أخبار عاجلةمنوعات اقتصادية

الاستقالة الصامتة .. اتجاه جديد يثير القلق في سوق العمل

هل تذهب إلى عملك يوميا دون حماس، هل تشعر بأنه يجب عليك فقط أن تقوم بمهامك دون بذل جهد إضافي، هل تخليت عن رغبتك في ترقي السلم الوظيفي ونيل منصب أعلى؟… حسنا إذا كنت تشعر بكل ذلك فأنت الآن من بين فئة «المستقيلين الصامتين».
يثير مصطلح الاستقالة الصامتة اضطرابا في صفوف الشركات وقادة الأعمال في ظل تصاعد النقاش حول رسم حدود أكثر ثباتا بين العمل والحياة، لكنه بات ينال إشادة من بعض الموظفين خصوصا بين الأجيال الشابة في مواجهة الثقافة العامة للالتزام الصارم بالعمل والوظائف في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
البعض يقول إن الدافع وراء هذا الاتجاه الإنهاك الذي أصاب موظفي الشركات خلال فترة جائحة كوفيد-19، وكرد فعل على خيبة الأمل التي واجهها البعض بشأن الأجور وزيادتها، والإحساس بعدم الرضا عن العمل لأسباب مثل عدم تلقي مكافآت مالية أو تقدير أدبي.
بينما يقول آخرون إنها دعوة لإعادة تصور الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه العمل وتحقيق توازن صحي فقط بين العمل والحياة، حيث يمنح ذلك الموظفين الأولوية لصحتهم البدنية والعقلية من خلال عدم بذل جهد إضافي في العمل، وبدلا من ذلك فإنهم يختارون أن يقوموا بالمهام التي يتقاضون مقابلها ولا شيء أكثر، مع الأخذ في الاعتبار إمكانات تمديد العمل عن بعد وعدم العمل في العطلات. nيقول آخرون إن الدافع وراء ذلك قد يكون تعبيرا عن عدم الرغبة في المخاطرة بترك الوظائف والبحث عن وظيفة جديدة في ظل أوضاع السوق المتقلبة.
رائج على «تيك توك»:- يشهد الاتجاه رواجا على منصة «تيك توك» على وجه الخصوص، إذ يرفض الموظفون الشبان فكرة الذهاب إلى ما هو أبعد من واجباتهم الوظيفية، واصفين حماسهم الأقل تجاه العمل بأنه شكل من أشكال الإقلاع عن التدخين، ويقولون إن الفكرة هي أن تبقى ضمن صفوف الشركة لكن مع تركيز وقتك على الأشياء التي تفعلها خارجها، بينما يقول آخرون إنهم سيتبعون واجباتهم الوظيفية بشكل حرفي بدلا من طلب مهمات إضافية.
تتراوح مقاطع الفيديو القصيرة المؤيدة لهذا الاتجاه من الحديث عن التوازن بين العمل والحياة، إلى سخرية لاذعة من ثقافة الارتباط المبالغ به بالعمل وبذل المزيد من الجهد، وكذلك عن وضع حدود صارمة ضد العمل الإضافي لصالح الأسرة. يدافع آخرون عن الاكتفاء بالعمل من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء مع القيام بما يكفي فقط للحصول على المال، بينما يريد الكثيرون فصل حياتهم المهنية عن هوياتهم. انضم الكثير من الشبان وهم في العشرينيات من أعمارهم إلى قوة العمل خلال جائحة كوفيد-19 بكل آثارها المزعجة بما في ذلك الحدود غير الواضحة بين العمل والحياة. ويقول العديد من العاملين إنهم يشعرون بأن لديهم القوة لرفع راية العصيان في سوق العمل القوية الحالية.
يجادل بعض المؤيدين بأن المصطلح يعني أنه لا عمل إضافيا دون أجر إضافي وضغط عمل، وليس بالضرورة القيام بأدنى جهد مطلوب دون حماس. «زياد خان» وهو مهندس يبلغ من العمر 24 عاما يقطن نيويورك لديه نحو 10 آلاف متابع على «تيك توك» نشر مقطع فيديو حصد ثلاثة ملايين مشاهدة في غضون أسبوعين شرح خلاله مفهومه عن الاستقالة الصامتة بأنه التخلي عن فكرة القيام بمجهود إضافي والعزوف عن ثقافة أن العمل يجب أن يصبح حياتك. يقول: «أنت لا تستقيل تماما من وظيفتك، أنت فقط تتخلى عن فكرة بذل مجهود إضافي… ما زلت تؤدي مهامك، لكنك لم تعد مشتركا في ثقافة أن العمل يجب أن يكون حياتك».
يقول خان إنه والعديد من أقرانه يرفضون فكرة أن الإنتاجية تأتي أولا ويقولون إنهم لا يرون مردوداً لهذا. يقول آخرون إن الاستقالة الصامتة تعني فعليا منح كامل اهتمامهم للعمل دون تراخ على أن يكون لديهم حياة كاملة خارج ساعات العمل. في الوقت نفسه تظهر بيانات حديثة من مؤسسة جالوب تراجعا في مدى انخراط الموظفين داخل بيئة العمل. فعبر الأجيال، ينخفض معدل انخراط الموظفين الأمريكيين بالمؤسسات التي يعملون بها، وسجل الجيل «زد» (مواليد الفترة من 1997-2021)، وجيل الألفية (مواليد عام 1989 وما بعده) أدنى معدل انخراط في مؤسسات عملهم خلال الربع الأول من العام عند 31 بالمائة. وقال «جيم هارتر» كبير العلماء لدى أبحاث جالوب المعنية ببيئة العمل والرفاهية إن وصف الموظفين للاستقالة الصامتة يتماشى مع مجموعة كبيرة ممن شاركوا في المسح والذين يصنفهم بأنهم «غير منخرطين» بأماكن العمل وهم ممن يحضرون إلى أماكن عملهم ويقومون بالحد الأدنى المطلوب، وليس أكثر من ذلك.وأكثر من نصف الموظفين الذين شملهم مسح جالوب والذين ولدوا بعد 1989، وتصل نسبتهم إلى 54 بالمائة، ضمن تلك الفئة.
ويرى «هارتر» أن قرار التخلي عن عقلية بذل المزيد قد تسبب توترا بين الموظفين ومديري الشركات وأيضا تحدث شقاقا بين الزملاء الذين قد يضطرون لتعزيز الأداء. ويضيف «شعور الناس بأن زملاءهم ملتزمون بجودة العمل يمكن أن يؤثر على المؤسسة ويسبب احتكاكات داخل الفرق والمؤسسات». بعد أن تلقى تقييما عند مستوى «يلبي التوقعات» خلال مراجعة أدائه في وظيفة سابقة، كان خلالها يقبل بشكل اعتيادي طلبات في الدقيقة الأخيرة ويبقى يعمل لساعات متأخرة ويعرض تولي مهام إضافية، يقول «برايان جراي» وهو مطور مواقع إنه توقف عن السعي الحثيث لنيل رضا رؤسائه عبر بذل جهد إضافي. وأضاف «أنت لا تتهاون.. فقط تقوم بالضبط بالقدر المناسب من العمل».
انتقادات:- يقول المنتقدون إن هذا النهج يعزز الكسل ويضر الأداء حتى إذا تمت تلبية التوقعات الأساسية للوظيفة، وإنه يشكل انسحابا أو تخليا عن العمل وليس علاجا لحالات الاستنزاف أو السخط. كتبت «أريانا هافينغتون» مؤسسة شركة «Thrive Global» الناشئة في قطاع الصحة منشورا على «لينكد إن» جذب الآلاف من ردود الأفعال تقول فيه» الاستقالة الصامتة ليست فقط ترك الوظيفة، إنها خطوة صوب التخلي عن الحياة». وقالت في مقابلة: «قد يعتقد مؤيدو المصطلح أنهم يمنعون أو يعالجون الإنهاك الشديد عن طريق القيام بعمل أقل، لكن توجد خيارات أفضل. وأضافت أن المضي قدما في حياتك المهنية بدلا من العثور على عمل يجذبك بالفعل للارتباط به هو فرصة ضائعة على الأخص عندما يمكنك العثور على عمل أكثر جدوى».
وأضافت «كصاحب عمل، أعجب حقا عندما يقول الأشخاص في المقابلات أنا أقدم 100 بالمائة عندما أعمل، لكن هذه هي حدودي. وهذا يختلف تماما عمن يقول إنني أقوم بالحد الأدنى كي أدبر أموري فحسب». يقول بعض المنتقدين إنهم يخشون أن يؤدي انتشار هذه الثقافة إلى اندثار ثقافة الاهتمام بالعمل وإن المحصلة النهائية هي أنه سيكون من المحبط للموظفين الأكفاء أن يروا الآخرين يؤدون عملهم بالحد الأدنى من المطلوب دون عقوبة. وقالت «آمي موشر» كبيرة مسؤولي الموارد البشرية لدى شركة «Isolved» لبرمجيات الموارد البشرية إن «المسألة لا تتعلق بأولئك المستقيلين الصامتين، إنها تتعلق بالجميع والظلم الواقع هناك». وأضافت أنه إذا أدت الاستقالة الصامتة إلى مشكلات في الأداء، فيجب تسريح أولئك الموظفين لكي يعثروا على الوظائف التي يشعرون نحوها بالاهتمام فعليا. قالت «إليز فريدمان» الشريك الأول لدى شركة الاستشارات «كورن فيري» إنه إذا تدهور الاقتصاد، فإن الموظفين الأقل انخراطا بالمؤسسة قد يكون الأكثر عرضة للتسريح، مضيفة أنه من المناسب تماما أن نتوقع من موظفينا أن يقدموا كل ما لديهم».

من جانبه وصف «كيفن أوليري» المشارك في برنامج «Shark Tank» الذي تقدمه شبكة إيه بي سي ورئيس «O’Shares ETFs» الاستقالة الصامتة بأنها نهج فظيع لبناء مستقبل مهني، وأضاف «عليك أن تبذل المزيد من الجهد لأنك تريد ذلك. هذه هي الوسيلة لكي تحقق النجاح».

عدم الوصول إلى الإنهاك

يدافع «جوش بيبتنغر» مدير أبحاث السوق لدى شركة استشارات إدارية عن الاستقالة الصامتة قائلا: البعض يتصور أنها تشجع الناس على الكسل في حين أنها تذكير فعلي فقط بعدم العمل وصولا إلى نقطة الإنهاك.

ويضيف «بعد قول نعم لكل شيء على أمل التميز، فإنني تعلمت أن أقول لا أكثر وأن أستغل أمسياتي وأتجنب التحقق من البريد الإلكتروني أثناء الإجازات… أنجز عملي ومشروعاتي. أبلي بلاء حسنا وأتلقى ردود أفعال جيدة.. ولا يزال بإمكاني قضاء بعض الوقت للابتعاد عن كل شيء».

يقول «مات سبيلمان» وهو مدرب مهني من نيويورك ومؤلف كتاب «نقطة الانعكاس: كيف يمكنك أن تعمل وتحيا بهدف» إنه يتفهم سبب رغبة البعض في تقليص حجم العمل، ويقول إن هذا قد يكون بسبب وصول البعض للعمل إلى نقطة الإنهاك البالغ في عمله، أو إذا كان يواجه موقفا صعبا وقد نفدت الحلول أمامه، أو إذا كان يعاني من مشكلات شخصية.

ويعتقد «سبيلمان» أيضا أن الدافع لذلك أقوى في ظل العمل عن بعد. ويقول: «مع العمل عن بعد، يكون من السهل جدا الشعور بانخراط أقل، وأنك أقل إحساسا بأنك جزء من الفريق، ومن السهل جدا على المديرين الانفصال عن الموظفين والعكس صحيح.. هناك حدود أقل لمتى يبدأ العمل ومتى يتوقف».

لكنه في الوقت ذاته ينتابه القلق بشأن أن يكون تبني هذه الثقافة وسيلة للانتقام من الشركة. وقال: «الاستقالة الصامتة تبدو أمرا سلبيا يتسم بالعدوانية.. إذا تعرض شخص ما للإنهاك، فعليه أن يتحدث عن هذا صراحة، ويجب أن يكون ذلك حديثا متبادلا، أما القول أنا سأقوم بالحد الأدنى المطلق لأنني يحق لي ذلك أو لدى مشكلات، فهذا لن يساعد في شيء».

يقول مديرون إنه على الرغم من أن الاستقالة الصامتة تمنح بعض الموظفين الشعور بالرضا في الأمد القصير فإنها قد تضر مسارهم المهني وشركتهم على المدى الطويل.

الإنتاجية الضائعة

مع تزايد المخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي، أصبحت مستويات الإنتاجية مصدر قلق للمديرين التنفيذيين للشركات. وانخفضت إنتاجية العاملين في القطاعات غير الزراعية بالولايات المتحدة في الربع الثاني 2.5 بالمائة على أساس سنوي في أكبر انخفاض سنوي لها منذ 1948 وفقا لمكتب إحصاءات العمل.

كما تنظر الآن الشركات إلى مقاييس الإنتاج كمعيار للتميز، حيث يذهب البعض إلى حد مراقبة أنشطة لوحات مفاتيح أجهزة الموظفين. وتشير شركات تكنولوجيا عملاقة مثل جوجل إلى أنها تعكف على إبطاء التوظيف وقد تسرح موظفين وسط مخاوف بشأن الإنتاجية ككل.

يعتقد «جيرجيو فاري» الرئيس التنفيذي لمنصة الوظائف « Lensa» أن العزوف عن الانخراط في العمل لا يخدم الموظفين في الأجل الطويل أيضا. ويقول: «في أي وقت تسكت فيه صوتك في مؤسسة ما، قد تحرم نفسك من فرصة تغيير تلك المؤسسة».

لا يؤثر تصرف الموظفين بناء على عدم رضاهم عن العمل على أمنهم الوظيفي فقط. فقد خلص تقرير صادر عن جالوب بشأن حالة الرضا عن مكان العمل على مستوى العالم إلى أن عدم الرضا الوظيفي بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق، وأن العمال غير السعداء أو غير المرتبطين بأماكن عملهم يكلفون الاقتصاد العالمي 7.8 تريليون دولار في صورة فاقد الإنتاجية.

يقول «فاري» الذي يدير ما يزيد على 200 موظف إنه يعمل بجد حتى لا يكون لديه مستقيلون صامتون بين موظفيه.

وبصرف النظر عن منح موظفيه مرونة العمل عن بعد والامتيازات في المكتب، يقول إن عمله لا يحوي مستقيلين صامتين لأنه يقدر لحظات تراجع الموظفين. ووفقا للمتحدث باسمه «فإن جعل الموظفين يشعرون بالارتياح بما يكفي للتعبير عن مخاوفهم قبل أن يصلوا إلى مرحلة تغيير وتيرتهم في العمل بصمت أمر أساسي».

ويقول: «يتعين على أصحاب العمل بذل الجهد لتمكين الناس من أن يكون لهم رأي في مستقبلهم… أريدهم أن يظلوا في المكان وسأقوم بالمخاطرة بالحديث علنا عن هذا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى