اقتصاد دولي

لماذا يتوقع تراجع أسعار المنازل البريطانية في 2026؟

لم يسمع كثير من الناس عن دورة العقارات التي تستمر 18 عاماً، لكن البعض يعتقد أن بإمكانه التنبؤ بدقة بالانهيار المقبل في أسعار المنازل، واستناداً إلى البيانات التاريخية التي تعود إلى قرون مضت، فإن النظرية تقول إن هناك نمطاً من الارتفاع والانخفاض في أسعار العقارات يكرر نفسه باستمرار، ويبلغ ذروته في دورة انحدار كبرى واحدة كل 18 عاماً، وتم تحديد هذه الدورة من قبل المؤلف والمعلق الاقتصادي البريطاني فريد هاريسون، وباستخدام صيغته الخاصة، تنبأ بدقة بآخر انهيارين في سوق الإسكان في أوائل التسعينيات وفي عام 2008.

عندما تحدثت صحيفة “ديلي ميل” إلى هاريسون في يونيو (حزيران) 2021، توقع أن الانهيار المقبل سيكون في عام 2026، ولكن هل أدى التضخم اليوم وارتفاع معدلات الرهن العقاري إلى خروج الدورة عن مسارها؟

الصحيفة التقت هاريسون مرة أخرى للحصول على تحليله حول المسار الذي تتجه إليه أسعار المنازل الآن، وسؤاله عما إذا كانت توقعاته لا تزال قائمة.

مراحل دورة 18 عاماً

تبدأ دورة الثمانية عشر عاماً بعد كل انهيار، عندما تستغرق السوق نحو أربع سنوات لبدء مسارها التصاعدي مرة أخرى، ثم تبدأ بعد ذلك ست أو سبع سنوات من النمو المتواضع في ما يعرف باسم “مرحلة التعافي”، وبعد ذلك، يحدث تراجع في منتصف الدورة، وغالباً ما يكون تراجعاً في السوق لمدة عام أو عامين، قبل أن تبدأ مرحلة الازدهار النهائية، ومن ثم تستمر الطفرة النهائية عادة لمدة ست أو سبع سنوات أخرى، وهنا تنمو الأسعار في المتوسط أكثر من أي نقطة أخرى في الدورة.

للتوصل إلى نظريته، قام هاريسون بتحليل بيانات تعود لمئات السنين جمعها من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا واليابان، وفي كتابه “القوة في الأرض”، الذي نشر عام 1983، توقع بشكل صحيح أن أسعار العقارات ستصل إلى ذروتها في عام 1989، فضلاً عن الركود الذي أعقب ذلك.

وفي عام 2005، نشر كتاب “ازدهار الإفلاس: أسعار المنازل والخدمات المصرفية والكساد في عام 2010″، تنبأ فيه بنجاح بذروة أسعار المنازل في عام 2007 وما تلاها من كساد.

ووفقاً لهاريسون، فقد توقع بالفعل انهيار عام 2008 قبل عقد من الزمن على الأقل، وعندما تحدثت الصحيفة إليه في يونيو 2021، توقع أن تبلغ أسعار المنازل ذروتها مرة أخرى في عام 2026 قبل أن تتعرض للركود الذي سيطغى في قوته على أزمة عام 2008.

أين نحن في الدورة الحالية؟ 

يبدو أن الدورة تسير بشكل مثالي حتى نهاية العام الماضي، في حين شهدت مرحلة الازدهار الأخيرة ارتفاع متوسط أسعار المنازل بنسبة 27 في المئة من 230 ألف جنيه استرليني (294.31 ألف دولار) إلى 292 ألف جنيه استرليني (373.62 ألف دولار) بين أبريل (نيسان) 2020 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بناءً على أرقام السجل العقاري.

إذا كانت الدورة تسير كما ينبغي لها، فلابد أن تستمر طفرة أسعار المساكن نفسها، ولكن بدلاً من ذلك، بدأت الأسعار في الانخفاض اليوم بعد الارتفاع السريع في أسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني)، والواقع الجديد المتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري الذي جلبه هذا الارتفاع.

ووفقاً لأحدث مؤشر لأكبر مجتمع بناء في العالم “نيشين وايد”، انخفضت أسعار المنازل السنوية بنسبة 3.8 في المئة، في حين تقول “هاليفاكس” إن الأسعار انخفضت بنسبة 2.4 في المئة على أساس سنوي.

وعلى رغم الاتجاه الهبوطي الحالي، يرى هاريسون أن هذا ليس أكثر من مجرد نقطة عابرة قبل أن تستمر الأسعار في الارتفاع مرة أخرى.

ويوضح هاريسون، “كان كوفيد بمثابة فترة فاصلة أدت إلى ارتفاع الأسعار قبل الأوان، لكن اتجاه الأسعار سيظل صعودياً، مع بعض التعديل الموقت لمراعاة الخروج من آثار الجائحة وتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا”.

ويضيف هاريسون “تستقر السوق تحت الضغوط، ولكن الاتجاه التصاعدي في أسعار العقارات هو السبيل الوحيد للذهاب، الذي تعززه السياسات المناهضة للملاك التي تنتهجها حكومة المحافظين والنهج الفوضوي الذي تتبعه وستمنستر في التعامل مع سوق الإسكان”.

وخلافاً للاعتقاد الشائع، يعتقد هاريسون أنه إذا بدأت أعداد متزايدة من أصحاب العقارات في البيع، فإن هذا سيساعد في الواقع على رفع أسعار المنازل.

ويقول “إذا قام مزيد من الملاك ببيع عقاراتهم، فإن مبيعاتهم ستساعد على استعادة الازدهار لسوق العقارات هذا العام، لكنها لن تفعل شيئاً لتحقيق التوازن بين العرض والطلب”.

ويضيف، “سيؤدي ذلك فقط إلى تقييد اختيار المستأجرين المحتملين، بالتالي إلى ارتفاع الإيجارات، ويجعل المستأجرين يائسين، وقد يقرر بعضهم الحصول على قروض عقارية لمدة 35 عاماً والضغط على ميزانياتهم، بالتالي المساعدة في رفع الأسعار”.

وهناك عامل رئيس آخر من شأنه أن يدفع الأسعار إلى الارتفاع من وجهة نظر هاريسون، وهو الانتخابات العامة في العام المقبل.

ويضيف “إن المحافظين لن يزعجوا مشتري المنازل المحتملين أكثر مما فعلوا بالفعل. القدرة على تحمل تكاليف العقارات ستبقى قضية تحدد التصويت”.

ويرى أيضاً أنه في ظل ارتفاع معدلات التضخم، سينظر إلى العقارات على أنها ملاذ آمن، ويقول “ستظل أفضل وسيلة للتحوط ضد التضخم”. ومع تآكل العائدات على الأصول الأخرى بسبب التضخم، سيكون هناك دافع متزايد للحصول على الأصول ذات العائد الإيجاري، بما في ذلك الأراضي السكنية، وهذا يساعد على تعزيز دورة الـ18 عاماً.

هل ستنهار سوق الإسكان في عام 2026؟ 

يلتزم هاريسون دورة الـ18 عاماً ولم يغير رأيه في شأن انهيار أسعار المنازل التالي الذي سيحدث في عام 2026.

ويقول “مع اقتراب موعد الانتخابات في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025 في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، ستعمل الحكومات على زيادة تدفق الأموال والسياسات لضمان استمرار مؤيديها الموثوقين في التصويت لصالحها”.

وسوف ترتفع أسعار المساكن بنسبة 20 في المئة على الأقل قبل عام 2026.

وأضاف “في عام 2008، كانت الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأزمة هي تحميل الأجيال المقبلة بالديون، وفرض كساد لمدة عقد من الزمن من خلال تدابير التقشف”. وتابع “خيار التيسير الكمي لن يكون متاحاً للحكومات في المرة المقبلة، وليس لديهم خطة بديلة”.

في حين لا يرسم هاريسون صورة وردية للمراحل الأخيرة من هذا العقد، وبدلاً من ذلك، يتوقع أن يؤدي الانهيار إلى ركود يحجب أحداث عام 2008.

ويقول “سنكون في مياه مجهولة، فلا أحد يستطيع تخمين معدل انهيار أسعار المنازل. وسوف تتجمد السوق، ويطول أمد الانكماش الاقتصادي وتعززه مجموعة متنوعة من الأزمات الوجودية، وسوف تشمل هذه الأزمات الوجودية ارتفاعاً حاداً في الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى استجابة لأزمة المناخ، ثم هناك غزو تايوان، الذي حذر الرئيس الصيني شي جينبينغ من أنه سيحدث بحلول عام 2028”.

ما الذي يمكن أن يكسر الدورة؟ 

يضيف هاريسون “يجب ألا ننسى بطاقة ترمب، ففي حال فاز الرئيس السابق بإعادة انتخابه في عام 2024، فسوف يكرر ممارسته الضخمة لخفض الضرائب، الأمر الذي سيؤدي إلى تطور تصاعدي هائل في أسعار المنازل الأميركية، ويزيد من تجزئة الاقتصاد العالمي”.

ورداً على هذا المزيج المميت من الأحداث، يتوقع هاريسون أن يتجه بعض الناس إلى التلال، بالمعنى الحرفي للكلمة، هرباً من الفيضانات الساحلية، وسيؤدي ذلك إلى رفع الأسعار في تلك المواقع، ولكن ليس بما يكفي لتخفيف الانهيار العام لسوق الإسكان.إذا كانت القروض العقارية الأكثر تكلفة لن تكسر هذه الدورة، فما الذي قد يكسرها؟، يشير هاريسون إلى أن الأمر سيتطلب شيئاً أكثر دراماتيكية من “كوفيد – 19” أو ارتفاع أسعار الفائدة. ويقول “باستثناء حرب عالمية، لا شيء يمكن أن يصرف الاقتصاد عن الامتثال للقوى الراسخة.

ويضيف هاريسون “يمكن للسياسيين سيئي الحظ تعديل الاتجاهات بشكل هامشي، ومن الأمثلة على ذلك الحوافز الممولة من الضرائب المقدمة للمشترين لأول مرة، التي أدت إلى ارتفاع الأسعار وجعلت تكلفة المساكن أقل من أي وقت مضى”. وتابع “ولكن في ظل النموذج الحالي لحقوق الملكية والسياسات الضريبية، لا تستطيع الحكومات وقف اتجاه أسعار المنازل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى