اقتصاد كويتي

5 مليارات دولار أرباح شركات الطاقة شهريا في بريطانيا رغم أزمة المعيشة

علمت “اندبندنت” أن شركات الطاقة العالمية حققت أرباحاً “مذهلة” بلغت أكثر من مليار جنيه استرليني (1.27 مليار دولار) أسبوعياً العام الماضي، فيما عانى ملايين البريطانيين الواقعين تحت ضغوط شديدة في تدفئة منازلهم أو دفع فواتيرهم خلال أزمة كلف المعيشة المستمرة.

وحققت “شل” و”إكوينور” و”إكسون موبيل” و”بريتيش بتروليوم” – وهي بعض من أكبر شركات توريد الغاز في المملكة المتحدة – أرباحاً صافية بقيمة 65 مليار جنيه استرليني عام 2023، وهو ما دفع نشطاء إلى اتهام الشركات المتعددة الجنسيات هذه بـ”تأجيج أزمة فواتير الطاقة“.

وتعاني العائلات في تحمل الكلف المتزايدة، إذ شهد ما يقدر بنحو 13 في المئة من الأسر في إنجلترا فقر الوقود العام الماضي – ارتفاعاً من 10.3 في المئة عام 2018، عندما بدأت أسعار الطاقة المرتفعة تضغط على المداخيل. وعلى رغم خفض الهيئة الناظمة للقطاع (مكتب أسواق الغاز والكهرباء Ofgem)، سقف فواتير الطاقة المنزلية إلى ألف و690 جنيهاً اعتباراً من أبريل (نيسان) المقبل، لا يزال المعدل أكثر بكثير من الألف و138 جنيهاً التي كان العملاء يدفعونها قبل بدء أزمة الطاقة خريف عام 2021.

كذلك ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء بنسبة 19 في المئة بالقيمة الحقيقية خلال السنة الماضية.

وهاجم منتقدون الأرقام التي كشف عنها بعد تحليل أجرته “اندبندنت”. وعلق إد ميليباند، وزير الدولة لتغير المناخ والصفر الصافي في حكومة الظل العمالية قائلاً: “ستضمن خطط حزب العمال أنه بينما تجني شركات النفط والغاز العملاقة أرباحاً هائلة وسط أزمة كلف المعيشة، ستدفع مبالغ أكثر نحو توفير طاقة أنظف وأرخص”. وأضاف: “نعتزم إنشاء شركة مملوكة للقطاع العام، ‘شركة الطاقة البريطانية العظمى’، والتي ستخلق آلاف الوظائف في قطاع الطاقة النظيفة وتسهيل الانتقال إلى الطاقة النظيفة بحلول عام 2030″.

وقال سايمون فرانسيس، منسق “تحالف إنهاء فقر الوقود”: “بدلاً من إيلاء الأولوية إلى العملاء، تترك الأسر لتراكم مستويات قياسية من الديون في مجال الطاقة، أو تعاني العيش في منازل باردة ورطبة. وفي الوقت نفسه، يقف السياسيون في قوقعة وستمنستر على الهامش، ويتبادلون الإهانات ويحاولون المساومة لخفض مقدار الأموال التي هم على استعداد لإنفاقها لإصلاح نظام الطاقة المعطل في بريطانيا”.

الحزب الديمقراطي الليبرالي قال إن الأرباح الضخمة التي حققتها شركات النفط والغاز العملاقة تؤكد حاجة الحكومة إلى فرض ضريبة مناسبة على الأرباح غير المتوقعة.

وتفرض ضريبة كهذه على الأرباح التي تحققها شركة ما نتيجة لعوامل خارجة عن إرادتها، فقد ارتفعت أسعار الغاز بعدما فرضت البلدان الغربية عقوبات على روسيا في أعقاب هجومها على أوكرانيا. وخفضت روسيا بدورها إنتاجها من الغاز. وعنى هذا تزايد الطلب وتراجع العرض، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار ومعه أرباح شركات إنتاج الغاز. وفرضت الحكومة ضريبة على الأرباح غير المتوقعة عام 2022، لكنها أعلنت العام الماضي أنها ستوقف العمل بها إذا انخفضت أسعار البيع بالجملة. ويقول منتقدون إن هذه السياسة يجب أن تكون أكثر صرامة.

يقدم كيث بتلر (72 سنة) وشريكته هيلين (64 سنة) رعاية بدوام كامل إلى ابنهما بالتبني غوردي البالغ من العمر 22 سنة. وغوردي أصم وأعمى ومصاب بالتوحد. تتطلب حاجات غوردي الطبية استخداماً مكثفاً للمعدات الكهربائية، مما يؤدي إلى ارتفاع استهلاك الطاقة للعائلة.

وقال السيد بتلر إن العائلة تواجه “ضربة مزدوجة” تتلخص في ارتفاع فواتير الطاقة واضطرارها إلى العيش على الدخل المتمثل في معاشه التقاعدي. وتسهم معدات الرعاية الخاصة بغوردي، بما في ذلك آلة التغذية والسرير الكهربائي، إلى جانب حاجاته الترفيهية، مثل مشاهدة مقاطع الفيديو والتلفزيون، في استهلاك الكهرباء.

وليست معاناة آل بتلر فريدة من نوعها. فلقد شهد العام الماضي ارتفاعاً في نسبة العائلات التي تنفق أكثر من 10 في المئة من دخلها، بعد اقتطاع كلف السكن، على فواتير الطاقة، إذ ارتفعت من 27 في المئة عام 2022 إلى 36 في المئة العام الماضي. كذلك ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء بنسبة 19 في المئة بالقيمة الحقيقية على مدار العام، وفق أرقام صدرت عن وزارة أمن الطاقة والصفر الصافي.

وقال السيد بتلر لـ”اندبندنت”: “لكي نتمكن من دفع فواتير الخدمات، كان علينا أن نخفض نفقاتنا. لم نعد نسافر في عطل. ولا أمضي وقتاً خارج المنزل ليلاً لأنني لا أستطيع تحمل كلف ذلك… تلقينا للتو فاتورة غاز بقيمة 450 جنيهاً عن الفصل السنوي الأخير، وتخيلوا وضعنا لو لم أحاول خفض النفقات. أنا أبذل قصارى جهدي، لكن فواتيرنا ترتفع تدريجاً طوال الوقت”.

أنا أبذل قصارى جهدي، لكن فواتيرنا ترتفع تدريجاً طوال الوقت

كيث بتلر (72 سنة) والد طفل ذي إعاقة

يريد السيد بتلر من الحكومة فرض رسم مخفض للطاقة مصمم خصيصاً للعائلات المحتاجة، كما ينتقد شركات الطاقة التي تحقق أرباحاً كبيرة من عملاء مثله.

وقال توم مارسلاند، من جمعية “سنس” Sense الخيرية التي تعنى بذوي الإعاقة، ودعمت عائلة السيد بتلر بدفعة نقدية لمرة واحدة: “من الصعب أن نسمع عن أرباح ضخمة في شركات الطاقة عندما نعلم أن عديداً من الأسر التي تضم ذوي إعاقة تكافح لدفع ثمن الأساسات بعد الزيادات الضخمة في فواتير الطاقة الخاصة بها… لقد خلصت بحوثنا إلى أن أكثر من نصف الأشخاص ذوي الإعاقة قد دفعوا إلى مراكمة ديون بسبب ارتفاع الأسعار. لا يمكن أن يكون تحقيق شركات الطاقة أرباحاً بمليارات الجنيهات في الوقت نفسه أمراً منصفاً”.

في غضون ذلك، أشاد الرئيس التنفيذي الجديد لـ”بريتيش بتروليوم” موراي أوشينكلوس بـ”الأداء التشغيلي القوي” لشركته خلال العام الماضي، إذ أعلنت شركة النفط العملاقة عن أرباح صافية بقيمة 15.2 مليار دولار (12 مليار جنيه)، في حين أفادت “شل” بأنها حققت “تقدماً جيداً على مدار العام”، إذ بلغ صافي أرباحها 19.3 مليار دولار

ومن بين الشركات الكبرى الأخرى الموردة للغاز الطبيعي إلى المملكة المتحدة – وهو عنصر رئيس في توفير كل من التدفئة والكهرباء إلى المنازل البريطانية – شركة “إكسون موبيل” الأميركية، التي حققت 36.01 مليار دولار، وشركة “إكوينور” النرويجية المملوكة للدولة، التي سجلت أرباحاً صافية بقيمة 11.9 مليار دولار. وحققت الشركات معاً 82.3 مليار دولار في أنحاء العالم كله، أو نحو 65.4 مليار جنيه.

وقالت الناطقة باسم شؤون وزارة المالية في حزب الديمقراطيين الأحرار، النائبة سارة أولني: “هذا يدل على أن الضريبة الحكومية على الأرباح غير المتوقعة تفشل تماماً. يمكن للحكومة أن تجمع المليارات لحماية الخدمات العامة ومساعدة ملايين العائلات التي تعاني فقر الوقود في أنحاء البلاد كلها، لكنها اختارت بدلاً من ذلك السماح لشركات النفط والغاز العملاقة بالاستمرار في تحقيق أرباح ضخمة”.

ووجد تحليل آخر أجرته منظمة “مشورة المواطنين”، ونشر نهاية يناير (كانون الثاني)، أن 5.3 مليون شخص يعيشون حالياً في أسر مدينة للشركات التي تورد إليها الطاقة.

وظل 800 ألف شخص من دون غاز أو كهرباء لأكثر من 24 ساعة العام الماضي لأنهم لم يتمكنوا من تحمل كلف عداداتهم المسبقة الدفع.

إن صافي الأرباح التي حققتها “بريتيش بتروليوم” و”شل” و”إكسون موبيل” و”إكوينور” عالمي، وليس خاصاً بالمملكة المتحدة، ذلك أن الشركات تحقق أرباحاً هائلة أثناء قيامها بالحفر والتنقيب بحثاً عن النفط والغاز اللذين يباعان، من ثم إلى شركات موردة، مثل “بريتيش غاز” أو “إي دي أف”.

وطلبت “اندبندنت” من كل شركة تقديم معلومات عن أرباحها في المملكة المتحدة.

أفادت “شل” بأنها لم تنشر أرباحها تتعلق ببلدان محددة، لكنها كشفت عن أنها دفعت 1.4 مليار دولار (1.1 مليار جنيه) ضرائب في المملكة المتحدة عام 2023.

وأجابت “إكوينور” بأن أرباحها المحددة في المملكة المتحدة ستصدر في وقت لاحق من هذا العام. وأشارت “بريتيش بتروليوم” بأنها لا تفند أرباحها عند مستوى كل بلد، لكنها أكدت أنها دفعت 1.5 مليار دولار في ضرائب في المملكة المتحدة العام الماضي.

ولفتت “إكسون موبيل” إلى أن أرباحها انخفضت بنسبة 20 في المئة تقريباً مقارنة بالعام السابق. وأضافت شركة النفط العملاقة أنها تستثمر أكثر من مليار جنيه في المملكة المتحدة “للمساعدة في تلبية حاجات البلاد من الوقود محلياً وللمساعدة في بناء الأسس الخاصة بالوقود المنخفض الانبعاثات في المستقبل”.

وأعلنت “شل” أنها توفر نحو 10 في المئة من إجمالي حاجات المملكة المتحدة من النفط والغاز، بينما كشفت “بريتيش بتروليوم” أنها واحدة من أكبر شركات إنتاج النفط والغاز في المملكة المتحدة. ومن المعروف أن “إكوينور” من الشركات الكبيرة الموردة للغاز في المملكة المتحدة، في حين أن “إكسون موبيل” تستثمر في مرفق “ساوث هوك” للوقود الواقع في ميلفورد هافن، إذ يستورد كثير من الغاز المستهلك في المملكة المتحدة.

وتحقق “شل” نحو خمسة في المئة من إيراداتها في المملكة المتحدة، في حين أشارت “بريتيش بتروليوم” إلى أن أعمالها في المملكة المتحدة مسؤولة عن أقل من 10 في المئة من أرباحها العالمية.

وأفاد فرع “إكوينور” في المملكة المتحدة بأنه حقق صافي ربح قدره 702 مليون جنيه عام 2022، وهو آخر عام كشف فيه عن أرباحه، مقارنة بصافي الأرباح العالمية للشركة البالغ 28.7 مليار دولار.

ولفتت “إكسون موبيل” إلى أن قسمها لتسويق الغاز الأوروبي الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً حقق أرباحاً صافية قدرها مليار جنيه عام 2022 – وهي نسبة صغيرة من الـ55.7 مليار دولار الناتجة من عمليات الشركة العالمية.

وأعلن مكتب أسواق الغاز والكهرباء أنه لا ينشر بيانات عن الشركات التي تزود المنازل والشركات في المملكة المتحدة بمعظم الغاز.

ناطق باسم وزارة أمن الطاقة والصفر الصافي قال “نقدم ما معدله ثلاثة آلاف و700 جنيه إلى كل أسرة للمساعدة في تسديد الفواتير، وتظهر أحدث الأرقام أن خططنا لدعم فواتير الطاقة والتقدم المحرز في جعل المنازل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة تحمي مئات الآلاف من الأسر من فقر الوقود… لقد خفضنا معدل التضخم إلى النصف، وأسعار الطاقة الآن أقل بكثير من ذروتها المسجلة العام الماضي – لكننا ندرك تحديات كلف المعيشة التي لا تزال العائلات تواجهها، وسنواصل توجيه الدعم إلى من هم في أمس الحاجة إليها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى