أخبار عاجلةاقتصاد دولي

“دبلوماسية الفوسفات” رهان المغرب لتطوير اقتصاده ودعم مزارعي أفريقيا

يراهن المغرب على قطاع الفوسفات بشكل كبير لتطوير اقتصاده وتنمية زراعته التي تعتمد أساساً على الأمطار بدرجة أولى، وأيضاً لضمان الأمن الغذائي، وهي أهداف تتوخى المملكة تحقيقها بفضل احتياطها الضخم من هذه المادة الحيوية.

ويبدو أن المغرب صار ينهج ما بات بعضهم يسميه “دبلوماسية الفوسفات” من خلال دعم “المجمع الشريف للفوسفات” (شركة عمومية تابعة للدولة) للفلاحين في القارة الأفريقية، وأيضاً “تغذية سكان العالم عبر تمكينهم من العناصر الأساسية لتسميد التربة ونمو النباتات”.

الاحتياطي العالمي

وسجلت معاملات مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، عند نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، ارتفاعا قدره 55 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية 2021.

وعزت المجموعة المذكورة، المكلفة تدبير وتسيير قطاع الفوسفات المغربي، هذا الارتفاع اللافت إلى عوامل عدة، منها ارتفاع أسعار المبيعات لجميع فئات المنتجات، وأيضاً استقرار ظروف السوق خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، مما يعكس بالأساس وضعية العرض المتوترة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، وأيضاً بسبب تخفيض الصادرات الصينية.

وفي السياق يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة مراكش فريد شوقي، إن المغرب يتوافر على أكبر احتياطي عالمي من الفوسفات، وتحديداً ما يناهز 70 في المئة من الاحتياطي العالمي، وأيضاً هو أول منتج للفوسفات أفريقياً والثاني عالمياً بعد الصين.

وأضاف شوقي أن حصة المغرب من السوق الدولية للفوسفات تصل إلى 30 في المئة، مبرزاً أن “الفوسفات هو مصدر الفوسفور الذي يعد مخرجاً مهماً للصناعات الكيماوية، وأحد العناصر الثلاثة الأكثر استخداماً في الأسمدة بعد النيتروجين والبوتاس، كما أن الفوسفات هو مصدر اليورانيوم متعدد الاستعمالات، منها الصناعات العسكرية”.

أسباب ارتفاع الإنتاج

وعزا شوقي ارتفاع إنتاج الفوسفات المغربي إلى الخروج من تداعيات الجائحة، والعقوبات التي فرضت على الصادرات الروسية، وكذلك القيود التي وضعتها الصين على صادراتها، وارتفاع الطلب من الهند التي تعد أحد أكبر المستوردين عالمياً.

واسترسل المحلل الاقتصادي بأن المستوى الجيد لإنتاج الفوسفات على المستوى العالمي يعود إلى عوامل عدة، الأول وجود مصطفى التراب على رأس المؤسسة التي شهدت نقلة نوعية في الهيكلة والحوكمة، والولوج إلى بعض التكنولوجيات وآليات التدبير والمحاسبات.

والعامل الثاني، وفق الأستاذ الجامعي ذاته، يتمثل في الاستراتيجية للتنمية الصناعية التي يرتكز عليها المجمع الشريف للفوسفات، وتتمحور حول ثلاثة محاور رئيسة، وهي الريادة على مستوى المنتج سواء من حيث الكم أو الجودة، والريادة على مستوى خفض التكلفة، ثم المرونة الصناعية للرفع من التنافسية.

ولفت شوقي إلى أن “الفوسفات يحظى بأهمية اقتصادية كبيرة، لأنه يلعب دوراً أساسياً في تحقيق التوازن المطلوب في عجز الميزان التجاري”، مردفاً أن “مداخيل الفوسفات التي ارتفعت في السنتين الأخيرتين جعلت منه مصدراً أساسياً للعملة الصعبة”.

دبلوماسية الفوسفات

وبفضل الاحتياطي الضخم للفوسفات الذي جعل المغرب أحد أكبر منتجي ومصدري الأسمدة الفوسفاتية في العالم، صارت المملكة تنهج ما صار يعرف بـ”دبلوماسية الفوسفات”، خصوصاً في القارة الأفريقية، حيث تشجع المزارعين الأفارقة على تطوير زراعتهم، كما تدعم الأمن الغذائي في هذه البلدان ذات الهشاشة التنموية.

وفي السياق التزم المغرب، عبر مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، بتخصيص أربعة ملايين طن من الأسمدة من أجل تعزيز الأمن الغذائي في القارة الأفريقية في عام 2023، وأيضاً بضمان توافر الأسمدة الملائمة في جميع أنحاء القارة بهدف زيادة مردودية 44 مليون فلاح في 35 دولة.

ويرى مراقبون أنه بهذا الدعم لآلاف الفلاحين الأفارقة والإسهام في توفر الأمن الغذائي عبر الأسمدة الفوسفاتية، يستميل المغرب هذه البلدان الأفريقية لكسب مواقفها الدبلوماسية، خصوصاً في قضية الصحراء التي يقترح المغرب كحل للنزاع إرساء الحكم الذاتي في المنطقة، بينما جبهة البوليساريو تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.

ويرى فريد شوقي في هذا الصدد، أن ريادة المغرب في سوق المنتجات الغذائية والأسمدة الفوسفاتية، جعلت المملكة تنسج مصالح اقتصادية مع مجموعة من الدول في أفريقيا وخارجها، ما جعلها تحظى بمكانة مهمة في الاستراتيجية الطاقية العالمية.

 مشروع المستقبل

وقبل أيام قليلة ترأس العاهل المغربي مراسيم تقديم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفات في المرحلة الزمنية بين 2023 و2027، الذي يروم في المستقبل الانتقال إلى الطاقات الخضراء والاقتصاد الخالي من الكربون قبل عام 2040.

ويصف أستاذ الاقتصاد، هذا المشروع بكونه “مشروعاً ضخماً” مشيراً إلى أن المغرب بدأ التعامل مع شركة فرنسية لإنتاج الأمونياك الأخضر والهيدروجين الأخضر.

وتبعاً للتحليل نفسه، سيكون لهذا المشروع تأثير جد إيجابي على الدينامية الاقتصادية، باعتبار أنه برنامج استثماري سيتم تحقيقه عبر 600 مقاولة صناعية مغربية، كما أنه سيخلق أكثر من 25 ألف فرصة شغل.

ولفت شوقي إلى أنه “لا يمكن تحقيق مشاريع من هذا النوع، إلا بالاعتماد على التكنولوجيات المتقدمة والابتكار، الشيء الذي يراهن عليه “المجمع الشريف للفوسفات” من خلال جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، والاستفادة من ثمار التكنولوجيات الصناعية والرقمية الجديدة”.

وكان بيان للديوان الملكي قد أشار في هذا الصدد إلى أن الرهان المستقبلي سيكون عبر الاستثمار في سلسلة الطاقات المتجددة (الهيدروجين الأخضر والأمونياك الأخضر)، مما سيمكن المجموعة المغربية من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة، وحلول التسميد الملائمة للحاجات الخاصة لمختلف أنواع التربة والزراعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى