اقتصاد دولي

قصة كيتي: كيف خيمت أزمة الرهن العقاري في بريطانيا تخيم على الشارع؟

بينما يواجه الوزراء دعوات للتحرك في شأن ارتفاع الإيجارات ومعدلات الرهن العقاري، تغدو الكلفة البشرية لأزمة الإسكان التي تتطور بسرعة في بريطانيا جلية.

ولنتأمل هنا كيتي، من غرب لوثيان، التي تحدثت إلى صحيفة “اندبندنت” عن الأزمة المالية الشخصية التي تجتاحها.

وجدت السيدة البالغة من العمر 46 سنة نفسها في دوامة من التسريح ونقص الفرص، وهو أمر شائع جداً بالنسبة إلى من هم في الأربعينيات والخمسينيات من العمر، على رغم النقص المزمن في العمالة في بريطانيا وزعم الشركات التي تقول إنها ترحب بالطلبات المقدمة من العمال الأكبر سناً.

وتفاقمت مشكلاتها بسبب الوباء بعد أن استنزفت مدخراتها للوفاء بسداد التزاماتها إزاء القرض العقاري، ومع قرب انفجار قنبلة معدل الرهن العقاري لم يكن لديها في النهاية خيار سوى بيع “منزلها الأبدي”.

يحتدم الجدل الآن فيما إذا كان ينبغي للحكومة أن تشارك حقاً في دعم كلف شراء أصل (على الأرجح) أن تزداد قيمته، بينما لا يستطيع الآخرون تحمل كلف لقمة عيشهم، وهذا هو ما تنطوي عليه كفالة الرهن العقاري أو تخفيف الالتزام المالي موقتاً، أو سمها ما شئت.

قولوا هذا لـكيتي، فهذه قصة ستتكرر خلال الأشهر المقبلة.

هذه أزمة احتراق بطيء، فوفقاً لمؤسسة القرار Resolution Foundation، فإن حوالى ثلاثة أخماس المقترضين في قروض ذات أسعار فائدة ثابتة رخيصة حصلوا عليها عندما كانت أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها، سيكون عليهم الآن تجديد الرهن العقاري وفقاً للمناخ المالي الحالي الأكثر كلفة.

وحتى عندما تتعرض الغالبية لهذه الضربة الموجعة فقد يستغرق الأمر بضعة أشهر قبل أن يتضح المدى الكامل للأزمة.

الرهن العقاري ليس مثل أشكال الديون الأخرى، فقد يتهاون المقترضون في سداد الفواتير أو تخطي السداد على بطاقات الائتمان الخاصة بهم أو القروض الشخصية، لكنهم سيسعون دائماً إلى سداد الرهن العقاري أولاً.

وأصحاب المنازل الذين يكافحون مثل كيتي سيفعلون كل ما في وسعهم قبل اللجوء إلى بيع منازلهم لأنها ليست مجرد استثمار مالي، بل هي مسألة شخصية للغاية، وهذا يفسر لماذا لا يزال عدد عمليات الاسترداد التي تنفذها البنوك منخفضاً بالمعايير التاريخية على رغم أنه آخذ في الارتفاع.

منظمة “خطوة نحو التغيير” Step Change الخيرية لتقديم المشورة المالية تعرب عن قلقها العميق، ويقول رئيس السياسات في المنظمة بيتر توتون إنه “بحلول نهاية هذا العام سيكون الملايين قد واجهوا زيادات كبيرة في مدفوعات الرهن العقاري الخاصة بهم، وبينما سيتأقلم بعضهم سيعطى آخرون الأولوية للتكيف من خلال تقليص إنفاقهم في مجالات أخرى، أو استخدام [أشكال أخرى من] الائتمان لتغطية نفقاتهم بطريقة تزيد من خطر حدوث مشكلات ديون خطرة في وقت لاحق”.

“حقيقة أننا لا نرى حتى الآن طفرة [كبيرة] في حالات الاسترداد في الرهن العقاري، أو في أصحاب المنازل الذين يسعون إلى الحصول على مساعدة الديون، ولا تعني أن أصحاب الرهن العقاري لا يشعرون بآثار 12 ارتفاعاً متتالياً في سعر الفائدة”.

ويقول توتون إن هيئة السلوك المالي تطلب من مقرضي الرهن العقاري التعامل مع المتأخرين بعناية وتعاطف وتقديم المساعدة والحلم إذا لزم الأمر، ويبدو أن الطريقة التي يتعاملون بها مع هؤلاء الأشخاص قد تحسنت مع الرقابة المكثفة للهيئة على المقرضين.

هناك خطوات أخرى يمكن للمستهلكين اتخاذها لتخفيف محنتهم أيضاً، ويمكن أن يشمل ذلك تمديد مدة الرهن العقاري إلى 30 أو 35 عاماً على سبيل المثال، وهذا يمكن أن يقلل إلى حد كبير من كلفة السداد الشهري، وإن كان ذلك على حساب زيادة كبيرة في المبلغ الإجمالي الذي يتعين عليهم سداده.

وقال رئيس تحرير مجلة ?MoneyWhich  [لإرشاد المستهلك] إل كلارك، إنه “مع وصول متوسط الرهن العقاري الثابت لمدة عامين إلى ستة في المئة، فمن المفهوم أن كثيراً من الناس سيكونون قلقين في شأن تحمل مدفوعات أعلى”.

“يجب أن يكون أول ما تقومون به هو التحدث إلى المقرض الخاص بكم، وقد يبدو هذا أمراً مخيفاً، ولكن من المهم أن تتذكر أن المقرضين ملزمون بمساعدة العملاء وأن التحدث إليهم لن يؤثر في تصنيفكم الائتماني.

“يمكن أن يشمل الدعم الذي يقدمه المقرض الخاص بكم استراحة موقتة من المدفوعات أو تسديد الفوائد فقط أو تمديد مدة رهنكم العقاري، وإذا كان يحق لكم الحصول على مزايا مثل الائتمان الشامل universal credit، فقد تكونوا مؤهلين للحصول على دعم الحكومة لنظام  فوائد قروض الرهن العقاري.

نصيحة كلارك في محلها، التحدث إلى المقرض الخاص بكم هو في الواقع الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، لكن التدابير الجديدة التي وضعت لرعاية المقترضين “المتعثرين” لم تخضع بعد لهذا النوع من الاختبار الذي يواجهونه اليوم، فماذا يحدث عندما تغرق البنوك والمصارف الاستثمارية بالمكالمات؟

يقول توتون إنه “مع تعرض مزيد من مالكي المنازل لضغوط أكبر بسبب كلفة المعيشة، فسيحتاج المقرضون والمنظمون والحكومة إلى ضمان حصول الناس على خيارات لتجاوز هذه الفترة الصعبة من دون الوقوع في مشكلات ديون ضارة”.

ومع ذلك استبعد ريشي سوناك حتى الآن أية مساعدة إضافية للمقترضين في نهاية الأزمة الحادة، لأسباب ليس أقلها أنها ستثير تساؤلات من مثل هل ينبغي إخضاع المستفيدين المحتملين لاختبار المقدرة المالية؟ ومن سيكون مؤهلاً ومن سوف يُستبعد؟ ماذا يحدث للمستأجرين، وكثير منهم في حالات أسوأ بكثير تزامناً مع الضغط الذي يشعر به ملاك العقارات.

وقد يفسر هذا سبب إصرار رئيس الوزراء على أن الحكومة “ستلتزم بالخطة” لخفض التضخم إلى النصف حتى يمكن تخفيف أسعار الفائدة.

ولكن هل سيظل السيد سوناك قادراً على التحدث عن التمسك بالخطط عندما تنهال على أعضاء حزبه شكاوى الناخبين الذين يطالبون بالمساعدة المقدمة نفسها في شأن فواتير الطاقة والإعانات خلال فترة الجائحة؟

يقول مصدر في “بنك سيتي” إن تدخل الحكومة في الرهون العقارية سيكون “ضرباً من الجنون”. “خصخصة الأرباح وتأميم الخسائر. يا للجنون.”

ولكن أليس هذا ما حدث مع المقرضين عام 2008 عندما قام دافعوا الضرائب بتقاسم خسائر البنوك؟

فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة أرباح البنوك لأنها لم تنقل الزيادات إلى المدخرين، فمن السهل أن نرى كيف ستواجه البنوك اتهامات التربح.

وفي الوقت نفسه يتعاظم الضغط على قطاع الإسكان، وقد قام المحلل نيل هدسون بتغريد رسم يوضح نسبة مشتريات المنازل المرهونة التي كانت أكثر من أربعة أضعاف دخل المقترض عام 2021، بحسب منطقة الرمز البريدي، وهؤلاء هم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر من الارتفاع الحالي في المعدلات، ويتركزون بشكل كبير في لندن ومقاطعات الجدار الأزرق [ناخبو حزب المحافظين] المحيطة بالعاصمة.

ومع اقتراب الانتخابات يظل سؤال إلى متى سيظل السيد سوناك قادراً على مقاومة الضغط السياسي من هذه الجهة سؤالاً مفتوحاً، وقد يكون صداعاً أشد حتى من بوريس جونسون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى