مقالات اقتصادية

إمبراطوريات شركات آسيا القديمة قد تكون مفتاح مستقبل السيارات

كتب أسامة صالح

يعد الهيدروجين المادة الأكثر وفرة في الكون بأكمله، كما أنه عنصر حيوي في تكوين أثمن مواردنا، وهو الماء. تبث المبادرات التي حددت شركات تصنيع السيارات ملامحها الشهر الماضي روحاً جديدة في خطط استخدام ذلك الغاز كوقود.

كما أنها تذكِرة بأن اتخاذ الهيدروجين مصدراً رئيسياً للطاقة في العالم سيحتاج إلى دعم لا يُستهان به من الشركات القائمة على التنوع، مثل مجموعات الشركات الضخمة العريقة في شمال آسيا.

ينطوي أكثر المسارات الواعدة للاستفادة من الهيدروجين على تخزين الغاز في خزان مثلما يجري تخزين البنزين، ثم إدخاله في خلية وقود يمتزج فيها بالأكسجين لتوليد تيار كهربائي في عملية ناتجها الثانوي هو الماء. إذا أضفت ذلك لسيارة، ستصبح لديك مركبة كهربائية تعمل بخلايا الوقود.

تحوَّل تركيز القطاع حديثاً إلى الهيدروجين الأخضر، الذي يجري إنتاجه عبر تمرير تيار كهربائي في مياه تحتوي على الكهرباء. تُسمى الآلات التي تنتج ذلك الهيدروجين الأخضر المحللات الكهربائية، وهي تُعتبر طاقة خضراء حقاً فقط في حالة أن مصدر الكهرباء الأصلية يأتي من مصادر الطاقة المتجددة، مثل بطاريات المركبات الكهربائية.

الحل الأمثل

تشغيل محلل كهربائي على مقربة من مزرعة رياح أو مصفوفات طاقة شمسية أو سدٍ كهرومائي سيكون وضعاً مثالياً لأنه يمكن استخدام الطاقة المتجددة لتوصيل الكهرباء المولّدة من الطاقة النظيفة إلى منشأة إنتاج الهيدروجين مباشرةً. لكن ما يزال يتعين نقل الغاز إلى محطات التزود بالوقود، وذلك على الأرجح عبر خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.

الحل الأمثل، الذي يجدر بالقطاع أن يسعى لتنفيذه، هو استخلاص الهيدروجين وتخزينه وإعادة التزود بالوقود في الموقع مباشرةً. يمكن إلحاق تلك المنشآت بمحطات الغاز القائمة لكنها ليست ضرورة.

نظراً لأن معدات التحليل الكهربائي لا تتطلب سوى المياه والكهرباء، ثمّة قدر أكثر من المرونة في اختيار موقعها. يمكن استخدام النفايات العضوية عن طريق استخلاص الهيدروجين من الأطعمة الفاسدة أو مياه الصرف الصحي كبديل للتحليل الكهربائي.

دوافع ضعيفة

في الوقت الحالي، لا توجد سوى ثلّة من الشركات التي لديها دافع لتستثمر في هذه البنية التحتية. لكن شركة “تسلا“، القائمة على نموذج إنتاج المركبات الكهربائية وكذلك البنية التحتية لإعادة شحنها تمثل استثناءً للقاعدة وتبين لنا أن الحلول المتكاملة هي أفضل وسيلة لتأسيس نظام نقل متكامل جديد تماماً.

لا يبدو أن موردي النفط ومشغلي محطات البنزين الحاليين حريصون على الدخول في عصر خلايا الوقود، خصوصاً أنه لا توجد تقريباً أي مركبات تعمل بالهيدروجين على الطرق في الوقت الحالي. شهد الربع الأول من العام بيع 223 مركبة تعمل بالهيدروجين فحسب في الولايات المتحدة من إجمالي 3.8 مليون مركبة.

كما أنه سيكون ضرباً من المبالغة أن نتوقع من شركات السيارات الأميركية التقليدية، مثل “جنرال موتورز” أو “فورد موتور“، أن تبتعد عن مجال تخصصها وتدخل في مجال الوقود. تواجه هذه الشركات فعلاً صعوبات في إدارة عمليات طرح مركباتها الكهربائية، إذ إن تقنية بطاريات السيارات والمعروض منها تُثبت أنها حجر عثرة في طريقها.

هل آسيا هي الحل؟

ربما تكون كبرى مجموعات الشركات الآسيوية هي الحل. عرضت كل من “هيونداي موتور” و”هوندا موتور” و”تويوتا موتور” حلول الطاقة الهيدروجينية في معرض النقل النظيف المتقدم في كاليفورنيا الأسبوع الماضي.

تنتمي شركات صناعة السيارات الثلاث لإمبراطوريات أكبر حجماً في مجال أنشطة الأعمال تُعرف في كوريا الجنوبية باسم “تشايبول” (chaebol)، أي العائلات الثرية التي تعمل في مجال الأعمال، وفي اليابان باسم “كيرتسو” (keiretsu)، وهي شبكات الأعمال التي تضم شركات مختلفة.

أكثر ما تشتهر به تلك الشركات الثلاث خارج بلادها هو صناعة السيارات والدراجات النارية. لكن أذرعها تمتد بشكل متوسع في مجالات أخرى. على سبيل المثال، لدى “تويوتا” 17 شركة على الأقل في مجموعتها لها أنشطة في وحدات تشمل شركة لصناعة الصلب ومورد للمنسوجات وشركة لتطوير أدوات الآلات.

ربما تكون “هيونداي” في كوريا الجنوبية هي الأكثر تنوعاً من حيث الأنشطة. تضم المجموعة شركات متخصصة في بناء السفن وخدمتها، وإنتاج المحركات الكهربائية، إلى جانب توريد الروبوتات. رغم أن عمليات الانقسام وفصل الوحدات قلصت الحصص المتقاطعة والإدارة على مر السنين، فإن إمبراطوريات الأعمال ما تزال تستفيد من توطُّد العلاقات بين الشركات في صناعات متباينة أكثر مما رأيناه في أوروبا وأميركا الشمالية.

خطة “هيونداي”

لدى “هيونداي” خطة، إذ تعتقد أنها قادرة على أن تستفيد من ميزة كونها شركة عملاقة لتبني سلسلة إمداد خلايا الوقود بأكملها “من إنتاج الهيدروجين وتخزينه إلى الخدمات اللوجستية والنقل والتطبيقات المتنوعة”. دفعت الشركة العام الماضي بـ30 من شاحناتها الثقيلة من طراز “إكسينت” (XCIENT) في كاليفورنيا لتتولى نقل البضائع من الموانئ في أوكلاند وريتشموند.

الجزء السهل هو تصنيع المركبة وقيادتها. ما تسعى شركات مثل “هيونداي” لتحقيقه أيضاً هو تأسيس البنية التحتية لاستخلاص الهيدروجين وتخزينه ونقله. على سبيل المثال، يتولى مشروع تجريبي في كوريا الجنوبية عملية تحويل مخلفات الطعام إلى غاز الهيدروجين النظيف الذي يجري حينئذ تخزينه محلياً لإعادة التزود بالوقود في الموقع.

قالت “هيونداي” إنها تتوقع أن تكون لديها منشأة أخرى تعمل على تحويل مياه الصرف الصحي إلى الهيدروجين بحلول نهاية 2024.

مستقبل أخضر

تعمل شركة “هوندا”، التي تهدف لأن تكون 40% من مبيعاتها العالمية بحلول 2030 من المركبات الكهربائية والمركبات التي تعمل بخلايا الوقود، أيضاً على الاستفادة من اتساع نطاق نشاطها لتصنع كلاً من السيارات والوقود. عرضت الشركة اليابانية هذا الشهر شاحنة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين تشبه شاحنة “هيونداي” من حيث الحجم والسعة.

في ضوء أن أسعار المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات تتراجع وأن محركات الاحتراق الداخلي ما تزال الخيار المفضل، فإن فرصة الهيدروجين محدودة نسبياً وتتضاءل سريعاً. إن كان لتلك التقنية البديلة أن تحظى بموطئ قدم، فستحتاج إلى موردين متكاملين بإمكانهم تحقيق أرباح من كل حلقة في سلسلة الإمداد.

يضع ذلك العبء على كاهل الإمبراطوريات العملاقة في آسيا لكي توظف كل مواردها إن كانت الفرصة ستتاح للهيدروجين لأن يضحى جزءاً من مستقبلنا القائم على الطاقة الخضراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى