مقالات اقتصادية

بعد سلسلة من الحوادث… هل طائرات «بوينغ» آمنة؟

كتب أسامة صالح

,,
هل ما زالت مقولة «إذا لم تكن (بوينغ)، فلن أسافر» صحيحة؟

,,
تواجه شركة «بوينغ» وضعاً صعباً للغاية ومناخاً مشحوناً، إذ باتت أي حادثة تتعلق بطائرة «بوينغ» تخضع لتدقيق إعلامي مكثف ومخاوف من المسافرين، حتى لو كانت حادثة روتينية

كان عنوان أول مقالة نشرتها هذا العام هو «تقرير سلامة الطيران لعام 2023: حوادث ووفيات عند أدنى مستوى تاريخي».
شهد عام 2023 تسجيل حادثتين مميتتين فحسب وقعتا أثناء رحلات داخلية لطائرات مروحية. وعلى رغم مأسوية هاتين الحادثتين اللتين نتج منهما وفاة 86 شخصاً، فإنه عند مقارنة عدد الوفيات التي تقع بسبب حوادث الطرق حول العالم، نجد أن هناك العدد نفسه من الأشخاص يلقون حتفهم كل 35 دقيقة بسبب حوادث الطرق.
لكن، مع بداية العام الحالي، سلطت حادثتان كبيرتان الضوء على المستوى الاستثنائي من مستوى الأمان داخل الطائرات النفاثة الحديثة. ففي الثاني من يناير (كانون الثاني)، اشتعلت النيران في طائرة «إيرباص A350» أثناء هبوطها في مطار طوكيو هانيدا بعد اصطدامها بطائرة تابعة لخفر السواحل كانت قد انحرفت على المدرج. وعلى رغم وفاة خمسة أشخاص على متن الطائرة الصغيرة، أجلي جميع ركاب طائرة الخطوط الجوية اليابانية البالغ عددهم 379 شخصاً بنجاح.
وبعد ثلاثة أيام، أقلعت طائرة «بوينغ 737 ماكس 9» التابعة لشركة «ألاسكا إيرلاينز» من بورتلاند، بولاية أوريغون، في رحلة روتينية إلى أونتاريو في ولاية كاليفورنيا. وفجأة، وأثناء تحليقها على ارتفاع يزيد على 16 ألف قدم، أي أعلى من قمة مون بلانك، «انفصل مقبس باب المخرج في الجهة اليسرى للطائرة»، وفقاً للمجلس الوطني لسلامة النقل. نجا جميع ركاب وطاقم رحلة «AS1282» البالغ عددهم 177 شخصاً بأعجوبة، إذ ظلوا قابعين في مقاعدهم حتى تمكنت الطائرة من الهبوط بسلام في مطار بورتلاند.
تركت هاتان الحادثتان انطباعاً مختلفاً لدى عامة المسافرين. فقد أظهرت حادثة طوكيو احترافية طاقم الخطوط الجوية اليابانية وميزات السلامة في أحدث طائرات «إيرباص». بينما كشفت حادثة بورتلاند عن قصور في طريقة بناء «بوينغ» لطائراتها. وأدت الحادثة إلى وقف جميع طائرات «بوينغ 737 ماكس 9» التي تحمل نفس تصميم قابس الباب من قبل إدارة الطيران الفيدرالية. وكشفت عمليات الفحص عن «أجزاء غير مثبتة بصورة جيدة» و»براغي تحتاج إلى مزيد من الإحكام» في الطائرات التي لا تزال في الخدمة.
«علينا أن نكون أفضل»:- وعلى رغم استئناف رحلات طائرات «بوينغ 737 ماكس»، فإن التحقيقات المتعمقة كشفت عن قصور صادم في عمليات التصنيع والتفتيش في الشركة.
بعد 10 أيام من حادثة طائرة «ألاسكا إيرلاينز» المخيفة وتعليقاً على ذلك، صرح ستان ديل، المدير والرئيس التنفيذي آنذاك لشركة «بوينغ» للطائرات التجارية، «لسنا عند مستوى التطلعات. ونتعهد اتخاذ إجراءات فورية لتعزيز ضمان الجودة والرقابة في جميع منشآتنا».
وبعد أسبوعين، سمح للطائرات بالتحليق مرة أخرى، وقدم ستان ديل اعتذاراً عما سماه «زلة في منظومة الجودة»، وأكد أن تركيز الشركة على المدى الطويل ينصب على تحسين الجودة لاستعادة ثقة العملاء والجهات التنظيمية وعموم المسافرين». وأضاف، «يجب أن نعزز الجودة ونسلم طائرات آمنة دوماً».
الإشكالية هي أنه في كل مرة يكتشف المسافرون معلومات جديدة عن الممارسات التي تجري داخل شركة «بوينغ»، يزداد قلقهم أكثر. ففي أوائل فبراير (شباط) الماضي، تعهد الرئيس التنفيذي لشركة «بوينغ» بوقف «العمل المتنقل»، وهي ممارسة يسمح فيها بإصلاح المكونات ذات العيوب المعروفة على خط الإنتاج أثناء التجميع – وهو الكشف الذي صدم الكثيرين لأنه تم السماح أصلاً بتركيب أجزاء معيبة في الطائرات. وقد أدى ذلك إلى تدخل إدارة الطيران الفيدرالية وتباطؤ إنتاج الطائرات من طراز «بوينغ 737 ماكس»، مما أثر في أسعار التذاكر وخيارات المسافرين، بخاصة في المملكة المتحدة، إذ اضطرت شركة «ريان إير/ Ryanair» إلى تقليص جدول رحلاتها الصيفية بسبب بطء تسليم الطائرات. ولم تتوقف مشكلات «بوينغ» عند طائرة «737 ماكس»، بل امتدت لتشمل طائرة أخرى هي «دريملاينر 787»، وهي طائرة مفضلة للرحلات الطويلة لدى عديد من شركات الطيران والمسافرين. فقد أبلغ المهندس سام صالح بور عن مخالفة ارتكبتها الشركة إذ استخدمت قوة مفرطة في تركيب ألواح الطائرة على خط التجميع، مما يزيد من خطر الضغط والإجهاد الذي قد يتسبب في تفككها، ولكن «بوينغ» رفضت بشدة مزاعمه خلال مؤتمر صحافي موسع.
مآسٍ صادمة ولا مبرر لها:- تواجه شركة «بوينغ» وضعاً صعباً للغاية ومناخاً مشحوناً، إذ باتت أي حادثة تتعلق بطائرة «بوينغ» تخضع لتدقيق إعلامي مكثف ومخاوف من المسافرين، حتى لو كانت حادثة روتينية مثل الهبوط الاضطراري الذي قامت به طائرة «بوينغ 737 ماكس» التابعة لشركة طيران كندا في أبريل (نيسان) الماضي، إذ هبطت في مدينة بويزي بولاية آيداهو أثناء رحلتها من مدينة مكسيكو إلى فانكوفر. وهذا النوع من الحوادث شائع وطبيعي في عالم الطيران.
وهبطت الطائرة بسبب إشارة ضوئية تحذيرية تشير إلى وجود مشكلة محتملة في منطقة الشحن. ولا شك لو أن الطائرة كانت من صنع «إيرباص»، لكانت واقعة الهبوط الاضطراري مرت دون أي تغطية إعلامية، ولكن بسبب الاهتمام الشديد بما يحدث في شركة «بوينغ»، أصبح أي خبر موجود فيه اسم «بوينغ» محط اهتمام إعلامي كبير. وفي التاسع من مايو (أيار) الجاري وقعت حادثتان أخريان لطائرتين من طراز «بوينغ 737»، الأولى، وهي طائرة عمرها 30 عاماً، خرجت عن المدرج بعد إلغاء إقلاعها بسبب عطل هيدروليكي واشتعلت فيها النيران في مدينة داكار، بالسنغال، مما أدى إلى إصابة بعض الركاب وأفراد الطاقم أثناء عملية الإخلاء. أما الثانية، وهي طائرة «بوينغ 737-800» تابعة لشركة «كوريندون إيرلاينز»، فقد انفجر أحد إطاراتها أثناء الهبوط في مطار غازي باشا في جنوب تركيا، وكإجراء احترازي، بدأ الطيارون عملية إخلاء طارئة.

وفي خطوة مفاجئة، لم يعد ستان ديل محط أنظار وسائل الإعلام المحمومة، إذ أعلن عن تقاعده بصورة مفاجئة في الـ25 من مارس (آذار)، وتولت ستيفاني بوب منصبه. وفي اليوم نفسه، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «بوينغ»، ديف كالهون، ورئيس مجلس الإدارة، لاري كيلنر، عن نية مغادرتهما الشركة بحلول نهاية العام.
44.jpg
ديف كالهون، الذي سيغادر منصبه كرئيس تنفيذي لشركة بوينغ في نهاية عام 2024 (أ ب)

 

يذكر أن كالهون تولى منصبه في عام 2020 بعد مغادرة الرئيس التنفيذي السابق، دينيس مويلينبورغ، على خلفية أزمة طائرة «737 ماكس». وتأتي استقالته الآن في وقت تواجه فيه «بوينغ» تحديات كبيرة لاستعادة ثقة الجمهور والتعامل مع المشكلات المتعلقة بجودة التصنيع. ولكن الفترة التي مرت بها الشركة آنذاك كانت أكثر صعوبة، لا سيما بعد ظهور أدلة تثبت اتخاذ الشركة قرارات كارثية كانت السبب في مقتل 346 شخصاً.

في الـ29 من أكتوبر (تشرين الأول) 2018، تحطمت طائرة «ليون إير» الرحلة 610 بعد وقت قصير من إقلاعها من جاكرتا، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 189 شخصاً. وبعد أقل من ستة أشهر، تحطمت طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية الرحلة 302 المتجهة من أديس أبابا إلى نيروبي، مما أسفر عن مقتل 157 شخصاً في ظروف مشابهة. وكشفت التحقيقات عن أن السبب وراء الحادثتين هو خلل في النظام الآلي لمنع السقوط، إذ قام بتفعيل نفسه بصورة خاطئة وتسبب في انحدار الطائرتين بصورة لا يمكن السيطرة عليها.

وبعد الكارثة الثانية، تبين أن «بوينغ» قد قامت بتثبيت برنامج لديه القدرة على تحدي أوامر الطيارين وإجبار الطائرة على الانحدار، حتى في وقت كان الطيارون يكافحون فيه دون طائل للسيطرة على الطائرة. وعلى أثر ذلك، تم إيقاف جميع طائرات «بوينغ 737 ماكس» عن الطيران لمدة 20 شهراً لإجراء تحسينات على مستوى السلامة.

وعقب توقف دام 20 شهراً، عادت طائرة «بوينغ 737 ماكس» إلى الخدمة في ديسمبر (كانون الأول) 2020، بما في ذلك لدى شركة «رايان إير»، التي تعد أكبر عميل أوروبي لهذا الطراز من الطائرات. وتعد «737 ماكس» محوراً أساساً في خطط «رايان إير» للسيطرة على سماء القارة الأوروبية، على رغم الجدل الذي لا يزال يحيط بهذه الطائرة بعد حادثتين مأسويتين.

وكشف مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لرايان إير، في يناير (كانون الثاني) الماضي، عن شكاوى الشركة من عيوب في طائرات «737 ماكس» الجديدة، بما في ذلك العثور على مفتاح ربط تحت أرضية إحدى الطائرات.

وقال أوليري لـ»اندبندنت»، «نجري فحصاً لمدة 48 ساعة على كل طائرة يتم تسليمها إلى دبلن. وبعد جائحة كورونا، كنا نتسلم الطائرات ونكتشف كثيراً من العيوب الصغيرة والأشياء غير المجهزة بصورة صحيحة. وهذا أمر غير مقبول أن يتم تسليم طائرات بجاهزية أقل من 100 في المئة».
55.jpg
باقة زهور بجانب حطام رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية 302 عام 2019 (غيتي)

 

ومع ذلك، أبدى أوليري دعمه للرئيس التنفيذي لـ»بوينغ»، ديف كالهون، وأعرب عن رغبته في الحصول على مزيد من طائرات الشركة، بل إنه عرض شراء طائرات «737 ماكس 10» التي كانت شركة «يونايتد إيرلاينز» قد حذرت من أنها قد لا تتسلمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى