اقتصاد دولي

هل تنفجر أزمة الرهن العقاري البريطانية في وجه سوناك؟

يبدو أن المشهد مهيأ لكابوس منتصف الصيف في سوق الرهن العقارية في بريطانيا، إذ تواجه الأسر التي وصلت إلى نهاية صفقات الرهن العقاري ذات السعر الثابت العام المقبل زيادة في المتوسط بمقدار 2900 جنيه استرليني (3718 دولاراً) في المدفوعات السنوية، مما يضع رئيس الوزراء ريشي سوناك تحت ضغط لنزع فتيل قنبلة موقوتة في عام الانتخابات.

تعكس الزيادة المقدرة في المدفوعات من قبل مؤسسة “ريزوليوشنز للأبحاث” القلق من أن المملكة المتحدة لديها مشكلة تضخم أسوأ من البلدان الأخرى، وأن بنك إنجلترا سيحتاج إلى رفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من ستة في المئة العام المقبل عندما تجرى انتخابات عامة.

ومع قيام ما يقرب من نصف مليون مقترض من قروض الإسكان في بريطانيا بتجديد قروضهم محددة الأجل كل ثلاثة أشهر على مدى هذا العام، ومع تسارع كلفة الرهن العقاري واستمرار بنك إنجلترا في رفع أسعار الفائدة كما هو مرجح من 4.5 في المئة إلى 4.75 في المئة عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية الخميس المقبل، يجد أولئك الذين وضعوا ميزانية لمدفوعات الرهن العقاري الخاصة بهم أنه بات يتعين عليهم دفع ثلاثة أضعاف أو أكثر، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة كلفة المعيشة المؤلمة بالفعل.

أخيراً ارتفعت كلفة الاقتراض على الدين الحكومي لمدة عامين – أحد الإحصاءات الحيوية المستخدمة لمراقبة صحة الاقتصاد – هذا الأسبوع إلى المستوى الذي وصلت إليه آخر مرة في أعقاب الميزانية المصغرة الكارثية لوزير المالية السابق كواسي كوارتنغ في سبتمبر (أيلول) الماضي.

يقول رئيس وحدة تحليل الاستثمار في “أي جي بيل” ليث خلف لصحيفة “التليغراف”، إن “بنك إنجلترا عالق بين المطرقة والسندان، إذ يتعين عليه الاختيار بين دفع مزيد من مقترضي الرهن العقاري نحو حافة الهاوية أو السماح للتضخم بتجاوز الحد”.

كان بنك إنجلترا رفع سعر الفائدة الأساسي للمرة الثانية عشرة على التوالي إلى 4.5 في المئة في مايو (أيار) الماضي، لترتفع بذلك الأسعار بأكثر من أربع نقاط مئوية في أقل من 18 شهراً، وهي أكبر زيادة منذ الثمانينيات.

وارتفعت كلفة الرهن العقاري السنوية بالفعل بمقدار 12 مليار جنيه استرليني (15.3 مليار دولار)، وفقاً لمؤسسة “ريزوليوشنز فاونديشن”، في حين سيتحمل ثلاثة أرباع هذا الارتفاع أغنى الأسر.

مزيد من الضغط على الإيرادات

يقول الاقتصادي في مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال (CEBR) وهي شركة استشارية اقتصادية مقرها لندن، بنجامين تريفيس “نظراً إلى أن الرهون العقارية غالباً ما تحتل الجزء الأكبر من نفقات الأسرة فإن تقديراتنا تؤكد الحقيقة القاتمة لارتفاع المعدلات، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغط على الدخل المرهق بالفعل، بالتالي الاقتصاد الاستهلاكي الأوسع، حتى عام 2024”.

وفي ما يتعلق بمستويات المعيشة، فإن الصدمة الكبرى ستشعر بها الأسر ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط والعائلات الأصغر سناً التي تمتلك منازل، وفقاً لمؤسسة “ريزوليوشنز”، فبحسب حساباتها ستزيد مدفوعات السداد بأكثر من أربعة في المئة من الدخل لأصحاب الرهن العقاري ذوي الدخول المتدنية، مقارنة باثنين في المئة فقط للأسر ذات الدخل المرتفع.

من جانبه يقول كبير الاقتصاديين في مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال سايمون بيتاواي “يمكن للأشخاص الذين ينتقلون إلى صفقات جديدة بسعر فائدة ثابت خلال العام المقبل أن يتوقعوا ارتفاع كلفة الرهن العقاري السنوية في المتوسط بمقدار 2300 جنيه استرليني (2949 دولاراً)، في وقت توجه فيه الرهون العقارية الكبرى ضربة للعائلات الشابة والأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما تضر بمستويات المعيشة”.

القيمة الإجمالية للمنازل

بلغت القيمة الإجمالية للمنازل في المملكة المتحدة 8.7 تريليون جنيه استرليني (11.16 تريليون دولار) العام الماضي، وفقاً لما ذكرته شركة “سافيلز”، مع وجود كثير من ثروات البريطانيين مقيدة في العقارات، وكانت أسعار المنازل المتزايدة باستمرار على مدى السنوات القليلة الماضية ساعدت على تعزيز ثقة المستهلك والتدفق النقدي في البلاد حتى في الوقت الذي عانت فيه أجزاء أخرى من الاقتصاد، وفي ظل معضلة الرهون والفائدة يصبح السؤال الأبرز اليوم هو ماذا سيحدث إذا تم طرد آخر دعامة متبقية من الاقتصاد البريطاني.

ربما سنكتشف ذلك قريباً، كما تقول الصحيفة، وبخاصة مع تأخر تأثير ارتفاع أسعار الفائدة بسبب الارتفاع الهائل في شعبية الصفقات ذات الأسعار الثابتة، والتي تمثل أربعة جنيهات استرلينية (5.13 دولار) من كل 10 جنيهات استرلينية (12.82 دولار) مقترضة قبل الأزمة المالية، علاوة على ذلك، تجاوز عدد الإصلاحات المعلقة لمدة خمس سنوات إصلاحات لمدة عامين أخيراً، أي إن ما يقرب من نصف الـ7.5 مليون أسرة بريطانية لديها قروض عقارية لم تتأثر بعد، وفقاً لتحليل بنك إنجلترا نفسه.

قبل شهر واحد فقط، كانت أسواق المال تراهن على أن أسعار الفائدة في المملكة المتحدة ستبلغ ذروتها عند خمسة في المئة، لكن البيانات الاقتصادية الأخيرة ألقت بظلال من الشك على هذا الافتراض وأطلقت موجة من الذعر في سوق الرهن العقارية، وأفضل تخمين الآن بحسب “التليغراف” هو أن أسعار الفائدة في المملكة المتحدة تتجه نحو أعلى مستوى لها في 15 عاماً عند 5.75 في المئة.

بنوك توقف الصفقات الجديدة

ينسحب هذا الخوف إلى مقدمي الرهن العقاري ويبعث الرعشات في العمود الفقري لسوق الإسكان، إذ أوقف بنك “سانتاندير” موقتاً بعض الصفقات للمقترضين الجدد، وقام كل من بنكي “نات ويست” و”أتش أس بي سي” بزيادة الأسعار مرتين في غضون أيام، كما بلغ متوسط سعر الفائدة على منتج سكني ثابت لمدة عامين 5.9 في المئة الثلاثاء الماضي، ارتفاعاً من 5.26 في المئة في بداية مايو الماضي وفقاً لـ”موني فاكتس”، مع الإشارة إلى أنه قبل عام كانت معدلات الفائدة على القروض العقارية الثابتة لمدة عامين في المتوسط 3.25 في المئة فقط.

في حين أصبحت الأسعار الآن على بعد مسافة قصيرة جداً من ستة في المئة، والتي وصفها المدير التنفيذي لشركة البحث العقاري “زوبلا” ريتشارد دونيل، بأنها “نقطة التحول” لسوق الإسكان، إذ الموافقات على الرهن العقاري هي اليوم في أضعف مستوى لها منذ الأزمة المالية، فإن عدداً أقل من الأشخاص يسعون إلى الحصول على قروض عقارية الآن مقارنة بما كانت عليه الحال خلال عمليات إغلاق كوفيد.

من المقرر أن تنتهي صفقات السعر الثابت لنحو 1.6 مليون أسرة قبل نهاية العام المقبل، وهؤلاء هم المقترضون الذين لم يعرفوا في الغالب سوى معدلات فائدة منخفضة.

مدفوعات الرهن العقاري تستهلك الدخل

ارتفعت معدلات الرهن العقاري أعلى بالفعل مما كانت عليه في أي وقت منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008، وهو ما يجعل أسعار المساكن اليوم مرتفعة للغاية لدرجة أنه يتعين على المشترين الحصول على قروض أكبر وأطول بكثير لاعتلاء سلم الإسكان.

وبالعودة إلى حقبة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، كان أصحاب المنازل يقترضون في المتوسط ضعف دخلهم السنوي، واليوم يقترضون 4.5 مرة من الدخل السنوي، والنتيجة هي أن مدفوعات الرهن العقاري الشهرية تستهلك نسبة كبيرة من الدخل حتى عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة نسبياً وفقاً للمعايير التاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى