أخبار عاجلةاقتصاد دولي

“بريكست” يزيد تكلفة التجارة البريطانية بأكثر من 36 مليار دولار

مع تزايد الأدلة على الضرر طويل الأمد الذي يلحق باقتصاد المملكة المتحدة بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي، تتعرض الحكومة البريطانية لضغوط للاعتراف بـ”الفيل الموجود في الغرفة”. فعلى الرغم من انتقاد الخطط المالية لحكومة المحافظين، حيث يواجه اقتصاد المملكة المتحدة ركوداً وانخفاضاً في مستويات المعيشة، استبعد حزب العمال المعارض الرئيس في البلاد العودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الجمركي إذا فاز في الانتخابات العامة في موعد أقصاه يناير (كانون الثاني) 2025.
وفي توقعاته الاقتصادية والمالية، قال المكتب المستقل لمسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة (OBR)، إن توقعاته التجارية تعكس افتراضاً بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى انخفاض كثافة التجارة في المملكة المتحدة (تكامل الاقتصاد البريطاني مع الاقتصاد العالمي) بنسبة 15 في المئة على المدى الطويل، مما لو بقيت البلاد في الاتحاد الأوروبي. وبحسب المكتب فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تأثير طويل الأجل في خفض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة كبيرة تبلغ أربعة في المئة، وهو تقدير لم يتغير منذ أوائل عام 2020.

وبحسب صحيفة “فايننشال تايمز” فإن مثل هذا الانخفاض يبلغ 100 مليار جنيه إسترليني (120.9 مليار دولار) في الناتج المفقود، و40 مليار جنيه استرليني (48.3 مليار دولار) على الأقل في الإيرادات للخزينة في السنة، مما يجعل المملكة المتحدة تقبع الآن خلف جميع دول مجموعة السبع الأخرى في وتيرة تعافيها من الوباء، مع انخفاض صادرات الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.

خروج فصل بريطانيا عن شركائها التجاريين

وقال جوناثان هاسكل عضو لجنة السياسة النقدية المكونة من تسعة أعضاء في “بنك إنجلترا“، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “يفصل المملكة المتحدة عن شركائها التجاريين الرئيسين” في مثال واضح على تراجع العولمة. وحذر هاسكل من أن الاستثمار التجاري البريطاني من المحتمل أن يكون ضعيفاً لسنوات عدة بسبب عدم اليقين المرتبط بـ”بريكست”.
وكانت معظم الصفقات التجارية مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي وقعتها المملكة المتحدة صغيرة من حيث تأثيرها الاقتصادي، وقد تم نقلها من صفقات مماثلة عندما كانت البلاد في الاتحاد الأوروبي. وحتى النائب المحافظ جاكوب ريس-موغ، الداعم الكبير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، توقف عن الحديث أخيراً عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واقتصاد المملكة المتحدة، وبدلاً من ذلك ركز على ما يقول إنه “المكاسب الديمقراطية، واستعادة السيطرة، وعودة السيادة”، وهذا ليس مفاجئاً لأن البيانات الاقتصادية التي تتراكم يوماً بعد يوم تظهر الضرر الذي تلحقه مغادرة الاتحاد الأوروبي بالشؤون المالية للدولة.

36.2 مليار دولار كلفة الخروج السنوية

وكان رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون وحملة “صوت على المغادرة” في عام 2016 قد وعدت بعودة 350 مليون جنيه إسترليني (423.4 مليار دولار) أسبوعياً من بروكسل مع توقف بريطانيا عن المساهمة في خزائن الاتحاد الأوروبي”.

واليوم، وبعد تفشي “كوفيد-19” منذ نحو ثلاث سنوات وعدم قدرة الوزراء على إلقاء اللوم على الجائحة، تم الكشف عن حقيقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فقد كان الانطباع السائد بأنه لن يكون هناك جانب سلبي، فقد وعد جونسون “بأننا سنزدهر خارج بيروقراطية أوروبا التي كانت تخنق الشركات البريطانية بالروتين”.

وكتب إيان مولهيرن من “معهد توني بلير للتغيير العالمي” مقالاً في يونيو (حزيران) الماضي، جاء فيه أنه “بشكل عام، ستصل التكلفة الصافية للخروج من الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمالية العامة إلى ما يقرب من 30 مليار جنيه إسترليني (36.2 مليار دولار) كل عام”.  كما خلص إلى أن “أياً من هذه الضرائب لم تكن ضرورية لو بقينا في الاتحاد الأوروبي”.

وأشار مولهيرن إلى “الدخل الضريبي المنخفض وخسارة الإيرادات من حملة الهجرة، وفاتورة الخروج السنوية من الاتحاد الأوروبي” البالغة 25 مليار جنيه إسترليني (30.1 مليار دولار) كأسباب لـ”الركيزة الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

تراجع التجارة البريطانية 

وكانت التجارة في المملكة المتحدة انخفضت كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، من نحو 63 في المئة في عام 2019 إلى نحو 55 في المئة في عام 2021، في حين أن نمو الإنتاجية المحلية يتباطأ أيضاً. ويُقدر كل من “بنك إنجلترا” و”المكتب المستقل لمسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة” أن الإنتاج المحتمل للمملكة المتحدة انخفض بشكل مباشر منذ الربع الأخير من عام 2019، وسيتحمل نمواً ضعيفاً خلال السنوات القليلة المقبلة.
كما خفضت وكالة تصنيف “كرول بوند” ومقرها نيويورك تصنيف المملكة المتحدة حتى قبل تقديم الميزانية المصغرة الكارثية لرئيس الوزراء السابق ليز تراس في سبتمبر (أيلول) مما أدى إلى تدهور أسواق السندات.

وصرح كين إيغان مدير الائتمان السيادي الأوروبي في وكالة التصنيف الإئتماني “كرول بوند كيه بي بي آر إيه”، لشبكة “سي أن بي سي” الأسبوع الماضي، بأن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل نقطة تحول بالنسبة للمملكة المتحدة، حيث أدى إلى ظهور عديد من نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد”. وأضاف “جزء من سبب تخفيضنا كان وجهة نظر طويلة المدى بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان وسيظل له تأثير سلبي على المملكة المتحدة من منظور الائتمان، من حيث كل شيء، من التجارة إلى المالية الحكومية إلى جانب الاقتصاد الكلي للأشياء”.

وتعتقد وكالة التصنيف الائتماني “كرول بوند” مثل “المكتب المستقل لمسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة” و”بنك إنجلترا” وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومعظم الاقتصاديين، أن النمو سيكون أقل على المدى المتوسط نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأوضح إيغان “لقد عانت التجارة بالفعل، والعملة ضعفت، لكننا لم نشهد تحسناً موازياً للتجارة، وكان الاستثمار حقاً نقطة الضعف منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد تدهور الاستثمار التجاري بشكل حاد بالفعل”. وأضاف “إذا قارنت التضخم في الديناميكية الحالية ببقية العالم، تبدو الخدمات الأساسية وتضخم السلع الأساسية في المملكة المتحدة أعلى بكثير من بقية أوروبا. وحتى لو انتهت أزمة الطاقة غداً، فستظل تعاني من ضغوط التضخم الأكثر ثباتاً في المملكة المتحدة”.

من جانبه، قال زعيم “حزب العمال” المعارض كير ستارمر في مؤتمر أعمال، إن الحزب سيعمل بدلاً من ذلك على “جعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ناجحاً”.

وكانت الحكومة قد تجنبت معالجة تأثير صفقة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث عزا الوزراء الرياح الاقتصادية المعاكسة للبلاد فقط إلى أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، والآثار المتبقية من جائحة “كوفيد -19”.

ومع ذلك، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن “روسيا فقط ستعاني من انكماش اقتصادي أكبر من المملكة المتحدة في عام 2023 بين الاقتصادات المتقدمة والنامية لمجموعة العشرين، في حين يُعتبر التوسع المتوقع بنسبة 0.2 في المئة في عام 2024 هو الأضعف، بالاشتراك مع روسيا”.

تراجع الاستثمار التجاري

وتُعتبر آفاق النمو في المملكة المتحدة أقل من ألمانيا، التي يتعرض اقتصادها بشكل فريد لارتفاع أسعار الطاقة بسبب اعتمادها على واردات الغاز الروسي. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن “عدم اليقين المستمر” إلى جانب ارتفاع تكاليف رأس المال سيستمران في إلقاء العبء على الاستثمار التجاري في المملكة المتحدة، الذي انخفض بشكل حاد منذ “بريكست”.
ومن المتوقع أن تقيم حكومة رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك علاقات ودية مع الاتحاد الأوروبي أكثر من سلفيه بوريس جونسون وليز تراس. ومع ذلك، استبعد المحافظون وحزب العمال أي عودة إلى المؤسسات المتحالفة مع الاتحاد الأوروبي خوفاً من حرمان الناخبين من حق التصويت في الدوائر الانتخابية الرئيسة المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن المزاج العام ربما يكون قد بدأ في التحول، حيث أظهر استطلاع متكرر لـ”يو غوف” في وقت سابق من هذا الشهر أن 56 في المئة من السكان قالوا، إن بريطانيا كانت “مخطئة” في التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016، مقارنة بـ32 في المئة قالوا إنها كانت الخيار الصحيح.

ويذكر أن العجز المكوَّن من 24 نقطة هو الأكبر في السلسلة التي يعود تاريخها إلى عام 2016. ويعتقد الآن ما يقرب من خُمس الناخبين البريطانين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان قراراً خاطئاً وهو أيضاً رقم قياسي.

وكان وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت قد اعترف في الكلمة التي ألقاها أمام مجلس العموم في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) بأن “المملكة المتحدة، مثل البلدان الأخرى، في حالة ركود”. ولكن على الرغم من ذلك توقع الوزير البريطاني أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.2 في المئة، ثم ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بنسبة 1.4 في المئة، قبل أن يرتفع بنسبة 1.3 في المئة و2.6 في المئة و2.7 في المئة في السنوات الثلاث التالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى