اقتصاد دولي

بقاء التضخم مرتفعا يثير المخاوف من تآكل المدخرات

مع رفع معظم البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة أسعار الفائدة مجدداً هذا نهاية الشهر والإشارة إلى أنها قد ترتفع أكثر هذا العام يعتقد المستثمرون أن معدلات التضخم المرتفعة ليست على وشك التراجع قريباً إلى المستويات المستهدفة من قبل السلطات النقدية.

وقبل أزمة وباء كورونا بعامين، أي في عام 2018، كانت معدلات التضخم في بريطانيا عند مستوى أقل من اثنين في المئة المستهدفة من قبل بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، وكانت نسبة الفائدة الأساسية عند أقل من نقطة مئوية (0.75 في المئة)، والآن بعد خمس سنوات، وصلت معدلات التضخم حالياً إلى ما يقارب ثمانية في المئة، بينما نسبة الفائدة الأساسية الآن عند نسبة نحو خمسة في المئة ويرجح أن ترتفع إلى 6.5 في المئة بنهاية هذا العام.

في مثل هذه الظروف، يقلق المستثمرون، كباراً وصغاراً، على مستقبل ثرواتهم التي يأكل التضخم من قيمتها، وحتى المدخرون يحتارون في الطريقة الأفضل للحصول على عائد مناسب على مدخراتهم دون أن يعني ذلك فقدان قيمة مدخراتهم الأصلية نتيجة التغيرات المرتبطة بارتفاع معدلات التضخم، ناهيك طبعاً بالمستثمرين في أسواق الأسهم الذين يزداد عددهم باطراد في السنوات الأخيرة.

توازن المحافظ الاستثمارية

هناك أكثر من طريقة يتبعها الناس عادة لاستثمار مدخراتهم، وكذلك تفعل الشركات والأعمال مع السيولة التي تتوفر لديها من فارق العائدات مع مصاريف التشغيل، والطريقة الأسهل تقليدياً هي أن يضع صاحب الثروة ما لديه في البنك ويحصل على فائدة عليه من خلال منتجات ادخارية مختلفة توفرها البنوك أو الشركات المالية المختلفة العاملة في استثمار المدخرات.

وفي الأعوام الأخيرة وبوتيرة زادت خلال فترة وباء كورونا يتجه كثيرون إلى الاستثمار في سوق الأسهم والأوراق المالية، بخاصة بعدما أصبح ذلك أمراً في غاية السهولة عبر تطبيقات على الهواتف الذكية تطرحها شركات ناشئة.

وفي مقال مطول بصحيفة “فايننشال تايمز” كتب المدير المشارك لصندوق الاستثمار الدولي “ميد ويند” وصندوق “أرتيميس غلوبال سيليكت فند” سايمون إيدلستين من خلال تجربته نصائح عدة للمستثمرين لحماية ثرواتهم من تأثير التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

ويطرح عديد من الشركات المالية التي تدير المدخرات منتجات استثمارية حالياً توفر عائداً على الادخار النقدي بنسبة ستة في المئة، وإن كان ذلك غالباً ما يرتبط بشرط إيداع المبالغ لمدة ثلاث سنوات، مثل شهادات الاستثمار ذات العائد الثابت في البنوك، لكن مع استمرار معدلات التضخم مرتفعة، فسيعني ذلك أن المستثمر يخسر ما يصل إلى اثنين في المئة سنوياً من القدرة الشرائية لمدخراته، ويعني ذلك أن كل دولار تدخره الآن ستصبح قيمته الفعلية 82 سنتاً بعد 10 سنوات.

ويعتبر إيدلستين ذلك مؤشراً إلى وضع الاستثمارات بشكل عام، ومنها بالطبع الاستثمارات في الأسهم والأوراق المالية، وعلى هذا الأساس ينصح بتنويع محافظ الاستثمار بما يضمن الحد الأدنى من الخسائر في قيمة الثروة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.

وتنقسم الأسهم بالنسبة إلى المستثمرين إلى نوعين، أسهم القيمة، وأسهم النمو. أما النوع الأول فيستثمر فيه صاحب الثروة لأنه يقدم عائداً على الأسهم للمستثمرين، وهي غالباً شركات راسخة ذات نشاط مستدام تقريباً، أما النوع الثاني فهو أسهم تتميز بالارتفاع السريع في أسعارها، ويكون عائد المستثمر منها هو فارق السعر بين الشراء والبيع، وتلك في الغالب شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة في ذلك المجال.

وتميل الصناديق التقليدية إلى المزج بين النوعين، لكن مستثمرين مثل صناديق معاشات التقاعد وأمثالها تكون محفظتها الاستثمارية بها نسبة أكبر من أسهم القيمة لأنها توفر عائداً مضموناً إلى حد كبير. وتشبه تلك الأسهم سندات الخزانة وسندات دين الشركات التي توفر عائداً مضموناً أيضاً، أما المستثمرون الساعون إلى أرباح كبيرة وسريعة فيستثمرون في سندات النمو أكثر، وهناك من تكون محافظهم الاستثمارية في معظمها من تلك الأسهم.

العائد والقيمة

ينصح المتخصص في مجال صناديق الاستثمار في مقاله بأن الظروف الحالية تتطلب إعادة النظر في مراكز المحافظ الاستثمارية من أسهم القيمة، حتى تلك الأسهم للشركات التي توزع عائداً بنسبة 5.5 في المئة مثل شركة شبكة الكهرباء الوطنية في بريطانيا أو شركة الاتصالات العملاقة “بريتيش تيليكوم”.

إلى جانب أن نسبة العائد الذي يتم توزيعه لم تعد ترتفع بمعدلات قريبة من معدلات التضخم المرتفعة، هناك أيضاً عامل قيمة السهم نفسه، إذ تعد قيمة السهم في تلك الحالة مثل المبلغ الذي تدخره نقداً في شهادة استثمار على سبيل المثال. ولأن تلك الشركات التي توزع عائداً على أسهمها لا تنمو أسهمها سريعاً، فإن الفارق بين معدل نمو قيمة السهم والتضخم يمثل فاقد قيمة للمستثمر ربما لا تعوضه توزيعات عائد الأرباح على السهم.

أما أسهم التكنولوجيا مثلاً، فعلى رغم أن معظم الشركات لا توزع عائداً على أسهمها، فإن المستثمرين فيها يستفيدون من ارتفاع سعر السهم ما دامت الأسواق في منحى ارتفاع كما هو حادث مثلاً منذ ما قبل أزمة وباء كورونا، لكن ذلك المنحى يشهد أحياناً صعوداً وهبوطاً، ولأن الاستثمار في أسهم النمو غالباً ما يكون قصير الأمد للاستفادة من أكبر عائد على الاستثمار فيها، فالربح الكبير على الاستثمار ليس مضموناً.

ويخلص إيدلستين إلى أنه على المستثمرين التحوط لاستمرار معدلات التضخم، وأيضاً أسعار الفائدة التي قد لا تبدأ في الانخفاض قبل فترة، وينصح من ينوعون محافظهم الاستثمارية لتقليل الأخطار وضمان الأرباح أن يعيدوا النظر في أن العائد على أسهم القيمة ليس مضموناً، وأن الأسواق لن تستمر في الارتفاع إلى ما لا نهاية كي يكون الربح من أسهم النمو أمراً مسلماً به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى