مقالات اقتصادية

ميهير شارما: لماذا يمثل ازدهار القطاع العام في الهند مشكلة؟

كتب أسامة صالح

حين انتخب ناريندرا مودي رئيساً لوزراء الهند منذ عقد بعدما كان يرأس وزراء ولاية غوجارات المنفتحة على أنشطة الأعمال، توقع كثيرون أنه سيكون أشد دعماً للقطاع الخاص من قادة البلاد السابقين.

نُقل عن مودي قوله حين كان مرشحاً: “أرى أن الحكومة لا شأن لها في مجال الأعمال”، وكان أحد شعارات الحملة المتعددة في 2014 “حكومة أقل حضوراً من الحوكمة”. بدا ذلك أقرب ما يكون لما قد يتوقعه المرء من تقليل التدخل، أي بقدر من الثاتشرية يوائم الهند.

لكن لم يُصدّق كل من تابع ولاية مودي في غوجارات ذلك السرد السلس. كان أكثر إنجازات مودي مدعاة للفخر هو إصلاح شركات القطاع العام التابعة لحكومة الولاية، وخصوصاً في قطاع الطاقة. وكان ذلك تركيزه الأساسي حين أصبح رئيساً للوزراء أيضاً.

في مقابلة حديثة، حين طُلب منه أن يذكر مثالاً يدل على كيف ينبغي أن تتفاعل الأسواق مع إعادة انتخابه المرتقبة، أشار مودي فقط وتحديداً إلى أنه أصلح حال أسعار الأسهم في شركات القطاع العام.

تفوق القطاع العام

لم يكن مودي مخطئاً. فقد كان أداء الشركات الحكومية أفضل من أداء مؤشر “سنسكس” المعياري في الهند لثلاث سنوات على التوالي، ويُرجح أن يظل أداؤها أفضل من أداء المؤشر هذا العام أيضاً. تُتداول أسهم تلك الشركات بانتظام بسعر أعلى من أسهم مثيلاتها في القطاع الخاص.

يعزو المسؤولون الحكوميون ذلك النجاح إلى التغيرات الإدارية في تلك الشركات العملاقة القديمة الواهنة. على سبيل المثال، قال الوزير المسؤول عن شركات النفط الحكومية في الهند إن إدارة مودي قد بدأت “حقبة جديدة من الحوكمة تتسم بالمهنية والحصافة الاستراتيجية والتمسك الحازم بالمصالح الوطنية”. إن المحللين متفائلون بالمثل، وإن كانوا أقل استرسالاً في التعبير عن ذلك.

لكن بماذا يشي ذلك الأداء المتفوق للقطاع العام عن اقتصاد الهند الحقيقي؟ هل يستحق مثل ذلك النشاط التباهي به حقاً؟

هيمنة الصناعات الآفلة

ينبغي أن ننتبه إلى بعض النقاط الجديرة بالملاحظة. النقطة الأولى هي أن أغلب شركات الهند المملوكة للدولة تنتمي لقطاعات قديمة، وهي الوقود الأحفوري والنقل بنمطه القديم والسلع الرأسمالية التي تعود للقرن العشرين. أما النقطة الثانية فهي أن استثمارات القطاع الخاص في الهند ما تزال ضعيفة.

إذا أخذنا تلك النقاط في الاعتبار معاً، فستبدو الصورة الأشمل مقلقة قليلاً. إن كان أداء ما يُعرف في الهند بـ”شركات القطاع العام” جيداً، فهل يرجع ذلك إلى أن أداء القطاع الخاص في النمو والاستثمار ضعيف؟ وإذا كانت الشركات الأفضل أداءً في اقتصاد هي التي تمارس شبه احتكار في صناعات آفلة، هل يُعتبر ذلك خبراً جيداً؟

حاجج محللون في “كوتاك إنستيتيوشنال إكويتيز” (Kotak Institutional Equities) بأن تلك النقطة الأخيرة، التي تخص ضعف استثمارات القطاع الخاص في الهند، تُعتبر مشكلة حقيقية، إذ قالوا: “إن استمرار إعادة استثمار التدفقات النقدية الضخمة من جانب شركات القطاع العام في أنشطتها القائمة (وأغلبها في الصناعات الآفلة) قد يقيد قدرتها على الاستثمار في أنشطة أكثر قدرة على الصمود في المستقبل، وهو أمر حيوي لقدرتها على مواصلة نشاطاتها على المدى الأطول”.

صعوبات أمام القطاع الخاص

ثمّة دورة تأخذ مجراها هنا، سواء كانت إيجابية أم سلبية. تهيمن الشركات الحكومية على قطاعات محددة أقدم من غيرها. تحقق تلك الشركات فوائض نقدية جيدة. لكنها لا تستطيع أن تُحوّل أرباحها إلى النظام المالي الأوسع لكي تجد أكثر المشروعات الجديدة فاعلية، وذلك لأنها تخضع لسيطرة الحكومة. عوضاً عن ذلك، على تلك الشركات أن تتبع توجيهات الحكومة في نيودلهي لكي تعيد الاستثمار في صناعاتها.

في تلك الأثناء، تواجه الشركات الخاصة في الهند صعوبات. انكمشت خطط الاستثمار الجديدة التي أعلنها القطاع الخاص بأكثر من 15% خلال العام المالي 2023-2024. وكان قطاع التصنيع هو الأكثر تضرراً، إذ تراجعت المقترحات الجديدة 40% من حيث القيمة، من 20 تريليون روبية هندية (240 مليار دولار) في العام المالي 2022-2023 إلى 12 تريليون روبية (144 مليار دولار) في العام المالي 2023-2024.

توصل الاقتصاديون إلى تفسيرات مختلفة لأسباب التراجع. حاجج البعض بأن الطلب المحلي ليس قوياً بما يكفي ليبرر القطاع الخاص جدوى الاستثمارات الجديدة. وأشار آخرون إلى أن الإنتاجية في قطاع التصنيع بالكاد نمت، لذا لم ينجذب رأس المال الجديد للقطاع. كما أن الجميع تقريباً يتفقون على أن الإصلاحات المنفتحة على أنشطة الأعمال لم تتوسع بما يكفي.

مشكلة أعمق

المشكلة الأكبر هي أن مودي طوّر خطة مُحكمة للنمو الاقتصادي خلال ولايتيه السابقتين، والقطاع الخاص ليس هو المعني بتولي زمام الأمور. تعكف الحكومة بنشاط على سحب مدخرات الأسر النقدية وتُوجّه كل الاستثمارات عبر القطاع الحكومي.

ارتفع الإنفاق الحكومي بشكل كبير كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك ازدادت ديون البلاد. تشير تقديرات مركز الأبحاث التابع لوزارة المالية الهندية إلى أن النمو خلال العام المقبل سيبلغ بين 7.1% و7.4% ، وهو تقدير متفائل، وذلك أساساً بفضل الإنفاق الرأسمالي للقطاع العام.

ببساطة، لا تنطوي تلك الاستراتيجية على اتباع مبادئ سياسة ثاتشر. فن المؤكد أنها لن تؤدي لتحديث اقتصاد الهند بعيداً عن الصناعات الآفلة. كما أنها لن تزيد الإنتاجية، ففي ذلك ضغوط أكثر من اللازم على القطاع العام.

إضافة لذلك، فهي ليست مستدامة من الناحية المالية. ارتفعت الاستثمارات الحكومية في كل ميزانية اتحادية، لذا فالسؤال هو إلى أي مدى تستطيع الهند أن تحافظ على ذلك؟ إذا استمر مودي في الحكم، على إدارته أن تنتهج استراتيجية مختلفة. فالشركات الحكومية غير قادرة على أن تكون أساس اقتصاد حديث ومنتج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى