اقتصاد دولي

دور المرأة في الاقتصاد الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في خضم الواقع المرير الذي يعكس الفوارق بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نرى الآن تغيرًا ملحوظًا في التوجهات تشهده المنطقة التي تعاني بدورها من تحديات وأزمات بيئية تلوح في الأفق، حيث أثبتت المرأة نفسها باعتبارها محركًا رئيسًا في تأجيج وحفز الثورة الخضراء.  وتبذل رائدات الأعمال والقياديات جهودًا غير مسبوقة لتحدي الصور النمطية وإعادة تشكيل مشهد الاستدامة، على الرغم من مواجهتهن لمعيقات هائلة خلال هذه الرحلة. في هذا المقال، تستعرض بيترا جيفري الأسباب الدافعة لهذا التحول والتحديات التي لا تزال قائمة، وتوضح كيف أن تقلد المرأة لأدوار قيادية في قطاع البيئة يبشر بدنو التغيير.

بيّنت دراسات منظمة العمل الدولية إلى أن 19% فقط من النساء في الدول العربية يشاركن في القوى العاملة، وهو أدنى معدل على مستوى العالم ويقل كثيرًا عن المتوسط العالمي البالغ 48%.  ويبرز هذا التفاوت بصورة أكثر وضوحًا في قطاعات الوظائف الخضراء. وتشير توقعات منظمة العمل الدولية إلى أنه من بين 400 ألف فرصة عمل محتملة للشباب العربي تنشأ عن مبادرات السياسات الخضراء، من المتوقع أن تشغل النساء أقل من 10% منها.  وتؤكد هذه الإحصائية الصارخة على أن فجوة عدم المساواة بين الجنسين التي تعيق التقدم في المنطقة لا تزال قائمة.

ووفقاً لتقرير نشره معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات (MDPI)، تحتل ريادة الأعمال النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المراتب الأدنى على مستوى العالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة النساء في أنشطة ريادة الأعمال 8% فقط.  هناك العديد من رائدات الأعمال اللواتي أثبتن قدراتهن الريادية في المنطقة، إلا أنهن لا يزلن يحتجن إلى مزيد من الثقة في قدراتهن، الأمر الذي يشكل عائقًا كبيرًا أمام نمو مشاريعهن ونجاحهن في نهاية المطاف.

ومع ذلك، أشارت الأبحاث إلى أن النساء اللاتي يمارسن ريادة الأعمال يظهرن مستويات أعلى من الثقة بالنفس مقارنة بنظرائهن من الرجال.  وصُنفت الثقة بالنفس باعتبارها إحدى المحفزات الأساسية لرائدات الأعمال، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى مثل الاستقلالية والإنجاز. كما بيّنت دراسة بحثية أُجريت مؤخرًا أن الشركات التي تقودها نساء تميل إلى تحقيق درجات أعلى في المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة مقارنةً بمنشآت الأعمال الأخرى، بل أن الشركات التي تملكها نساء تظهر ميلاً أكبر نحو تنفيذ ممارسات كفاءة استخدام الطاقة.

وأفادت دراسة أجرتها الشركة العربية للاستثمارات البترولية (ابيكورب) أنه على الرغم من الجهود الناشئة التي تستهدف إشراك المرأة في الأدوار والمناصب القيادية التي تدفع عجلة التحول الأخضر، تشير التقديرات إلى أن حوالي 575 مليار دولار يتم فقدانها سنويًا بسبب العقبات القانونية والاجتماعية التي تعيق مشاركة المرأة في الحوارات المؤثرة لدى الحكومات ومؤسسات الأعمال بشأن سياسات المناخ والمبادرات الرامية إلى التخلص من الكربون.  ومن ثم هناك حاجة ملحة لزيادة نسبة إشراك النساء والفتيات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عملية صنع السياسات المتعلقة بتغير المناخ، إلى جانب إشراكهن في مجالات السياسات ذات الصلة.

هدم الصور النمطية وبناء إمبراطوريات خضراء:

رائدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُعدن تشكيل المشهد الاقتصادي عن طريق دمج الممارسات المستدامة في مشاريعهن، بدءًا من الشركات الناشئة المكرسة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وصولاً إلى الشركات التي تركز على الزراعة المستدامة.  وبعيدًا عن الأعراف التقليدية، تقود رائدات الأعمال مبادرات فريدة من نوعها في القطاع الأخضر، فعلى سبيل المثال ينصب اختصاص سلمى بوقراني، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة GREEN WATECH في المغرب، على توظيف أساليب موفرة للطاقة واستغلالها في تنقية مياه الصرف الصحي ومعالجة مشكلة ندرة المياه التي تفاقمت في الآونة الأخرة بسبب استفحال موجات الجفاف. وفي ذات السياق،  أسست رنا القليوبي من لبنان شركة Affectiva للاستثمار في التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي عن طريق إثراء تفاعلات العملاء ونشر ثقافة الاستهلاك الواعي.

إلى جانب ذلك، أثبتت العديد من المؤسسات من أمثال مجموعة بيئة أن النوع الاجتماعي بات لا يشكل عائقاً أمام الطموح والتفاني، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة الإماراتية. تجسد النساء المنتسبات إلى مؤسسة “بيئة” الطبيعة المتنوعة والديناميكية التي تتمتع بها رائدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يساهمن في مشاريع تتبع قطاعات متنوعة مثل الطاقة المتجددة، والأزياء المستدامة، والسياحة البيئية، والزراعة العضوية.

ما وراء حدود ريادة الأعمال: توجيه عجلة التقدم المؤسسي:

بعيدًا عن سياق ريادة الأعمال، تتولى النساء مناصب قيادية في الشركات التي نجحت في ترسيخ مكانتها، تتيح لهن تعزيز جهود الاستدامة وصياغة السياسات المؤسسية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تدعو الدكتورة نوال الحوسني التي تشغل منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، إلى دعم جهود التحول إلى الطاقة المتجددة على مستوى العالم.  وتنصب جهود لبنى العليان، رئيس الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، على الترويج للمبادئ البيئية والاجتماعية ومبادئ الحوكمة لتعزيز النمو المسؤول. من جانبها، تتولى الخبيرة الاستراتيجية فرح ناز المختصة في مجالات تغيير المناخ ومؤلفة كتاب “المدينة الخالية من الكربون” قيادة مبادرات المدن المستدامة في  شركة إيكوم للاستشارات الهندسية (AECOM). وتترأس نهلة نبيل، خبيرة الاستدامة في شركة الاتحاد للقطارات، العديد من المشاريع، منها الاعتماد الأول في المنطقة في مجال الانبعاثات الكربونية. وتختص المهندسة القطرية آية نافع في مجال الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري، وتحرص على دمج الاستدامة في تصاميمها وتشجع المعماريات الطموحات على تحقيق تطلعاتهن، مستمدةً إلهامها من المهندسة العربية الأولى زها حديد.

تثبت هؤلاء القياديات يومًا بعد يوم أن التنوع الجنساني في المناصب القيادية يعزز ممارسات الأعمال المستدامة ويحقق نتائج بيئية أفضل.

التحديات والفرص

على الرغم من التقدم المحرز في العديد من المجالات، لا تزال التحديات قائمة، وخصوصًا فيما يتعلق بمحدودية الوصول إلى التمويل، والتحيز الجنسي، والحواجز التي تعيق التواصل وإقامة العلاقات. وللتصدي لهذه التحديات، لا بد من وضع آليات تمويل مستهدفة، وتأسيس برامج للتثقيف والإرشاد، وإطلاق مبادرات لتنمية المهارات، وبذل جهود حثيثة لمكافحة التحيز القائم الجنس. كلّ ذلك لا يلغي حقيقة وجود فرص كبيرة للنمو والتقدم.

محفزات التغيير: دعم الاتجاه

هناك العديد من العوامل التي تسهم في زيادة نسبة تقلد المرأة للأدوار القيادية داخل القطاع البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كم أن زيادة مستوى الوعي بالقضايا البيئية يمثل حافزًا يدفع النساء إلى تكثيف جهودهن في البحث عن حلول وإنشاء مشاريع مستدامة.  ويوفر الدعم الذي توفره الحكومات عن طريق المبادرات، مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والأجندة الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة، بيئةً خصبة لازدهار رائدات الأعمال.  وتقف منصة السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة (WiSER) باعتبارها ملتقى عالمي داعم يؤكد على الدور المحوري للمرأة في قيادة التحولات المستدامة.  ويسهم التقدم التكنولوجي في تمكين المرأة من ابتكار حلول بيئية إبداعية، في حين يعمل التطور التدريجي في الأعراف الثقافية على تعزيز قبول المرأة في المناصب القيادية.  علاوة على ذلك، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برامج مختلفة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في القطاع البيئي.

وأدى التوسع في ريادة الأعمال الاجتماعية والاستثمار المؤثر إلى خلق سبل جديدة تتيح للنساء فرص الحصول على التمويل والدعم لمبادراتهن الخضراء.  ومن خلال الاستفادة من هذه الفرص، يمكن لرائدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التغلب على المعيقات والاستمرار في إحداث التغيير الإيجابي في مجتمعاتهن.

مستقبل مستدام تتصدر فيه المرأة الصفوف الأمامية

يمثل وصول المرأة إلى أدوار قيادية في القطاع الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نقطة تحول حاسمة.  ومن خلال تمكين ودعم هؤلاء النسوة، سنطلق العنان لقدراتهن وسنمكنهن من دفع عجلة الابتكار، وخلق فرص العمل، وبناء مستقبل أكثر استدامة في المنطقة وخارجها.  ولا يقتصر تمكين المرأة في الفضاء الأخضر على سد حاجة اجتماعية فحسب، بل يمثل ضرورة اقتصادية وبيئية على حدٍ سواء.

وفي الختام، لا بد من التأكيد على دور المرأة المحوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومدى أهمية مشاركتها في قيادة الثورة الخضراء، وتحويل التحديات إلى فرص، وتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة.  وتحمل القيادة النسائية أهمية كبيرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم ازدهار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتعزيز قدرتها على الصمود للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى