اقتصاد دولي

هل تخدع “أبل” عملاءها حقاً وهل تستطيع الحكومة الأميركية ردعها؟

لم تلطف “أبل” كلماتها. أفادت الشركة بأنها تواجه دعوى قضائية “تهدد هويتنا والمبادئ التي تميز منتجات ‘أبل’ في أسواق تشهد تنافساً شديداً”. وأضافت أن من شأن هزيمتها أن تشكل “سابقة خطرة”.

اتهمت إحالة مؤلفة من 88 صفحة، أعدتها وزارة العدل الأميركية إلى جانب 16 ولاية ومقاطعة كولومبيا، الشركة العملاقة التي تبلغ قيمتها نحو ثلاثة تريليونات دولار بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار من خلال ممارسات مصممة لإبقاء العملاء مرتبطين بأجهزة “آيفون” خاصتهم وأقل ميلاً إلى التحول إلى جهاز منافس.

ووفق الدعوى، منعت شركة التكنولوجيا العملاقة الشركات الأخرى من تقديم تطبيقات تنافس منتجات “أبل”، مثل محفظتها الرقمية، ما يمكن أن يقلل من قيمة “آيفون”، هذا يضر بالمستهلكين والشركات المنافسة.

لقد طفح الكيل بالبيت الأبيض. يريد أن ينهي الاحتكار. وإذا نجح، فقد يسعى إلى تفكيك وحش وادي السيليكون هذا.

لكن في حين قوبل الإجراء بموافقة شبه هستيرية من قبل مجموعات تمثل المستهلكين والناشطين، ووصفته “أبل” نفسها بعبارات وجودية، انخفضت أسهم الشركة بنسبة أربعة في المئة فقط. ويقتصر الإجراء على “آيفون”، الحجر الزاوية في إمبراطورية “أبل”.

تكون اللحظة دائماً جذابة عندما يصطدم رد الفعل العاطفي غير المحسوب من جانب مع جهات محطمة للأرقام رائعة ولا عاطفية من الجانب الآخر. لقد تجاهلت “وول ستريت” ما يجري. وانتهى الأمر.

هل يمكن تبرير ردها المتفائل؟ بداية، استغرق وصول المطلب القانوني وقتاً طويلاً. منذ عهد إدارة ترمب، كانت السلطات الأميركية تستهدف الشركات التجارية العملاقة القائمة في عصرنا. وفق أحد الدوافع، كان الرئيس نفسه يرفض كيانات كاليفورنيا التي تملك نفوذاً أكبر من نفوذه ولم تكن من مؤيديه وسخرت منه علانية.

وساد أيضاً شعور بأن “تويتر” (أصبحت الآن “إكس”) و”فيسبوك” و”غوغل” و”أبل” هي ببساطة أكبر مما يجب. كان من الصعب للغاية تجاهل حجم الشكاوى من تكتيكاتها، الصادرة ليس فقط عن الجمهور، بل أيضاً عن الشركات التي تحاول بالمثل أن تعتاش من مرفق عام عالمي هو الإنترنت.

وتضمن الشعور فكرة مفادها بأن هذه الوحوش التي ظهرت من العدم كانت بطريقة ما خارج طائلة القانون، وأن القوانين مصممة للمؤسسات القديمة الطراز.

وعندما وصل جو بايدن إلى السلطة، حمل لواء المعركة، وعين مسؤولين صارمين في وزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية. تتلخص مهمتهم في إخضاع هذه الشركات العملاقة، لكبح جماحها والتأكد من أنها تدفع الضرائب كلها التي يجب عليها دفعها، وأنها لا تصنع أنظمة لا يمكن فيها سوى استخدام تكنولوجياتها.

تدرك “وول ستريت” بالطبع ما يجري. لكن حتى الآن، لا تزال الشركات المستهدفة بغضب واشنطن قوية كما كانت في أي وقت مضى.

في الواقع ليست الاتهامات بالاحتكار الموجهة إلى “أبل” جديدة. استهدفت “إيبيك غايمز”، الشركة المصنعة للعبة “فورتنايت”، الشركة عام 2020، زاعمة أن شروط “متجر التطبيقات” خاصتها كانت تقييدية. وجادلت “أبل” بنجاح بأن العملاء يستطيعون التحول بسهولة من “آيفون” إلى “أندرويد”.

يتمثل تكتيك “أبل” طوال الوقت في تكرار الإشادة التي أدلى بها المؤسس المشارك والمرجع ستيف جوبز ومفادها بأن السبب وراء الشعبية الكبيرة التي يحققها “آيفون” لا يعود إلى أن استخدامه مفروض على الناس بل لأن الناس يحبون استخدامه ويترددون في الانتقال إلى الأجهزة ذات أنظمة التشغيل الأخرى. وتضيف الإشادة أن “آيفون” يتضمن شيئاً من الجمال والبساطة.

أعترف بأنني من أتباع ستيف جوبز، ذلك لأنني أحب سهولة الاتصال. أعتقد أيضاً أن الأجهزة أكثر أماناً، وكلها صادرة عن الشركة المصنعة نفسها.

لقد باعت الشركة المليارات من أجهزة “آيفون” منذ إطلاقها. وبالمثل، أطلق “متجر التطبيقات” ملايين الشركات الجديدة وأفاد الشركات القائمة. ويبلغ عدد صانعي التطبيقات، الذين يتقاضون رواتب لتصميم تطبيقات وتطويرها، 5.2 مليون شخص. لم تكن مهنتهم موجودة حتى إنشاء “متجر التطبيقات” عام 2008.

لذلك، يمكن تلخيص شعار “أبل” بالقول “نحن مشهورون، نحن ناجحون، نحن كبيرون، لكن هذا لا يجعلنا سيئين”. قد تستمر هذه الدعاوى القضائية أيضاً لسنوات، إن لم يكن لعقود، وهذا سبب آخر لعدم شعور المستثمرين بالذعر.

وفي حين يحتسب المساهمون أن المطلب القانوني سيخفف، أو ربما يبطل تماماً، من المحتمل أن تكون هذه الدعوى مختلفة. في أماكن أخرى من العالم، تهاجم السلطات التنظيمية أيضاً “أبل”، لكنها تميل إلى توجيه نيرانها إلى “متجر التطبيقات”.

تمضي وزارة العدل في نهجها إلى نطاق أوسع، إذ تستهدف طريقة ربط المنتجات التي تعتمدها “أبل” بأكملها، من “أبل ووتش” إلى “آيفون” إلى “آيباد” إلى “ماكبوك”.

أنا استخدم الأجهزة الأربعة، أعترف بأنني من أتباع ستيف جوبز، ذلك لأنني أحب سهولة الاتصال. أعتقد أيضاً أن الأجهزة أكثر أماناً، وكلها صادرة عن الشركة المصنعة نفسها. تفيد وزارة العدل بأنني ضحية، وأنني وقعت في شرك اللمسات المدمجة، فلا تعمل أداة “آيفون” للمراسلة في شكل جيد مع “أندرويد”. وبالمثل، لا يعمل “آيفون” بكفاءة مع الساعات الذكية التي تحمل علامات تجارية أخرى، يقتصر ذلك على “أبل ووتش”. كذلك سيكون التخلص من “آيفون” والانتقال إلى نوع آخر من الهواتف أمراً صعباً وأكثر تكلفة.

وبالمثل، لا يمكن “آيفون” سوى “أبل باي” فقط، لا يمكن معه استخدام أي برمجية أخرى لدفع المال بنقرة. وهكذا تمضي قائمة الأمثلة التي تمسك فيها “أبل” بخناق مستخدمي “آيفون”. ستؤكد وزارة العدل أيضاً أن الأمن الإضافي الذي يوفره الهاتف خرافة: ذلك أن الخصوصية والأمن تحميهما المنافسة وليس الاعتماد المتبادل.

ستتواصل القضية. في الوقت الحالي، “وول ستريت” مرتاحة. لا يعتقد المستثمرون أن حكومة الولايات المتحدة ستدمر أنجح شركات البلاد وإحدى جهات التوظيف الكبرى. لن تصل إلى هذا الحد.

لو كنت مساهماً في “أبل” لتمسكت بأسهمي فيها، لفترة من الوقت في الأقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى