اقتصاد دولي

أسعار البيوت في بريطانيا تشهد أكبر انخفاض سنوي في عقد

تُعتبَر بريطانيا مدمنة على ارتفاع أسعار البيوت إلى درجة أن أبسط تلميح إلى تراجع في السوق يصاحبه قلق وغضب وتوقعات متشائمة. ويُعَد إصدار أحدث مؤشر لأسعار البيوت لدى «الجمعية الوطنية للبناء» مثالاً على ذلك.
تكمن أهمية التحديث في أن الأرقام تظهر انخفاضاً سنوياً بنسبة 1.1 في المئة. فالأسعار تنخفض على أساس شهري منذ فترة، لكن هذا المؤشر بالذات يبيّن للمرة الأولى انخفاضاً على مدار سنة منذ يونيو (حزيران) 2020. وتذكروا أن ذلك حصل في خضم الجائحة. يمثل الرقم الخاص بفبراير (شباط) 2023 هذا في الواقع أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2012.
تراجع أسعار النفط بضغط توافق «أوبك+» على زيادة الإمدادات:- ورافق إصدار البيانات أيضاً تحذير من «بيرسيمون للمنازل» من أن أرباحها قد لا تلبي توقعات المساهمين، والشركة واحدة من كبرى شركات التطوير العقاري، وقد حاولت ذات مرة دفع مكافأة قدرها 100 مليون جنيه استرليني (119 مليون دولار تقريباً) إلى رئيسها التنفيذي (خُفِّض المبلغ في أعقاب احتجاج) عندما كانت الشمس تشرق على السوق قبل بضع سنوات. من المحتمل أن يلقي جمهور المساهمين المؤسسين الخانعين في بريطانيا نظرة فاحصة على المكافآت الحالية المخصصة للمسؤولين التنفيذيين بعدما شهدوا تراجعاً مفاجئاً لحيازاتهم. وألقت السوق نظرة قاتمة جداً على الشركة التي توقعت أن المبيعات المكتملة قد تنخفض من حوالى 16 ألف صفقة العام الماضي إلى مستوى متدن يساوي ثمانية آلاف صفقة.
بالنسبة إلى مؤشر أسعار البيوت لدى «الجمعية الوطنية للبناء»، عليكم أن تنظروا إلى ما وراء العناوين للوصول إلى الجزء الأكثر أهمية. يأتي ذلك بفضل روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في الجمعية، الذي وصف التراجع بأنه «متواضع». وهو كذلك. لا يزال سعر البيت المتوسط يفوق ربع مليون جنيه (سجل 257 ألفاً و406 جنيهات). وفي الوقت نفسه، يشير غاردنر إلى أن مدفوعات الرهن العقاري التي يواجهها مشتر محتمل للمرة الأولى يكسب دخلاً متوسطاً لا تزال «أعلى بكثير من المتوسط البعيد الأجل المحتسب كنسبة من الأجر الصافي».
وهو يُبرِز أيضاً متطلبات الدفعة الأولى التي لا تزال «مرتفعة في شكل مانع لكثر». سيكون الادخار من أجل الدفعة الأولى عبارة عن معاناة في الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولا سيما لأولئك الذين يعانون مع قطاع الإيجارات الخاص، إذ إن الإيجارات تتخذ منحى تصاعدياً حاداً. هل ترغبون في المزيد؟ أفاد مكتب الإحصاءات الوطنية في تحليل لإمكانية تحمل التكاليف العام الماضي بأن الموظفين بدوام كامل يمكن أن يتوقعوا إنفاق حوالى 9.1 ضعف مكاسبهم السنوية في مكان العمل على شراء منزل، مقارنة بـ7.6 ضعف العام السابق. ومن المقرر أن يصدر التحديث المقبل لإمكانية تحمل التكاليف نهاية هذا الشهر. لكن مع بدء الأسعار في الانخفاض على أساس سنوي، على رغم ارتفاع الأجور (لكن ليس بالقيمة الحقيقية المعدلة وفق معدل التضخم)، من المرجح أن يظل مضاعف المكاسب مرتفعاً.
في العادة تقرض الجهات المقرضة المشتري للمرة الأولى مبلغاً يتراوح بين 4.5 وخمسة أضعاف المكاسب. إن الفجوة بين المعروض والمطلوب كبيرة. وهذا ما يفسر لماذا أصبحت الأموال العائلية عاملاً مهماً (لقد أصبحت هذه الأموال مصدراً من أكبر مصادر القروض في بريطانيا). ويمكن لأولئك الذين يكون والدوهم أغنياء بما يكفي ليدعموا مشترياتهم الوصول إلى سلّم الإسكان. والدرجة الأولى من السلّم هائلة للعديد من أولئك الذين يفتقرون إلى دعم إضافي.
وهكذا أصبحت «ديمقراطية امتلاك العقارات» المحبوبة من قبل حزب المحافظين متاحة للقلة فقط، وهي تفاقمت بسبب النواب «الحريصين على الجمال الطبيعي في دوائرهم الانتخابية» الذين أحبطوا إصلاحات استهدفت التخطيط العمراني كانت ربما ستسهل بناء مزيد من المنازل حيث تدعو الحاجة إليها.
ومع الأثر الخبيث لأزمة تكاليف المعيشة من المثير للعجب أن الأسعار لم تبدأ في الانخفاض في وقت أسبق. لقد تأخر التصحيح كثيراً ويجب أن يمضي هذا التصحيح إلى مرحلة أبعد. بالطبع، ليست هذه الأخبار كلها جيدة للمشترين الذين يعانون من ضغوط شديدة في البلاد. سيكون حتماً لأرقام مثل تلك التي تنتجها «الجمعية الوطنية للبناء» أثر في سوق الإسكان – لا أحد يريد أن يبيع في سوق هابطة ما لم يكونوا مضطرين إلى ذلك في شكل مطلق.
لكن هذه الأرقام لا تزال إيجابية في صورة صافية. على الأقل، في غياب أي شيء يحفز زيادة العرض مثل محاولة متجددة لتعديل قواعد التخطيط العمراني تلك أو فرض شرط «ما لا تستعمله تخسره» على المطورين العقاريين في ما يتعلق بالأرض التي يمتلكونها. الأراضي التي يمكن أن تُملَأ بمئات الآلاف من المنازل الجديدة التي تشتد الحاجة إليها. هذا على رغم أن المطورين العقاريين قد يميلون الآن إلى الثبات حتى تبدأ الأسعار في الارتفاع مرة أخرى بهدف إبقاء المساهمين سعداء.
وبالنظر إلى حالة السوق، سيكون هذا النهج غير معقول تماماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى