمة وراء سعي واشنطن لمنع التصعيد في المنطقة ومطالبتها إسرائيل برد فعل “منضبط” على الهجوم الإيراني.

وعن ذلك قال رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة “يوراشيا” الاستشارية أيهم كامل، “يمكن أن تخسر الولايات المتحدة والصين من أي توسع أو تصعيد للصراع لأن ذلك سيؤثر بوضوح في صادرات الطاقة من المنطقة وعلى أسعار النفط والاقتصاد العالمي كله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى