اقتصاد دولي

مصر تتجنب تكرار أزمة الدولار بتقليص الاعتماد على الأموال الساخنة

مع التحسن الكبير في مستوى السيولة الدولارية، تعتزم الحكومة المصرية عدم التوسع في الاقتراض عبر الأموال الساخنة مرة أخرى خلال الفترة المقبلة والتعامل بحرص في هذا الشأن، إذ تضع الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الأسواق الناشئة في حسبانها مع خروج هذه الأموال مع بدء “الفيدرالي الأميركي” لسياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة خلال العامين الماضيين، وعدم تكرار أزمة الخروج الجماعي للأموال الساخنة عام 2022.

دخلت البلاد في أزمة عنيفة بعد تخارج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال والاستثمارات الساخنة بشكل مفاجئ خلال الربع الأول من 2022، وفي إطار تجاوز الأزمة أعلنت الحكومة إجراءات عدة أهمها العودة إلى صندوق النقد الدولي وطلب تمويل جديد. وبالفعل وافق الصندوق على برنامج تمويلي بقيمة ثمانية مليارات دولار.

وأمس، وافق مجلس النواب المصري، على الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024-2025 نهائياً، وكذلك على التقرير العام للجنة الخطة والموازنة في شأن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية المقبلة. وأقر البرلمان أيضاً مشروعات موازنات الهيئات العامة الاقتصادية، وعددها 59 هيئة، والهيئة القومية للإنتاج الحربي، ومشروع الموازنة التفصيلية العامة لمجلس النواب.

الحكومة تقلص الاقتراض المباشر من البنك المركزي

وفق البيانات المتاحة، تستهدف الموازنة العامة للدولة تحقيق إجمالي إيرادات قدرها 2.6 تريليون جنيه (55.437 مليار دولار)، وإجمالي مصروفات بنحو 3.9 تريليون جنيه (83.155 مليار دولار)، ليصل العجز الكلي إلى نحو 1.2 تريليون جنيه (25.586 مليار دولار) بنسبة 7.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، فيما تبلغ نسبة إجمالي دين أجهزة الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلي نحو 86 في المئة. ويتضمن مشروع الموازنة مخصصات مالية لدعم السلع التموينية بنحو 134 مليار جنيه (3.049 مليار دولار)، مع وجود مخصصات بقيمة 40 مليار جنيه (0.916 مليار دولار) لدعم برنامجي “تكافل وكرامة”، مع رصد 23 مليار جنيه (0.490 مليار دولار) مخصصات لدعم الصادرات من نحو 20 مليار جنيه (0.426 مليار دولار) متوقعة في 2023-2024.

وتتوقع الحكومة نمو الاقتصاد بنسبة 4.2 في المئة للعام المالي المقبل، ارتفاعاً من 2.9 في المئة متوقعة في العام المالي 2023-2024.

ومن المرجح أن ينخفض معدل التضخم الرئيس إلى 17.9 في المئة في المتوسط خلال العام المالي المقبل، من 35.7 في المئة متوقعة في العام المالي الحالي. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يتسع عجز الموازنة إلى 7.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ارتفاعاً من 7.2 في المئة متوقعة خلال العام المالي الحالي.

ومع تحسن السيولة الدولارية واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية، قلصت الحكومة المصرية من حجم الاقتراض المباشر من البنك المركزي المصري خلال مارس (آذار) الماضي بنسبة 24 في المئة على أساس شهري إلى 1.697 تريليون جنيه (35.427 مليار دولار).

وفي مذكرة بحثية حديثة، أشارت مؤسسة “كابيتال إنتليجنس”، إلى أن تراجع حجم الاقتراض من البنك المركزي جاء لعدد من العوامل، أبرزها توافر السيولة الأجنبية لدى الحكومة بعد اتفاقية “رأس الحكمة” وصرف شرائح من البرنامج المعدل مع صندوق النقد الدولي مما يقلل حاجة الحكومة للاقتراض. وقال كبير الاقتصاديين في شركة “كايرو كابيتال”، هاني جنينة، إن صندوق النقد يحرص على وضع شرطين في أغلب اتفاقاته مع الدول، أحدهما يحدد سقفاً لاقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزي، والآخر يضع حداً أدنى لاحتياط “المركزي” من الدولار، إذ يهدف الصندوق إلى التأكد من أن موازنة المركزي متسقة مع سعر الصرف والتضخم، وحتى لا تتدخل البنوك المركزية بالسوق لتثبيت أسعار صرف عملاتها أمام الدولار عند مستوى محدد.

كيف عززت صفقة “رأس الحكمة” الخزانة المصرية؟

وقبل أيام، كشفت بيانات وزارة المالية المصرية، أن الموازنة العامة للدولة حصلت على نحو 179 مليار جنيه (3.816 مليار دولار) من التحويلات الخاصة بصفقة “رأس الحكمة” التي أعلنت عنها مصر خلال مارس الماضي. وأشارت إلى ارتفاع إجمالي الحصيلة غير الضريبية للموازنة من الإيرادات المتنوعة إلى 267.4 مليار جنيه (5.701 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو (تموز) 2023 حتى أبريل (نيسان) 2024 بزيادة بنسبة 274.5 في المئة.

وفق البيانات، حققت الموازنة العامة للدولة إيرادات بلغت 1.664 تريليون جنيه (35.479 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو وحتى أبريل من العام المالي 2024-2025، لترتفع بنحو 539 مليار جنيه (11.492 مليار دولار) بنسبة نمو 47.9 في المئة. وأسهمت المتحصلات من الإيرادات الضريبية بنسبة 74.6 في المئة، والإيرادات غير الضريبية بنسبة 25.4 في المئة.

وحققت الموازنة العامة للدولة فائض أولي بقيمة 469.1 مليار جنيه (10.002 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو إلى أبريل من العام المالي 2023-2024، بنسبة 3.35 في المئة من الناتج المحلى مقابل فائض أولي بقيمة 95.6 مليار جنيه (2.038 مليار دولار) بنسبة 0.95 في المئة خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق.

فيما بلغ عجز الموازنة العامة للدولة 781 مليار جنيه (16.652 مليار دولار) بنسبة 5.58 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي خلال أول 10 شهور من العام المالي الحالي مقارنة مع 570 مليار جنيه (12.153 مليار دولار) نسبة 5.64 في المئة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وأرجع التقرير زيادة الفائض الأولي بموازنة العام المالي الحالي إلى ارتفاع الإيرادات بنحو 47.9 في المئة، مع استيفاء كافة متطلبات زيادة مخصصات قطاع الصحة والتعليم، والاستثمارات الممولة من الخزانة، وزيادة الأجور، وتلبية مخصصات برامج الحماية الاجتماعية.

كانت وكالة “فيتش” توقعت ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي في مصر بمقدار 16.2 مليار دولار في السنة المالية الحالية 2023-2024 إلى 49.7 مليار دولار. وبداية الشهر الماضي، عدلت الوكالة نظرتها المستقبلية لتقييم مصر الائتماني للعملات الأجنبية على المدى الطويل من مستقرة إلى إيجابية، مع الإبقاء على التصنيف الحالي عند مستوى – B.

وأرجعت النظرة المستقبلية الإيجابية إلى تحسن أخطار التمويل الخارجي على المدى القريب، وسط توقعات بارتفاع احتياطات النقد الأجنبي بشكلٍ ملحوظ، مدعومة بتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية القوية والإصلاحات الاقتصادية الجارية. ورجحت “فيتش” زيادة احتياطات النقد الأجنبي الإجمالية بمقدار 16.2 مليار دولار في السنة المالية 2024 إلى 49.7 مليار دولار، على رغم اتساع العجز في الحساب الجاري بمقدار أربعة نقاط مئوية إلى 5.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتوقعت أن ترتفع احتياطات النقد الأجنبي إلى 53.3 مليار دولار بحلول نهاية السنة المالية 2025، وهو ما يعادل 5.6 شهر من المدفوعات الخارجية الجارية، وهو أعلى من متوسط التصنيف B البالغ 4.1 شهر. ورجحت أن ينخفض صافي الدين الخارجي بمقدار 6.5 نقطة مئوية في الفترة المالية 2023-2025 إلى 23.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى