اقتصاد دولي

صندوق النقد يحذر من تفاؤل المستثمرين في شأن انخفاض التضخم

حذر صندوق النقد الدولي من أن التقديرات المتفائلة لدى المستثمرين في شأن انخفاض معدلات التضخم واحتمالات تفادي الركود الاقتصادي يمكن أن تؤدي إلى زيادة أخطار عدم الاستقرار المالي وتضر بمعدلات النمو، خصوصاً في ظل الاحتمال الأكبر الآن بأن تستمر البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة وأن تبقى نسبة الفائدة مرتفعة لفترة أطول.

ذلك على رغم أن معدلات التضخم بدأت تتراجع بشكل معقول في الشهر الأخير في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو مع انخفاض أسعار الطاقة والغذاء بشكل واضح، كما ذكر تقرير للصندوق، أمس.

ويصل معدل التضخم العام في الولايات المتحدة حالياً إلى نحو ثلاثة في المئة وإلى أقل من 5.5 في المئة في منطقة اليورو، إلا أن مؤشر التضخم الأساسي، مع استثناء أسعار الطاقة والغذاء، يتراجع ببطء شديد بخاصة مع استمرار التضخم في أسعار الخدمات مرتفعاً.

كل ذلك دفع المستثمرين إلى توقع انخفاض معدلات التضخم بقوة في الأشهر المقبلة، مع أن البعض في السوق ما زال يرى أخطار التضخم مستمرة خصوصاً أن مؤشر التضخم الأساسي لا يزال مرتفعاً.

يبدو ذلك واضحاً في أسعار الأدوات المالية التي تطرح للتأمين ضد أخطار التضخم، وربما تكون أخطار التضخم أعلى في أوروبا حيث تنقسم السوق ما بين هبوط التضخم إلى نسبة اثنين في المئة المستهدفة من قبل البنك المركزي الأوروبي وبقاء معدلات التضخم مرتفعة عند نسبة أربعة في المئة.

أما في الولايات المتحدة، فيميل العدد الأكبر من المستثمرين في السوق إلى بقاء معدل التضخم مرتفعاً عن النسبة المستهدفة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي عند نسبة نحو ثلاثة في المئة.

مخاطر الفائدة والنمو

يشير تقرير الصندوق أيضاً إلى أنه حتى مع استمرار سياسة التشديد النقدي (رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق) من قبل البنوك المركزية، فإن مؤشر الأوضاع المالية الذي يعتمده الصندوق استناداً إلى كلفة التمويل التي تواجهها الشركات والأعمال والأسر من أعباء السكن إلى بطاقات الائتمان وسوق الأسهم يتراجع بشكل طفيف.

وتدل قراءة المؤشر إلى التخفيف الواضح في الأوضاع المالية تلك في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو في الأشهر الأخيرة، وأدى ذلك على ما يبدو إلى تفاؤل المستثمرين في شأن ضغوط ارتفاع الأسعار، وهو ما قاد بالتالي إلى زيادة تقييم الأصول في السوق.

يحذر الصندوق من أن هذا التخفيف في الأوضاع المالية ربما يزيد من الطلب المجمع في الاقتصاد، على عكس ما تستهدف البنوك المركزية من تشديد السياسة النقدية لكبح جماح التضخم، بالتالي تصبح مهمة البنوك المركزية في خفض التضخم إلى النسب المستهدفة أكثر صعوبة، ذلك إضافة إلى أن هذا التخفيف في الأوضاع المالية قد لا يستمر على هذا النحو، وتفاجأ الأسواق والمستثمرون بموجة تضخم جديدة نزيد الأمر سوءاً وترفع معدلات المخاطر أكثر.

يرجع الصندوق تلك الهشاشة في الوضع المالي العام إلى فترة التيسير النقدي الطويلة خلال أزمة وباء كورونا وما قبلها، حين استمرت البنوك المركزية تحافظ على نسب فائدة قريبة من الصفر مع ضخ السيولة بكثافة في السوق، بالتالي تضخم حجم السيولة بخاصة في فترة أزمة وباء كورونا مع حزم الدعم المختلفة التي قدمتها الحكومات للشركات والأعمال والأسر لمواجهة تبعات إغلاق الاقتصاد في فترة الوباء.

ذلك إضافة إلى أنه رغم بدء تراجع معدلات التضخم العام، فإن التضخم في الأجور، سواء في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو وحتى في مناطق أخرى من العالم، يضعف من تأثير رفع أسعار الفائدة على معدلات التضخم بشكل عام، إذ إن زيادة الأجور، حتى لو كانت قيمتها الحقيقة أقل نتيجة التضخم المرتفع، تزيد من الطلب العام في الاقتصاد.

البنوك المركزية

تلك التقديرات المتفائلة من السوق والمستثمرين ربما تؤدي إلى زيادة في تضخيم قيمة الأصول والإقبال على المخاطر بالشكل الذي يضعف أدوات مكافحة ارتفاع التضخم.

والأغلب أن تكون النتيجة تأثير السياسة النقدية المشددة على الاقتصاد ككل وفرص النمو أكثر من تأثيرها على الطلب العام وخفض معدلات التضخم.

واضح من تقرير الصندوق أن معديه يلقون باللوم الأكبر، بشكل غير مباشر، ليس على السوق والمستثمرين واستراتيجياتهم الخطرة أحياناً وإنما على البنوك المركزية التي يعتبر أنها بدأت سياسة التشديد النقدي متأخراً بعد أن وصلت معدلات التضخم إلى حدود قصوى، وذلك في سياق اتهام البنوك المركزية منذ فترة بالخطأ في توقعاتها للتضخم منذ عام 2021 حين عاد النشاط الاقتصادي إثر إغلاقات وباء كورونا.

ومع أن الخطأ حدث بالفعل، ليس من البنوك المركزية وحدها وإنما من جانب معظم المؤسسات المالية ومحللي الأسواق والاقتصاديين، إلا أن السياسة النقدية غالباً هي رد فعل، بمعنى أنه يبدأ رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق تقليدياً مع ارتفاع معدلات التضخم، بالتالي يأتي تأثير ذلك التشديد النقدي متأخراً إلى حد ما.

ربما هذا التأخير هو سبب تحذير صندوق النقد الدولي الأسواق والمستثمرين من الإفراط في التفاؤل، ومواصلة استراتيجيات استثمارية تتسم بالإقبال على المخاطر. لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ضرر بالغ بالاستقرار المالي المستهدف، كما أنه سيجعل رفع أسعار الفائدة أكثر ضغطاً على النمو الاقتصادي منه على معدلات التضخم، وهو عكس التفاؤل الحالي في السوق من أن الأوضاع المالية وتراجع التضخم يرجح تفادي الركود الاقتصادي واستمرار النمو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى