اقتصاد دولي

حرب أوكرانيا شكلت نقطة تحول في الاقتصاد الأوروبي

تحت عنوان يشير إلى أن حرب أوكرانيا، شكلت نقطة تحول في الاقتصاد_ الأوروبي، أوردت صحيفة «لوموند» الفرنسية تقريراً مفصلاً أكدت فيه أن القارة العجوز تمكنت من تجنب الركود، على رغم شدة أزمة الطاقة، لكن تنافسية التصنيع الأوروبي ضعفت ومعدلات الفائدة حلّقت. ورأت تلك الصحيفة أن الكارثة التي توقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاقتصاد الأوروبي، لم تقع. وأضافت «بعد سنة من بدء الحرب في أوكرانيا. عانت المنطقة تباطؤاً خطيراً، لكنها لم تصل إلى الانهيار الذي خشي منه كثر في صيف 2022، حينما وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية. وحاضراً تمر المنطقة بفترة ركود مع نمو بـ0.1 في المئة في منطقة اليورو في الفصل الرابع من عام 2022 وصفر في المئة للاتحاد الأوروبي ككل. واستهل عام 2023 الجاري على الاتجاه الركودي نفسه».
وفي مقالها، نقلت الصحيفة الفرنسية عن برونو كافالييه، الخبير الاقتصادي في مجموعة «أودو بي أتش أف» المتخصصة بالخدمات المالية، ملاحظة مفادها بأن ما يعانيه الاقتصاد الأوروبي «يبقى أفضل من الانكماش». وأضافت، «لهذه الأسباب، تمثل الحرب نقطة تحول عميقة ودائمة للاقتصاد الأوروبي». وكذلك نقلت عن أندرو كننغهام، الخبير في المجموعة البحثية الاقتصادية «كابيتال إيكونوميكس»، قناعةٌ مفادها «بأن اضطرار القارة إلى التوقف عن الاعتماد على الغاز الروسي وإيجاد مصادر أخرى للطاقة، هو تغيير دائم». واستناداً إلى ذلك، لفت المقال إلى أن الاقتصاد الأوروبي يصمد على رغم ثلاث صدمات كبرى ستترك آثاراً مستمرة، هي انخفاض القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية، ولا سيما المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة؛ وتشظي سلاسل الإمداد، مع تقليل الاعتماد على روسيا، وكذلك الصين لكن بصورة أقل؛ والقفزة في معدلات الفائدة، ما يضع أوروبا أمام كتلة من الديون التي تتزايد تكاليف تسديدها.
الهيئة الصحية البريطانية تسدد فواتير الطاقة للمرضى المحتاجين إلى الدفء:- ووفق «اللموند»، بات متخذو القرارات السياسية والاقتصادية الأوروبيون منذ صيف 2022، يركزون أعينهم على مؤشر لطالما اكتنفه الغموض في أوقات سابقة، هو مؤشر «تي تي أف» لأسعار الغاز، المحتسب في هولندا، والذي يُعَد معيارياً في أوروبا. في أغسطس (آب)، سجل 338 يورو (361 دولاراً/ 300 جنيه استرليني) للغاز المطلوب في إنتاج واحد ميغاواط/ساعة، أي 15 ضعف متوسطه التاريخي. وكان هذا التطور كافياً لإثارة المخاوف من الانكماش. في المقابل، جاءت الأزمة الاقتصادية موقتة بأكثر من المتوقع. ففي يوم 17 فبراير (شباط)، سجل المؤشر نفسه 48.90 يورو ككلفة لإنتاج واحد ميغاواط/ساعة باستخدام الغاز، وهو أدنى مستوى له منذ 18 شهراً، أي قبل بدء الحرب. «وفي المحصلة، بينما لا يزال أمامنا شهر من فصل الشتاء، لم يحدث انقطاع كبير في التيار الكهربائي ولا تقنين للغاز، على رغم انخفاض شحنات الغاز الروسي إلى أوروبا بـ85 في المئة في الفصل الرابع من عام 2022 بالمقارنة مع نهاية عام 2021».
وفي ذلك السياق، لفتت صحيفة «لوموند» إلى فشل كبير أصاب رهان الرئيس الروسي الذي أغلق إمدادات الغاز من جانب واحد في صيف 2022 (مستثنياً بعض الدول الحليفة، بما في ذلك هنغاريا وصربيا). «كانت أوروبا محظوظة مع حلول شتاء معتدل. لكن في الوقت نفسه، تمكنت الشركات والمنازل من تقليل استهلاكها في شكل كبير. وجاءت النتيجة دراماتيكية. فبين أغسطس ونوفمبر (تشرين الثاني) 2022، انخفض استهلاك الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي بـ20 في المئة بالمقارنة مع متوسطه السنوي بين عامي 2017 و2021. وتمكن الأوروبيون من العثور على مصادر أخرى، وملء مخزوناتهم بالغاز الطبيعي المسال، المستورد من الشرق الأوسط والولايات المتحدة. وفي غضون بضعة أشهر، بات لدى ألمانيا، التي لم يكن لديها مرفق مماثل، محطة لتغويز الغاز الطبيعي المسال في «فيلهلمسهافن» ببحر الشمال، وقد افتُتِحت في ديسمبر (كانون الأول) 2022. وستُضَاف محطات أخرى في ألمانيا وكذلك في فنلندا». [التغويز هو عملية تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز قابل للاستخدام على تلك الصورة].
مزارعون ينتمون إلى منطقة البيرينية وجوارها يحملون نعشا رمزيا ضمن تحرك دعت إلى نقابتان للفلاحين بهدف الدفاع عن الحق في الري والمطالبة بإنشاء خزانات ضخمة للمياه في جنوب غربي فرنسا
مزارعون ينتمون إلى منطقة البيرينية وجوارها يحملون نعشا رمزيا ضمن تحرك دعت إلى نقابتان للفلاحين بهدف الدفاع عن الحق في الري والمطالبة بإنشاء خزانات ضخمة للمياه في جنوب غربي فرنسا (أ ف ب) واليوم، يُسجّل أن مخزونات الغاز في أنحاء أوروبا كلها ممتلئة بما يصل إلى 66 في المئة، وهو «مستوى مرتفع في شكل غير عادي لهذا الوقت من العام»، بحسب ملاحظة من توبي ويتينغتون، الاقتصادي في المؤسسة البحثية «أكسفورد إيكونوميكس. ومن غير المرجح أن ينفد الغاز من أوروبا سواء هذا الشتاء أو في الشتاء المقبل». في المقابل، أضافت «لوموند»، أن الصدمة التضخمية جاءت بصورة مؤلمة للغاية للأسر الأوروبية. «يبدو أن تضخم الأسعار قد تجاوز ذروته، لكنه ظل عند 8.5 في المئة في منطقة اليورو في يناير بالمقارنة مع مستواه قبل سنة». وكذلك يتسبب انخفاض القوة الشرائية في تراجع حاد في الاستهلاك في كل مكان تقريباً. وبالنسبة إلى منطقة اليورو، سيستمر الوهن في النمو «إذ يُتوقَّع نمو صفري في الفصل الأول من عام 2023 وما لا يزيد على 0.8 في المئة للعام بأكمله»، وفق فيليكس هوفنر، الاقتصادي في المصرف الاستثماري «يو بي أس». وأضاف هوفنر، أن «هذا الرقم لا يزال منخفضاً، مع نمو بـ0.2 في المئة، في ألمانيا لعام 2023». واستطراداً، أوردت الصحيفة أن هذه الصدمة أدت إلى «صدمة على صعيد القدرة التنافسية» يعاني منها التصنيع الأوروبي. «وإذا استمرت صدمة الأسعار، تخاطر أوروبا بموجة جديدة من هجرة الشركات»، بحسب خبير اقتصادي اقتبست الصحيفة رأيه. ووفق حسابات وزارة الخزانة الفرنسية، وصلت التكلفة الإضافية لواردات الهيدروكربونات خلال عام 2022 إلى ما يتراوح بين 2.5 في المئة وثلاثة في المئة من الناتج المحلي الخام. وفي سياق متصل، أورد مقال «لوموند» نفسه إن العولمة وصلت إلى ذروتها إبان عام 2008، قبيل الأزمة المالية الكبرى، استناداً إلى رأي هيون سونغ شين، الخبير الاقتصادي في «بنك التسويات الدولية». ففي تلك النقطة، «وصلت الصادرات إلى حوالى 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومنذ ذلك الحين، تنخفض الصادرات ببطء، ووصلت إلى 17 في المئة عام 2022. كذلك تضافرت التوترات بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2016، والجائحة التي كشفت التبعيات الصارخة الموجودة في الغرب، ضمن مجالات تشمل الكمامات والعقاقير والرقاقات الإلكترونية وغيرها؛ [تضافرت] مع الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى زعزعة قناعة القادة الأوروبيين بشأن المنافع المطلقة للتجارة المفتوحة»، بحسب ذلك المقال. ووفق الخبير هوفنر، «أصبحت الشركات الآن على دراية تامة بمخاطر الاعتماد في سلاسل التوريد الخاصة بها». وبحسب «لوموند»، لم تترك الصدمة التضخمية، التي بدأت مع نهاية الجائحة وتفاقمت بسبب الحرب، أي خيار أمام «المصرف المركزي الأوروبي».
بالتالي، اضطر إلى رفع معدل الفائدة بشكل حاد خلال سنة واحدة، من سالب 0.5 في المئة إلى موجب 2.5 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008. «ويمثل هذا أسرع تشديد نقدي منذ إنشاء العملة الموحدة»، بحسب الصحيفة. ومع حلول عامي 2020 و2021، اشترى المصرف الديون كلها الصادرة عن الحكومات الأوروبية. وفي المرة الأخيرة التي كانت فيها معدلات الفائدة مرتفعة، أي في عام 2008، بلغت ديون حكومات منطقة اليورو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تبلغ اليوم 93 في المئة. وفي فرنسا، قفزت تلك النسبة من 69 في المئة إلى 113 في المئة. وبحسب الصحيفة، «لن تكون الصدمة فورية. إذ يبلغ متوسط استحقاق الديون الفرنسية، مثلاً، تسع سنوات. لكن تكلفة التسديد ستتزايد تدريجاً». ووفق رأي هوفنر، «إنها أخبار سيئة. وسيتعين على الحكومات إنفاق مال أكثر. فمن ناحية، [سيذهب ذلك المال إلى] تحويل البنية التحتية للطاقة، ومن ناحية أخرى، [سيُنفق على شكل] زيادة ميزانيات الدفاع». ووفق الصحيفة، «سيستمر أثر الصدمة الاقتصادية للحرب في أوكرانيا لفترة طويلة مقبلة في أوروبا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى